قفزت أسعار البيض في الأسواق الأميركية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وعلى سبيل المثال، كان سعر 12 بيضة 1.20 دولار في يونيو 2019، لكن السعر الآن يلامس 4.90 دولارات، وهي زيادة تقدر بحوالي 240 %، وقد بلغت الأسعار ذروتها عند 8.17 دولارات في أوائل مارس الحالي، فيما فرضت بعض المطاعم رسومًا إضافية على أطباق البيض، مما يسلط الضوء بكثافة على ارتفاع الأسعار، بينما تعاني أرفف المتاجر الكبرى من نقص البيض، والذي يعد من بين أكثر الأطعمة المغذية على وجه الأرض، مما دعا وزارة التجارة إلى التوجه نحو استيراد 100 مليون بيضة من هذا المنتج الاستهلاكي الأساسي خلال الأشهر المقبلة، ويتواصل المسؤولون الحكوميون في الوقت الحالي مع دول مثل تركيا والبرازيل للاستفسار عن إمكانية تصدير البيض. وزيرة الزراعة بروك رولينز، صرحت أن أحد خيارات حل الأزمة هو توفير دجاج للمزارع، وأن الأسعار لن تستقر لبضعة أشهر، ونشر الرئيس دونالد ترمب مؤخرًا مقالًا على موقع "تروث سوشيال" يدعو فيه الأميركيين إلى الصمت بشأن أسعار البيض، والسبب الرئيس للمشكلة هو تفشي إنفلونزا الطيور الذي أدى إلى إعدام أكثر من 166 مليون طائر في الولاياتالمتحدة، حيث يُنتج 98 % من دجاج البلاد في مزارع صناعية، وهي مهيأة لانتقال العدوى، ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، انتشرت الإنفلونزا بالفعل بين مئات الأبقار الحلوب، وأعلنت وزارة الزراعة الأمريكية عن خطة بمليار دولار لمواجهة المشكلة، تتضمن تمويلًا لتحسين الأمن الحيوي، وأبحاث اللقاحات، وتعويض المزارعين. في يناير 2025، ألقت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، باللوم على الإدارة السابقة في ارتفاع أسعار البيض، وبالرغم من أن الطيور كانت تُذبح في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن هذه الممارسة كانت ولا تزال شائعة في أوقات تفشي إنفلونزا الطيور، كما كانت الحال خلال إدارتي أوباما وترمب الأولى، ومع ذلك، يشير هذا الأمر إلى أن ارتفاع أسعار البيض أصبح معيارًا سياسيًا، حيث تمت الإشارة إليه بانتظام في الحملات الانتخابية والمؤتمرات الصحفية كمؤشر على وجود خلل ورمز للوضع الاقتصادي الأمريكي المتدهور، ووعد ترمب بتثبيت سعر البيض بسرعة في حال فوزه، ولكن حتى الآن، لم تحل المشكلة. في تلك الأثناء، فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً في أسباب ارتفاع أسعار البيض، ويركز مسؤولو مكافحة الاحتكار على ما إذا كان المنتجون قد تآمروا لرفع أسعار البيض، ويعتبر البيض سلعة غير مرنة، فمع ارتفاع أسعاره، لا يتوقف المستهلكون بالضرورة عن شرائه، فالبدائل المتاحة قليلة جدًا، وعلى سبيل المثال، إذا ارتفع سعر البيض بنسبة 1 % فإن الطلب لا يقلل إلا بنسبة 0.15 %، وإذا انخفض العرض بنسبة 1 %، فسترتفع الأسعار بنحو 6.67 %، وتستغرق تربية الدجاج البياض حوالي خمسة أشهر، ويمكن أن نشبه نقص البيض، بذعر المستهلكين الأميركيين من نقص ورق التواليت خلال جائحة كورونا، لكن الفرق الواضح هو أنه يمكنك تخزين ورق التواليت. هناك عدة أسباب تجعل أسعار البيض قضيةً مهمةً للسياسيين الأميركيين، فأولًا، يشتري جميع الأميركيين البيض تقريبًا، لذا، يُعد نقص المعروض وارتفاع الأسعار خبرًا هامًا، ويؤثر على المستهلكين من جميع شرائح الدخل، وثانيًا، تعد أسعار البيض مقياسًا لنقاط الضعف الاقتصادية الأوسع، لذا غالبًا ما تعتبر المشاكل المتعلقة بالبيض جزءًا من قصة أوسع حول مدى ضعف الاقتصاد، وثالثًا، تعتبر أسعار البيض ذات دوافع سياسية نظرًا لوعد ترمب بخفض الأسعار، وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الاقتصاد والتضخم كانا عاملين رئيسيين في اختيارات الناخبين عام 2024، ويعتقد ترمب نفسه، أنه فاز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة بقوة الدفع من ضبط الحدود والبقالة. وبخصوص القطاع، أظهر غالبية منتجو البيض، والمزارعون الأميركيون دعماً لترمب خلال الانتخابات، وتظهر تصريحات ترمب أنه يشعر بمعاناة المنتجين، وقد صوتت المناطق الزراعية لصالح ترمب في حملاته الانتخابية، بل وزاد دعمها له في عام 2020، رغم الحروب التجارية وارتفاع الأسعار اللذين كانا سيؤثران سلبًا عليهما، وهناك عامل آخر قد يدفع أسعار البيض للارتفاع، وهو أن 70 % من القوى العاملة في مزارع الإنتاج من العمالة المهاجرة، منهم حوالي 40 % مهاجرون غير موثقين، وفي حال نجاح خطط الإدارة الأمريكية لفرض رسوم جمركية مرتفعة وترحيل جماعي، ستواجه هذه الصناعة صعوبات في الاستمرار. والآن، باتت زيادات أسعار الغذاء حتمية، مع احتمالية تفاقمها، نتيجة تجميد تمويل بعض برامج وزارة الزراعة الأميركية الذي أقره ترمب، واعتبارًا من مارس الحالي، أُعلن عن تخفيضات بقيمة مليار دولار، ويشعر المزارعون بعواقبها بالفعل، ويدرك الأميركيون أن أسعار البيض في كندا المجاورة لم ترتفع بشكل كبير ولم يكن هناك نقص، لكن الأسعار في كندا كانت أعلى تقليديًا من الولاياتالمتحدة، ويعود ذلك جزئيًا إلى اختلاف معايير الزراعة، ولا تفرض أميركا معايير عالية لرعاية العمال الزراعيين أو الحيوانات، ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار. يعد نقص البيض بمثابة ما يُطلق عليه علماء النفس "استدلالًا"، وهو اختصار ذهني يُشكّل تصوراتنا الأوسع، والمقصد، أنه عندما يصعب الحصول على شيء عادي كالبيض، فإن ذلك يُثير شعورًا بأن هناك خللًا جوهريًا في الاقتصاد الأميركي، حيث يُغذي نقص المعروض مخاوف أكبر بشأن التضخم، والاقتصاد، وتكلفة المعيشة، ويعتبر نقطة ضعف في سلاسل التوريد، ويُعزز شعور المستهلكين الأميركيين بأنهم يعيشون أوقاتاً عصيبة، من جهة أخرى، أصبح اقتصاد البيض هدفًا للعصابات الإجرامية، ففي الشهر الماضي، سُرقت 100 ألف بيضة بقيمة 40 ألف دولار من مقطورة في بنسلفانيا، وبالأسعار الحالية، يعادل هذا المبلغ تقريبًا وزن كرة قدم أمريكية من الذهب. بالرغم من أن نقص البيض في الولاياتالمتحدة لن يستمر إلى الأبد، إلا أنه مؤشر على مشكلة أكبر ستزداد إلحاحًا في السنوات القادمة، فتغير المناخ، ونضوب الموارد، وتغير الهياكل الاقتصادية ستزيد من تقلب أسعار بعض السلع، ويستهلك الفرد الأميركي في المتوسط 280 بيضة سنويًا، لذا فإن لدى المستهلكين سبب وجيه للاهتمام بتقلبات الأسعار، ويبدو أن الأسعار تسير في اتجاه واحد فقط، فقد قدرت وزارة الزراعة، أن أسعار البيض سترتفع بنسبة 20 % هذا العام، ويُمثل البيض حقًا مكتسبًا للأسر العاملة، ولا ينبغي الاستهانة بقدرته على جذب انتباه المستهلكين في خضمّ دورة أخبار غالبًا ما تكون محيرة ومتقلبة، وبالنسبة لملايين الأميركيين، فإن هذه الشقوق تمثل ضربة للرفاهية الاقتصادية في الولاياتالمتحدة. تقرير - د. خالد رمضان