منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، فقد لعبت الكفاءات الوطنية السعودية دورًا محوريًا في تحقيق التنمية الشاملة في مختلف القطاعات، ومع مرور العقود، تزايدت مساهمة الكفاءات السعودية، مدعومة برؤية القيادة الحكيمة التي ركزت على الاستثمار في الإنسان، كونه حجر الأساس لبناء الدولة الحديثة. ومر تطور الكفاءات السعودية في التنمية بعدة مراحل من أهمها: مرحلة التأسيس انطلقت عام (1932 - 1970) وكانت هذه المرحلة تركز على بناء البنية التحتية الأساسية، حيث أسهمت الكفاءات السعودية في مجالات البناء والزراعة والتجارة والأمن، وشهدت المملكة في بدايات التأسيس استقطاب الكفاءات الأجنبية لتطوير التعليم والخدمات الصحية، مع وجود جهود وطنية محدودة بسبب قلة التعليم المتخصص في ذلك الوقت، ولعبت القيادات السعودية دورًا كبيراً في بناء الدولة من خلال تطوير الأجهزة الحكومية والأمنية. ومع اكتشاف النفط وتصديره بكميات كبيرة، تطلبت التنمية الاعتماد على الكفاءات الوطنية في مجالات جديدة ومتعددة مثل: الهندسة، والإدارة، والاقتصاد، وواكب ذلك إنشاء الجامعات مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز، وأسهمت تلك الجامعات في إعداد كوادر وطنية قادرة على قيادة التنمية، وتم تعزيز مشاركة الكفاءات السعودية في القطاعات النفطية والصناعية، ما أسهم في بناء اقتصاد وطني متين. مرحلة التوسع والتنوع جاء بعد ذلك مرحلة التوسع والتنوع في شتى المجالات فتوجهت المملكة نحو تنويع مصادر الدخل والاعتماد على الكفاءات الوطنية في تطوير قطاعات مثل الاتصالات، والصحة، والتعليم، وساعد في ذلك تنفيذ برامج الابتعاث التي أسهمت في تطوير المهارات والقدرات الوطنية في مجالات متقدمة مثل التكنولوجيا والتعليم والطب وغيرها. تنمية مستدامة لقد لعبت التنمية الاجتماعية دورًا حيويًا في توليد الكفاءات السعودية من خلال عدة محاور أساسية تهدف إلى تمكين الأفراد وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمع. يتمثل هذا الدور في النقاط التالية: * الاستثمار في التعليم والتدريب ودعم البرامج التعليمية والتدريبية التي تركز على تزويد السعوديين بالمهارات المطلوبة في سوق العمل. * توفير برامج تطويرية وتأهيلية بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والقطاع الخاص، وتعزيز التعليم التقني والمهني لرفع كفاءة الأيدي العاملة المحلية. * دعم ريادة الأعمال وتوفير فرص تمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. * تمكين الفئات المهمشة من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. * رفع القيم المجتمعية والتنمية المستدامة من خلال تعزيز قيم العمل والمسؤولية المجتمعية لخلق بيئة داعمة للكفاءات الوطنية. * تشجيع الأعمال التطوعية والمبادرات الاجتماعية التي تسهم في تطوير القدرات. * بناء ثقافة الابتكار والاستدامة في المشاريع التنموية، والعمل على التكامل بين القطاعات المختلفة من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص لتوفير بيئة داعمة للتوظيف والتطوير المهني. * دعم الشراكات بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لتقديم برامج تدريبية متخصصة. * التحفيز والتشجيع من خلال برامج الدعم وتقديم حوافز مالية وتسهيلات وظيفية للكفاءات الوطنية المتميزة. * إنشاء برامج دعم لتأهيل المواطنين وإعادة تأهيلهم وفقًا لاحتياجات سوق العمل المتغيرة. * تشجيع الابتكار والتطوير المهني من خلال الجوائز والمسابقات. * تطوير بيئة العمل الاجتماعي. * توفير بيئة عمل محفزة تساعد الأفراد على الإبداع والابتكار. * العمل على تطبيق سياسات تشجيع العمل المرن ودعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية. ومن خلال هذه الجهود، تسهم التنمية الاجتماعية في بناء كوادر وطنية مؤهلة قادرة على قيادة التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. تنمية الكفاءات وقد عملت المملكة العربية السعودية بشكل مكثف خلال السنوات الماضية على تنمية الكفاءات السعودية في مختلف المجالات من خلال عدة مبادرات وبرامج استراتيجية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 من خلال العديد من الطرق التي أسهمت في تحقيق ذلك، ومن أهمها: * الاستثمار في التعليم والتدريب، فإنشاء جامعات ومؤسسات تعليمية متقدمة، مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) وجامعة الأميرة نورة، وتم التركيز على التعليم التقني والمهني لتأهيل الشباب السعودي لسوق العمل. * إعداد القيادات المستقبلية من خلال تنفيذ برامج تأهيلية مثل برنامج قادة 2030 وبرنامج زمالة مسك لتطوير القيادات الشابة وإعدادهم لتولي المناصب القيادية. * التركيز على التدريب القيادي وإعداد كوادر وطنية قادرة على قيادة التغيير. * تطوير بيئة محفزة للابتكار والإبداع وذلك بإنشاء مراكز بحثية ومجمعات تقنية لدعم المبتكرين والكفاءات السعودية. * تعزيز بيئة العمل لتكون جاذبة ومحفزة للشباب السعودي، سواء في القطاعين العام أو الخاص. ومن أبرز النتائج المحققة: * زيادة مساهمة السعوديين في القطاعات الاقتصادية المختلفة. * إطلاق مبادرات مثل برنامج "نطاقات" الذي يشجع على توظيف السعوديين في القطاع الخاص، وزيادة نسب التوطين في قطاعات حيوية مثل السياحة، الهندسة، والقطاع الصحي. * تأسيس هيئات ومبادرات لدعم الكفاءات بإنشاء هيئة تنمية الموارد البشرية (هدف) التي تقدم برامج تدريبية ومنح مالية لدعم السعوديين الباحثين عن العمل. * إطلاق مبادرات مثل برنامج قادة المستقبل لتأهيل القيادات الوطنية. * تشجيع الابتكار وريادة الأعمال بدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال برامج مثل: منشآت وصندوق التنمية الصناعية، وتوفير حاضنات ومسرعات أعمال مثل حاضنة "بادر" لدعم الشباب المبتكرين ورواد الأعمال، وفتح مجالات عمل جديدة أمام الشباب السعودي من الجنسين وتمكينهم من تقلد مناصب قيادية وتوفير بيئة داعمة لهم من خلال قوانين وسياسات تشجع مشاركتهم في سوق العمل. تعزيز وشراكات وعملت المملكة على تعزيز الشراكات محليًا وعالميًا لتطوير الكفاءات السعودية، ويعد أحد المحاور الرئيسة التي ركزت عليها المملكة ضمن رؤية 2030، خاصة في مجالات مثل الطب، التكنولوجيا، والتعليم. كما تم إشراك القطاع الخاص في تصميم وتنفيذ برامج تطوير الكفاءات، بالتركيز على التقنية والرقمنة وإطلاق برامج لرفع المهارات الرقمية، مثل مبادرة "مهارات المستقبل" التي تهدف إلى إعداد الكوادر السعودية لوظائف الاقتصاد الرقمي، وتعزيز البنية التحتية التقنية لتشجيع الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وهذه الجهود وغيرها عملت على بناء جيل من الكفاءات السعودية المؤهلة لتحقيق التنمية المستدامة والمنافسة على المستوى العالمي. واستطاعت المملكة تعزيز الشراكات مع الجامعات العالمية لإنشاء برامج تدريبية وأكاديمية عالية الجودة، وتطوير المناهج الدراسية بما يتناسب مع متطلبات المستقبل، مثل التركيز على المهارات الرقمية والإبداعية، وأحدث برنامج الابتعاث الخارجي والتدريب الدولي ثورة كبيرة في مجال الشراكات العالمية بإطلاق برامج تدريبية داخل المملكة وخارجها، مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي أتاح للآلاف من السعوديين الدراسة في أفضل الجامعات العالمية. وتوسعت برامج الابتعاث الخارجي لتشمل مجالات تخصصية تتماشى مع أهداف الرؤية، مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، وتمكين الشباب من الحصول على تجارب تعليمية وتدريبية عالمية تساعدهم في اكتساب المعرفة والمهارات المتقدمة، ودعم برامج التدريب على رأس العمل بالتعاون مع شركات القطاع الخاص، وتشجيع ريادة الأعمال بدعم الشباب الطموح من خلال برامج حاضنات الأعمال ومسرعات الابتكار مثل "منشآت"، وتوفير تمويل ودعم تقني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لتعزيز دور الكفاءات الوطنية في ريادة الأعمال، والاستثمار في تطوير المهارات في مجالات التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، التحول الرقمي، والتقنيات المتقدمة، وتم إطلاق مبادرات مثل مسك الابتكار لتطوير الشباب وتحفيزهم على الإبداع، ومن خلال هذه الجهود، أصبحت المملكة بيئة جاذبة للكفاءات، وأسهمت في إعداد أجيال قادرة على الإسهام في التنمية المستدامة والريادة العالمية. الرؤية والتمكين ومنذ أن أطلقت قيادتنا الرشيدة رؤية 2030 وحتى الآن فقد حققت قبل وقتها الكثير من الأهداف التي عملت على تمكين الكفاءات الوطنية في كافة القطاعات والاستفادة والاستثمار في برامج تدريب وتأهيل الشباب مثل "برنامج تنمية القدرات البشرية"، ودعم رواد الأعمال السعوديين من خلال مبادرات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومن أبرز القطاعات التي أسهمت فيها الكفاءات السعودية، قطاع التعليم حيث تم تطوير المناهج الدراسية بما يتماشى مع متطلبات التنمية الحديثة. وإعداد كوادر سعودية متخصصة في البحث العلمي والابتكار، وزيادة نسبة السعودة في الهيئات التدريسية والإدارية، وفي قطاع الصحة ببناء منظومة صحية متكاملة يقودها كوادر سعودية، وتحقيق إنجازات طبية في مجالات مثل زراعة الأعضاء وأبحاث الأمراض المستوطنة. ومن أمثلة ذلك: حققت المملكة إنجازات طبية بارزة في مجالات عدة مثل فصل التوائم السيامية وزراعة الأعضاء، وأبحاث الأمراض المستوطنة، وفي برنامج زراعة الأعضاء تمتلك المملكة واحدًا من أكبر برامج زراعة الأعضاء في الشرق الأوسط، من خلال المركز السعودي لزراعة الأعضاء (SCOT). ومن الإنجازات التي حققها المركز: زراعة الكبد والكلى، محققاً تقدمًا كبيرًا خاصة باستخدام تقنيات التبرع من المتوفين، وفي زراعة القلب والرئة أُجريت بنجاح العديد من العمليات لزراعة القلب والرئة، وتم التوسع في التبرع بالأعضاء: تم تطبيق قوانين وسياسات حديثة لتشجيع التبرع وزيادة الوعي بأهميته. وفي التصنيف العالمي: يعد البرنامج السعودي أحد أنجح البرامج في الشرق الأوسط، بمعدلات نجاح تضاهي الدول المتقدمة، وأصبحت المملكة نموذجًا يحتذى به في المجال الطبي، ليس فقط من حيث الإنجازات العلاجية، ولكن أيضًا في البحث العلمي والمبادرات الإنسانية التي تخدم المجتمع المحلي والدولي. نقطة تحول وأحدثت رؤية السعودية 2030 نقطة تحول رئيسة في تمكين وإنتاج الكفاءات السعودية، حيث وضعت بناء القدرات البشرية في صميم أهدافها، فعملت على تطوير الكفاءات الوطنية وتأهيلها للمشاركة الفعّالة في الاقتصاد الوطني ببرامج متخصصة فتم إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية كأحد البرامج الرئيسة لرؤية 2030، بهدف تطوير منظومة التعليم وربطها باحتياجات سوق العمل، وإطلاق مبادرات مثل برنامج نطاقات وبرنامج التحول الوطني لزيادة فرص العمل للسعوديين. ولم تقتصر رؤية السعودية 2030 على تحسين المهارات فقط، بل عملت على إيجاد بيئة تشجع الإبداع، التميز، وتمكين الأفراد لتحقيق إمكاناتهم الكاملة، بل وعملت على تحقيق تقدم في التصنيفات العالمية المتعلقة بالكفاءات البشرية وجودة التعليم، وتعزيز مشاركة الكفاءات السعودية في بناء الاقتصاد الوطني المستدام وتطوير سوق العمل بتوطين القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل السياحة، الصناعة، والتقنية، ما أتاح فرص عمل للكفاءات السعودية. واستطاعت المملكة مواجهة العديد من التحديات التي بإعداد الكفاءات السعودية، وحققت الكثير من النجاحات الكبيرة، التي واجهت الكفاءات السعودية وكلن من أبرزها: الحاجة إلى تطوير المهارات لمواكبة التقنيات الحديثة، والمنافسة في سوق العمل مع الكفاءات العالمية، والحاجة إلى زيادة الشراكة بين القطاع الخاص والعام لتعزيز فرص التوظيف. والآن نرى بزوغ مستقبل الكفاءات السعودية ودورها في التنمية المستدامة، وتعمل المملكة ضمن خطط رؤية 2030 على تعزيز دور الكفاءات الوطنية عبر التوسع في برامج التدريب والتطوير المهني. ودعم الابتكار والبحث العلمي وتعزيز مشاركة الكفاءات في القطاعات الناشئة مثل الفضاء والتقنيات الحيوية. وقد أسهمت الكفاءات السعودية في دفع عجلة التنمية منذ تأسيس المملكة، وحققت إنجازات بارزة في مختلف المجالات، ما يجعلها ركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية 2030 والوصول إلى اقتصاد متنوع ومستدام. القيادة السعودية تواصل دعمها للكفاءات الوطنية من خلال توفير الفرص والتدريب المستمرين لضمان استدامة التنمية والتطور في جميع المجالات.