شهدت مكة في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز تحولات إدارية واقتصادية بارزة، حيث حرص هذا الحاكم الزاهد على ترسيخ مبادئ العدل والمساواة، وجعل المدينة المقدسة نموذجًا للحكم الرشيد، بعيدًا عن الاستغلال والتمييز الطبقي. كان منهجه قائمًا على العدل والتقوى، وهو ما انعكس في إدارته لشؤون مكة، وتعامله مع سكانها، وتطويره للسياسات الاقتصادية التي أعادت التوازن إلى المجتمع. إصلاحات إدارية.. حكم قائم على النزاهة والكفاءة حرص عمر بن عبدالعزيز على تغيير نظام الإدارة في مكة، فقام بتعديل أسلوب الحكم، وتعيين ولاة اشتهروا بالورع والنزاهة، لضمان أن يكون الحكم قائمًا على العدل، وليس على المحسوبية أو المصالح الضيقة. لم يكن هدفه تعيين رجال أكفاء فقط، بل أراد أن يكون الولاة قدوة حسنة في التعامل مع الناس، وهو ما أدى إلى استقرار الأوضاع داخل المدينة، بعد سنوات شهدت فيها مكة تفاوتًا في الحكم بين التشدد والتراخي. لم يقتصر اهتمام الخليفة على اختيار المسؤولين الأكفاء، بل كان يراقب أعمالهم عن كثب، ويشدد على تطبيق الأحكام الشرعية بعدل، مما جعل إدارته لمكة نموذجًا يُحتذى به في جميع ولايات الدولة الإسلامية. العدالة الاقتصادية.. توزيع الثروات وخفض الفقر اقتصاديًا، أحدث عمر بن عبدالعزيز تغييرات جوهرية، حيث أوقف الامتيازات التي كانت تُمنح لكبار الأثرياء على حساب الفقراء، وحرص على إعادة توزيع الأموال بشكل عادل، فكانت الثروات تصب في خدمة الناس، لا في مصالح الحكام. أمر بإعادة توجيه الأموال العامة لمساعدة المحتاجين، ودعم الفقراء، وتحسين أحوال سكان مكة، مما أدى إلى تراجع معدلات الفقر، وظهور حالة من الرخاء الاقتصادي لم تشهدها المدينة منذ عقود. من أبرز خطواته الإصلاحية أنه ألزم المسؤولين بالشفافية في توزيع العطاءات، حيث كان يعتبر أن المال العام أمانة يجب أن تُصرف لمستحقيها، وليس لمن يملكون النفوذ. كما شدد على منع أي استغلال اقتصادي، وأمر بتيسير سبل العيش لجميع السكان، وهو ما جعل حياة المكيين أكثر استقرارًا، وخالية من الفوارق الطبقية التي كانت سائدة سابقًا. حكم زاهد.. منهج تقشفي ومحبة الناس لم يكن عمر بن عبدالعزيز قائدًا سياسيًا فحسب، بل كان قدوة في سلوكه الشخصي، حيث رفض الامتيازات السلطوية، وعاش حياة متواضعة، متجنبًا أي مظاهر للبذخ أو الاستغلال. أثر هذا النهج على المجتمع، حيث انتشرت القيم الإسلامية القائمة على الرحمة والمساواة بين الناس، وشعر الجميع أن الخليفة ليس حاكمًا بعيدًا عنهم، بل هو فرد منهم، يشاركهم همومهم، ويسعى لتحقيق مصالحهم. مكة في عهد عمر بن عبدالعزيز.. استقرار وطمأنينة رغم أن فترة خلافة عمر بن عبدالعزيز كانت قصيرة، إلا أنها تميزت بأنها إحدى أكثر الفترات التي شهدت استقرارًا إداريًا واقتصاديًا لمكة، حيث أصبحت المدينة نموذجًا يُحتذى به في العدل، وإدارة الموارد، وضبط الأوضاع السياسية والاجتماعية. كان حكمه قائمًا على قيم الإسلام الحقيقية، حيث جعل العدل أساس كل قرار يتخذه، وهو ما جعل الناس يذكرونه كواحد من أكثر الخلفاء الذين جسدوا روح الإسلام في الحكم. وبفضل إصلاحاته العميقة، أصبحت مكة مدينة أكثر استقرارًا وانضباطًا، وشهدت انتعاشًا اقتصاديًا، وإدارة حكيمة استمرت آثارها حتى بعد وفاته، مما جعل عهده مرحلة فارقة في تاريخ المدينة المقدسة. المصادر: * كتاب أمراء مكة عبر عصور الاسلام، مكتبة المعارف، عبدالفتاح رواه