استئناف المحادثات الروسية الأمريكية في الرياض مرة أخرى، تدل على الموقع المتميز لبلدنا في النظام العالمي. فمثلما نعلم فإن المحادثات السابقة بين موسكو وواشنطن، في المراحل الفاصلة للعلاقات بين البلدين، كانت تجري في أوروبا عادة مثل ريكيافيك عاصمة آيسلندا أو مالطا أو في ليوبليانا بجمهورية سلوفينيا، وهلم جرى. ولكن مثلما نرى، فإن الولاياتالمتحدةوروسيا قد اختارتا الرياض هذه المرة- وهذه دلالة واضحة على تغير موقعنا في النظام العالمي بعد الحرب الباردة. إن موقعنا الاقتصادي القوي قد تعزز بموقع سياسي قوي مع كافة الدول العظمى. وهذا يغير المعادلة -خصوصاً بعد انتهاء مرحلة الأحادية القطبية ونشوء نظام عالمي متعدد الأقطاب بأضلاع ثلاثة رئيسية: أمريكا-روسيا-الصين، وهذه بلدان تقيم المملكة معها علاقات استراتيجية، فمع الأولى هناك تحالف استراتيجي أرسى معالمه مؤسس المملكة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945. ومع الثانية تقيم المملكة، منذ عام 2016، تحالف استراتيجي ضمن إطار أوبك+، أما الثالثة فهي شريكنا الاستراتيجي مع بعض ملامح التحالف الأستراتيجي، منذ أن أصبحت الشريك التجاري رقم 1 لنا. أن المملكة عندما أعلنت رؤية 2030، فإنها لم تتوخى فقط مخاطبة الداخل، وتعبئة الموارد، وعلى رأسها الموارد البشرية من أجل الاصطفاف لدعم التحولات الاقتصادية- اجتماعية التي سوف تساهم في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد والمجتمع، وإنما أيضاً الخارج، وهذا أمر مهم، لإشعار بلدان العالم، بأن المملكة مقدمة على تغيرات كبيرة سوف تنقلها إلى موقع اقتصاد أكثر تطور في التقسيم الدولي للعمل. والتفاف الداخل حول الرؤية والانخراط بحماس منقطع النظير في تحقيق إعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، قد ساهم في إحداث تغيرات ملموسة تشهد عليها التقارير الدولية التي يعتد بها كتقرير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأونكتاد عن الاستثمار الأجنبي، فهذه التقارير وغيرها، كلها تشير إلى النجاحات التي حققتها رؤية 2030. بالفعل، فإن المملكة، قد تمكنت، ولأول مرة، من تقليل الاعتماد على النفط وإعادة هيكلة الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات والحصول بشكل متزايد على العملة الصعبة من مصادر غير النفط، فالعائدات غير النفطية صارت من ربع إلى ربع سنوي تتزايد، وهذا يعطي بلدنا مجال أوسع للمناورة ليس فقط في مجال الاقتصاد، وإنما على صعيد العلاقات مع البلدان الأخرى- وعلى رأسها الدول الكبرى. إن هذه النجاحات الاقتصادية التي حققناها قد أضافت وزن، للوزن الكبير السابق الذي كان يتمتع به بلدنا. ولذا فليس مصادفة تأكيد أحد الدبلوماسيين خلال المكالمة التي جرت معاه قبل 3 أيام على أن الرياض هي عاصمة السلام والمفاوضات بين الدول العظمى- لفك المنازعات فيما بينها.