في خطوة أميركية اقتصادية وتجارية جريئة من شأنها إعادة التوازن التجاري العادل والمنصف للولايات المتحدة الأميركية، أعلنت أميركا عن فرضها لرسوم جمركية جديدة على معظم دول العالم، من بينها دول عظمى وحليفة وشريكة تجارية رئيسة لها، سيعًا منها إلى إحداث حراك وتعامل تجاري متوازن لتعاملاتها التجارية مع دول العالم، التي من بينها دول حلفاء وأيضًا شركاء رئيسون مثل: الصينوكنداوالمكسيك. فعلى سبيل المثال، وفقًا لUnited State Census Bureau فقد بلغت قيمة واردات الولاياتالمتحدة الأميركية من كندا تقريبًا 413 مليار دولار أميركي في عام 2024، في حين بلغت قيمة صادرات الولاياتالمتحدة الأميركية إلى كندا 349 مليار ريال دولار أميركي. وبلغت قيمة واردات الولاياتالمتحدة الأميركية من المكسيك حوالي 510 مليار دولار أميركي في عام 2024، في حين بلغت قيمة صادرات الولاياتالمتحدة الأميركية إلى المكسيك 334 مليار دولار أميركي. ولا مناص من القول، إن الوضع التجاري والتعاملات والتبادلات التجارية بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين قد لا يختلف كثيراً عن تعاملات أميركا مع كندا ومع المكسيك، حيث على سبيل المثال في عام 2024 بلغت قيمة واردات أميركا من الصين حوالي 439 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة صادرات أميركا حوالي 144 مليار دولار أميركي. تُظهر الأرقام أن المكسيكوكنداوالصين شركاء رئيسون للولايات المتحدة الأميركية مع وجود فائض بالميزان التجاري لصالحهم. ولهذا السبب تُعزى أسباب رفع أميركا للرسوم الجمركية رغبة منها إحداث توازن بالعلاقات التجارية التي تربط فيما بينها وبتلك الدول، وبالذات فيما يتعلق بالتبادلات التجارية والتجارة البينية المرتبطة بالتحديد بالتصدير والاستيراد، الذي أثر في الماضي سلبًا على الميزان التجاري الأميركي، وأصبح يعمل لصالح تلك الدول على حساب الميزان التجاري الأميركي، بما في ذلك على الناتج المحلي الأميركي وعلى الصناعة وأيضًا على قدرة الاقتصاد على خلق الوظائف. خلال حملته الانتخابية لعام 2024، قدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب عدة وعود للشعب الأميركي في حال فوزه بولاية ثانية، من أبرزها وأهمها، أن يجعل أميركا عظيمة مجددًا (Make America Great Again) وانطلاقًا من هذا الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي على نفسه، سعى لتحقيقه على كافة الأصعدة والمستويات، بما في ذلك على الجانب الاقتصادي والتجاري لأميركا، حيث واستناداً إلى مفهوم جعل الاقتصاد حرًا بدأت تحركات الرئيس الأميركي في رفع وزيادة الرسوم الجمركية، مستهدفًا من خلال ذلك إعادة توجيه أنظار وسلوكيات المستهلكين الأميركان بشكل أكبر للسلع الأميركية، وأيضًا تعزيز الإيرادات الفيدرالية وخفض العجز المالي البالغ 36 تريليون دولار أميركي، بما في ذلك خلق الوظائف من خلال إعادة المصانع والتصنيع إلى أميركا، وأخيرًا وليس آخرًا إحداث توازن في التعاملات والتبادلات التجارية بين أميركا ودول العالم الأخرى من خلال المفاوضات. صحيح أن الإجراءات الأميركية برفعها للرسوم الجمركية على واردات العديد من دول العالم، بما في ذلك دول ضمن الاتحاد الأوروبي وغيرها، قد أحدثت أشبه ما يكون بالزلزال الاقتصادي العالمي، الذي تم رصده من خلال تهاوي معظم أسواق المال العالمية متسبباً في حدوث خسائر فادحة تجاوزت ال5 تريليونات دولار أميركي، حيث على سبيل المثال لا الحصر؛ تراجع مؤشر داو جونز الصناعي للوهلة الأولى بمقدار 1600 نقطة، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 وناسداك بأكبر نسبة منذ عام 2020، إلا أن أميركا وكما يبدو قد حققت مبتغاها بتوجه أكثر من 70 دولة التي أبدت استعدادها واهتمامها بإبرام صفقات تجارية ومفاوضات بخصوص الرسوم الجمركية. بكل تأكيد أن الإجراءات الحمائية المتشددة غير مرغوب فيها كونها لا تَعمل في صالح الاقتصاد العالمي، إذ يتوقع لها أن تحدث تراجعاً في أداء الاقتصاد العالمي بنسبة تتراوح ما بين (0.5 % – 2 %)، إضافة إلى نشوب حروب تجارية بين دول العالم، مما يتطلب الجلوس على طاولة المفاوضات، ولربما عقد اجتماع طارئ لمنظمة التجارة العالمية (World Trade Organization - WTO) على مستوى رؤساء الدول وليس على مستوى الوزراء لمناقشة الأمر واتخاذ التدابير المناسبة، أسوة بالاجتماع الشهير لمجموعة دول العشرين إبان الأزمة المالية العالمية في نوفمبر عام 2008 في واشنطن بأميركا. وأخيرًا وليس آخرًا يتطلب الأمر تكثيف الجهود الرامية إلى تَعزيز المحتوى المحلي، ولعل خير مثال لتلك الجهود، جهود المملكة العربية السعودية في هذا الشأن التي تَمكنت من رفع نسبة المحتوى المحلي إلى نسب غير مسبوقة منذ إنشاء هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، التي بلغت على مستوى المنافسات الحكومية نسبة 45.96 % خلال النصف الأول من عام 2024 بمبالغ وصلت إلى 800 مليار ريال منذ عام 2020.