الموارد الطبيعية وحدها لم تعد معياراً لتفوّق الدول، ولا تضمن قدرتها في استيعاب التحديات الاقتصادية، فالعالم ينمو باستمرار، والابتكار هو حجر الزاوية في بناء اقتصاديات قادرة على الاستدامة والنمو. فالابتكار، بما يتضمّنه من توليدٍ للأفكار وتحويلها إلى حلول ومنتجات وخدمات، هو الرافعة الأكثر فاعليةً لتحريك عجلة التنمية، خصوصاً حينما يقترن بالاستثمار الواعي في التقنية وتمكين الكفاءات، لذلك، التجارب الناجحة غالباً ما يقف خلفها استثمارٌ جادٌّ في البحث والتطوير، وخلق بيئةٍ حاضنةٍ للمبدعين وروّاد الأعمال. وحينما نتحدث عن ذلك، نلاحظ أن رؤية المملكة تنظر إلى الابتكار والتقنية بشكلٍ محوري في الخطط التنموية، وهذا إدراكٌ عميقٌ ومهمّ بأن الاعتماد على النفط لا يكفي لمواجهة التحوّلات الاقتصادية العالمية، وأن التعامل مع الابتكار هو خيارٌ استراتيجيٌّ لا بديل عنه، إذ إن المستقبل لا يُبنى على الموارد التقليدية وحدها، وإنما على القدرة في إنتاج المعرفة وتوظيفها عملياً، لأن النمو الاقتصادي الحقيقي يكون بتحفيز العقول وتوجيه الطاقات إلى الإبداع والإنتاجية، وبناء منظومة متكاملة تتغذى على البحث والتجريب، وتفرز نتائج ملموسة في مختلف القطاعات. وفي هذا السياق، هناك إيجابيةٌ تنبئ بمستقبلٍ مزدهر، وهي دور الجامعات ومراكز الأبحاث المحلية التي نراها تتبنى ثقافة ريادة الأعمال والابتكار، سواء من خلال دعم براءات الاختراع، أو عبر إنشاء حاضنات ومسرّعات أعمال تربط البحث العلمي بسوق العمل. يوازيها كذلك وعي القطاع الخاص بأهمية الابتكار كمحرّكٍ للربحية والتوسع، مما يعبّر عن تغيّر في الذهنية الاقتصادية، وانتقال تدريجي نحو نموذج أكثر وعياً وحداثة، يتعامل مع الابتكار بوصفه مورداً لا يقل أهمية عن أي مورد طبيعي آخر، بل يتفوق عليه من حيث الاستدامة والقدرة على التوسع. فكل فكرة قابلة للتنفيذ تحمل في طيّاتها قيمةً اقتصادية، وكل مشروعٍ ابتكاريٍّ ناجحٍ يسهم في خلق فرصٍ وظيفية جديدة، وتنشيط الأسواق، ورفع كفاءة الأداء في مختلف القطاعات. وما دام الابتكار جزءاً من الاستراتيجية الشاملة، فإن عوائده لا تقتصر على الاقتصاد وحده، بل تمتد لتشمل جودة الحياة، ومستوى الخدمات، وقدرة المجتمع على مواجهة التحديات والتحوّلات. من المؤشرات الإيجابية التي تبعث على التفاؤل، ويحق لنا الفخر بها، أن الابتكار لم يعد يُنظر إليه كخيارٍ ثانوي، بل بات يُعامل كأولويةٍ وطنية تحظى بالاهتمام والتخطيط والدعم. ولا شك أن هذا التحول في النظرة يعبّر عن نضجٍ متقدّم في الوعي التنموي، ويؤسس لمرحلة تُبنى فيها التنمية على الإبداع والمعرفة.