أمير منطقة جازان يشارك منسوبي إمارة المنطقة الإفطار الرمضاني السنوي    اتفاق عربي أمريكي على مواصلة التنسيق بشأن خطة مصر لإعمار غزة    عقد الأندية المتأهلة اكتمل اليوم .. المملكة تستقبل نخبة آسيا الشهر المقبل في جدة    "مكتبة المؤسس" تعرض صورًا نادرة في معرض لندن للكتاب 2025    غُرفة عمليات أجاويد 3 بخميس مشيط تحتفل بيوم العلم    رئيس الفلبين السابق يعلن «تحمل» مسؤولية أفعاله    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بيوم العلم السعودي    27 لاعباً في قائمة "الأخضر" لمواجهتي الصين واليابان ضمن تصفيات كأس العالم    سبل تصدر طابعاً بريدياً بمناسبة يوم العلم    سمو أمير منطقة الباحة يلتقي كبار المانحين ورجال الأعمال في منطقة الباحة    أمير القصيم يكرم 57 طالبًا وطالبة بجائزة «منافس»    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    «التجارة» تُشهر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر    توزيع أكثر من 15.8 مليون م3 من المياه للحرمين في أوائل رمضان    ضبط مواطنين بمنطقة الجوف لترويجهما أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    نائب أمير حائل يشارك رجال الأمن إفطارهم الرمضاني في الميدان    صم بصحة في ظهران الجنوب    توزيع أكثر من 1.5 مليون حبة تمر على سفر إفطار الصائمين في المسجد النبوي يوميًا    المملكة تستقبل «نخبة آسيا» الشهر المقبل في جدة    ترمب: أميركا لن تسمح بعد اليوم بإساءة معاملتها تجارياً    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لقيادة حرس الحدود بالمنطقة للعام 2024    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب قائد العمليات المشتركة الإماراتية    هيئة الصحافيين تعزز الإعلام السياحي بالطائف بورشة متخصصة    ضبط وإتلاف 850 كيلوغرام من الأغذية مجهولة المصدر في محافظة البيضاء بالدمام    نجاح عملية تثبيت كسور العمود الفقري والحوض بتقنية الروبوت    تعليم البكيرية يحتفي بيوم العلم السعودي    16 حاضنة وأكثر من 234 بسطة وعربة طعام متنقلة بتبوك    رابطةُ العالم الإسلامي تُثمِّن لمجلس الوزراء شُكرَهُ لعلماء مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"    دلالات عظيمة ليوم العلم    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    سوريا.. توقيف متورطين بانتهاكات "الساحل"    اليمن.. الحوثيون يتوسعون بفرض الإتاوات    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    السودان.. قائد الجيش يضع شروطاً صارمة للتفاوض    6 إستراتيجيات أمريكية ضد عصابات المخدرات في المكسيك    إفطار جماعي ومد لجسور التواصل    أبوالغيط يثُمن دور المملكة في استضافة المحادثات الأمريكية الأوكرانية    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    بناء الجسور بين المذاهب من الحوار إلى التطبيق    محرز يسجل ثنائية في فوز الأهلي على الريان    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    شارع الأعشى والسير على خطى محفوظ    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    انطلاق المنتدى الثقافي بأدبي حائل    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    2100 طالب في خدمة المحسن الصغير    الفعاليات الرمضانية تشعل التنافس بين حواري بيش    7 أهداف تدخل العميد دوامة العثرات    النواخذة لقلب الطاولة أمام دهوك    وجبات للإفطار بمسجد القبلتين بإشراف هيئة تطوير    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    «صم بصحة» واحصل على جودة حياة    قطاع ومستشفى سراة عبيدة يُفعّل حملة "صُم بصحة" وحملة "جود"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دخول الحجاز تحت حكم آل سعود يستفز الدولة العثمانية

العلاقة بين آل سعود والأشراف.. 20 عامًا من الركود وعدم التفاهم
1212ه أصعب السنوات للشريف غالب في مجابهته للسعوديين
المضايفي وانضمام قبيلة البقوم وابن مضيان تقوي الموقف السعودي
الدعوة السلفية تزيل القباب وتمنع الشركيات وتنشر التوحيد
بدأت العلاقات بين نجد والحجاز بمجابهة مبدئية من قبل الأشراف، ومحاولة إغلاق أبواب الحجاز أمام أي تسرب لأفكار ومبادئ الدعوة السلفية؛ حتى لا تكون سببًا في إنهاء حكمهم، بينما بدأت من جانب الشيخ محمد بن عبدالوهاب بمحاولة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد كان الشيخ يدرك أهمية علماء مكة، ومدى تأثيرهم، كما كان يدرك مكانة الحاكم الشريف فيها؛ لذلك كانت مجاملته لكل منهما واضحة في أسلوب مراسلاته لهم، فقد كان يعترف بحق آل البيت الذين ينتسب إليهم أشراف مكة، ويقول: "إن الله شرفهم على أهل الأرض"، غير أن موقفه هذا لم يمنعه من مهاجمة ما كان سائدًا في الحجاز من مخالفات لها صلة بالعقيدة، بطبيعة الحال لم يختلف موقف أهالي الحجاز عن مواقف الكثير من قبائل شبه الجزيرة العربية في عدائهم للدولة السعودية الأولى وللدعوة السلفية، وعدم تقبلهم المبادئ التي جاءت بها هذه الدعوة، فعندما ظهرت الدعوة في نجد وبدأ صداها في الانتشار، عمل حكام الحجاز على ترقب أوضاع الدعوة، ومتابعة أخبارها، مع لزوم الحياد.
النفوذ السعودي يمتد
كان أهالي الحجاز يعتقدون أنهم أكثر تفهمًا وأجدر بهذا الدين من غيرهم، وحتى ذلك الوقت لم يكن متوقعًا أن يمتد النفوذ السعودي ليشمل الحجاز، فقد اعتادت جيوش الحجاز خلال حقب التاريخ الماضية غزو نجد وإخضاعها، منذ عهد الشريف بركات "أبي نمي الثاني"، وابنه حسن، الذي غزا نجدًا عام 986ه/1578م.، وقد استمرت حملات الأشراف على المدن والقرى النجدية طوال القرن السابع عشر الميلادي/ الحادي عشر الهجري، حتى كان آخرها الحملة التي قام بها الشريف سرور سنة 1109ه/1697م، ومما لا شك فيه أن الحجاز كان كغيره من مناطق شبه الجزيرة قد تعرض لفتور الدعاة زمنًا، الأمر الذي أتاح الفرصة لانتشار الكثير من البدع والخرافات المخالفة لأصول الشريعة الإسلامية حيث كان سكان الحجاز يؤمنون بصحة هذه البدع، ويعتقدون أنها من دين الإسلام، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد أتى بدين جديد يخالف دينهم؛ لذلك عملوا على مجابهة الدعوة ومبادئها، ومنذ بداية الدعوة السلفية في نجد اجتهد علماء وحكام الحجاز في تشويه حقيقتها، على أنها دعوة كفر وابتداع وعداء للإسلام والمسلمين، وكان لمقامهم بمكة أثر كبير في تصديق الناس لدعواهم، خاصة في أوقات الحج عندما يفد المسلمون من كل حدبٍ وصوب، ولم يكن أهل الحجاز وحدهم المعارضين للدعوة، بل كان خلف الستار من يقرهم على ذلك، ويدعم فكرة رفض التغيير واتباع الدعوة الجديدة، ألا وهم العثمانيون وغايتهم في ذلك الحيلولة دون اجتماع العرب حول دعوة دينية موحدة، تجمع صفوفهم وتكون دافعًا لهم للمطالبة بحقهم في الخلافة وعودتها إليهم من أيدي العثمانيين الذين كانوا يعدون الخلافة أساس هيمنتهم على البلدان الإسلامية، أما عن موقف الأشراف حكام الحجاز فقد تبين لهم مخالفة الدعوة لكثير من التقاليد التي نشأوا عليها، ولم ينكرها عليهم أحد من العلماء، كبناء القباب على القبور وتبرك الناس بمقامات الأولياء والصالحين وتقديسهم لها، وهذه الأعمال كان لها مردود مالي وفير على أشراف الحجاز من الحجاج الوافدين إلى بلاد الحرمين من شتى البقاع؛ لهذا السبب وغيره ناصب الأشرافُ الدرعيةَ العداءَ، وأعلنوا حربهم على الدعوة القائمة، وقرروا القضاء عليها؛ لاتقائها قبل دخولها إلى الحجاز، والتسبب في إخراجهم منه، وكانت بداية الدعوة السلفية متزامنة مع تولي الشريف مسعود بن سعيد شرافة مكة 1146ه/1734م، وقد أدرك الخطر الذي يهدد الحجاز من انتشارها في نجد، وقام باتخاذ بعض الإجراءات اللازمة لمنع وصولها إلى بلاده، فأمر بإخراج الغرباء من مكة، ومنع التظاهر بشرب الدخان، وأغلق المقاهي؛ معتقدًا أن هذ الأمور هي ذاتها المبادئ التي تدعو إليها الدعوة السلفية، وأن تطبيقها كفيلٌ بعدم تدخل السعوديين في الحجاز.
آل سعود والعلاقات الحجازية
ظلت العلاقة بين آل سعود والأشراف حوالى عشرين عامًا يسودها الركود وعدم التفاهم، حتى تولى أمر الشرافة الشريف غالب بن مساعد، الذى آل إليه الحكم في عام 1202ه/ 1787م، وفي عهده لعبت العلاقات السعودية الحجازية دورًا بارزًا في تطور العلاقة بينهما، حتى وصلت إلى حد الصدام المباشر بين هذين الطرفين، وقضى الشريف العامين الأولين من إمارته في تثبيت أموره الداخلية، وحينما استقر الوضع له قرر أن يتخذ سياسة معينة تجاه الدرعية، فأرسل إليها في عام 1204ه/ 1789م يطلب منها أن ترسل عالمًا من علمائها للتباحث معه حول حقيقة الدعوة ، خاصة بعد أن تسربت مبادئ الدعوة التي تبثها إلى الحجاز فاعتنقها بعض أبناء القبائل البدوية هناك، ولكن علماء مكة رفضوا التباحث معه وقالوا لغالب: "هؤلاء الجماعة ليس عندهم بضاعة إلا إزالة نهج آبائك وأجدادك، ورفع يدك عما يصل إليك من خير البلاد"؛ فاشتد خوفه بعد أن سمع هذا الكلام، وأصر على ما كان عليه، ومن المحتمل أن يكون رفضهم من جانب الشريف نفسه؛ لأنه كان ينظر إليهم نظرة المرتاب، ولكنه على أية حال كان يتظاهر بحسن النية تجاههم.
ولعل أسباب طلب الشريف غالب الاستماع لأحد علماء الدعوة تنحصر في سببين اثنين، الأول:عامل سياسي عسكري، أراد من ورائه كسب الوقت؛ ليجمع قوة من المؤيدين والمناصرين، والإعداد لحملة ضد الدرعية موطن الدعوة، والقضاء على أصحابها؛ فبقاء هذه الدعوة وانتشارها يهدد مركزه الديني والسياسي في الحجاز، والثاني عامل دعائي، هدف منه الشريف غالب إلى كسب سمعة أمام العالم الإسلامي بصفة عامة وأهل الحجاز خاصة، بأنه مجتهد وباحث عن الحقيقة، خاصة بعد أن أقيمت مناظرة بين العالم السلفي وعلماء الحجاز، فتبين لهم خطأ العالم النجدي بحسب زعمهم، لذلك وجب عليه طاعة علماء الحجاز، وقتال أهل الدعوة وزعمائها، ومن الملاحظ أنه حتى ذلك العام 1205ه/1790م لم يحدث أي تدخل عسكري ضد الدرعية من جانب أشراف مكة، خاصة أن علماءها قد أفتوا بوجوب قتال الشيخ وأتباعه إن لم يعدل عن رأيه، ومن الأسباب التي أدت إلى تأخر المواجهة العسكرية من قبل الأشراف ضد الدرعية لأكثر من 40 سنة، أن الأشراف في بداية الأمر لم يكونوا مقتنعين تمامًا بخطورة الدعوة، كما أنهم كانوا يعلقون الأمل على المعارضة النجدية التي ستقضي عليها، بالإضافة إلى إيمانهم بجدوى منع أتباعها من الحج، ما سيقوي معارضيها من الناحية المعنوية، وأن المنطقة التي قامت فيها الدعوة أولًا كان النفوذ الخارجي الأكبر فيها لزعماء بني خالد منذ إجلائهم العثمانيين عن الأحساء، وكان الأشراف يعتقدون أن الدرعية لو استفحل أمرها سيُقضى عليها من قبل هؤلاء الزعماء.
قرية "السر"
وفي الوقت الذي أخذت فيه الدعوة بالانتشار والتوسع، كانت مبادئها قد تسربت إلى الحجاز، واعتنقها بعض أفراد القبائل وانضموا للدولة السعودية، إما اقتناعًا بصحة الدعوة السلفية، أو رغبةً في مشاركة أتباعها الغنائم التي يحصلون عليها، وإما خوفًا من التعرض لغزواتها،وفي هذا التوقيت أدرك شريف مكة أنه إن لم يتحرك ضدها عسكريًا فإن القبائل الحجازية التابعة له ستنضم الواحدة تلو الأخرى إلى تلك الدولة الناشئة، التي تحرز انتصارات يومًا بعد يوم، خاصة أنها أخذت تتوسع في الشرق حتى وصلت تحركاتها العسكرية إلى شاطئ الخليج العربي "الأحساء"، وغدت قواتها مرهوبة الجانب ونتيجة لهذه المشاحنات التي وقعت بين الطرفين السعودي والحجازي جهز الشريف غالب حملته الأولى عام 1205ه/1790م ضد الدولة السعودية، وجعلها تحت قيادة أخيه الشريف عبد العزيز بن مساعد، الذى سار من مكة بقوة نحو الدرعية، وقد انضم إليه كثير من القبائل الحجازية وبعض من قبائل شمر ومطير، بقيادة زعيمهم حسين الدويش رئيس قبيلة مطير وعربانه، وكذلك أعراب من قبيلة قحطان، وصلت هذه الحملة بجموعها العتيدة من بدو وحضر إلى منطقة نجدية تسمى قرية "السر"، يوجد فيها بيت ابن بسام، فقاموا بمحاصرته أكثر من عشرة أيام، ولم يتمكنوا من الحامية الموجودة داخله، فاضطر الشريف عبدالعزيز بن مساعد إلى أن يتركه، ثم خرج الشريف غالب بنفسه وبتعزيزات أخرى حتى وصل بلدة الشعراء وحاصرها، ولكن دون جدوى، فأخذت القبائل تبتعد عنه نتيجة طول الحصار، وقرب موسم الحج، ما اضطر الشريف إلى العودة إلى مكة دون تحقيق نتيجة تذكر، وكان موقف الشريف ضعيفًا جدًا، خاصة بعد انضمام القبائل الحجازية في تربة ورنية إلى الدعوة السلفية، وهو ما شجع قوات الدرعية على أن تتخذ خطة الهجوم لا الدفاع، وبعد أن شعر الشريف غالب بعجزه عن مواجهة "الخطر الوهابي" حاول الاستنجاد بالسلطان العثماني، وأرسل إليه تقريرًا مفصلًا عما يعانيه من صعوبات ومتاعب من أهل الدرعية، غير أن السلطان لم يهتم بأمره، ولم يقدم له أي مساعدة، ولعل انشغال الدولة العثمانية بالحروب والمنازعات الداخلية هو ما حال دون تقديم الدعم للشريف غالب في مواجهته للدرعية.
العمليات الحربية السعودية
كانت سنة 1212ه/ 1797م من أصعب السنوات بالنسبة للشريف غالب في مجابهته للسعوديين، فإزاء سوء الحالة الاقتصادية وفقدان كثير من القبائل، وخاصة التي حول مكة، لموارد معاشهم نتيجة للعمليات الحربية السعودية اضطرت هذه القبائل -وأبرزها قبائل العتبان- إلى إرسال حمود بن ربيعان مندوبًا عنهم إلى الدرعية؛ لمبايعة الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود على اتباع نظام الحكم السعودي، واعتناق مبادئ الدعوة السلفية، كما تعهد نيابة عن قومه بدفع مقدار معين من المال عن كل بيت، وحينما وصل إلى الدرعية رحب به الأمير عبدالعزيز، وأجابه إلى طلبه، وكان لانضمام قبيلة البقوم إلى الدولة السعودية وإعلان مبايعتهم لأميرها بالغ الأثر على الشريف غالب وإضعاف موقفه، وإزاء ذلك جهز حملة كبيرة من قبائل الحجاز حضرًا وبادية، وعدد من أهل مصر والمغرب، إضافة إلى عتاد قوامه مدافع وآلات حربية متنوعة قاصدًا بلدة رنية، لاستعادة القبائل هناك، وثنيها عن الالتحاق بالدولة السعودية، وضرب حصار عليهم لمدة عشرين يومًا، ثم رحل عنها إلى بيشة ومنها نزل إلى الخرمة، وفي ذلك الوقت كان الأمير سعود منشغلًا بحملة نحو البصرة في العراق فأرسل إلى هادي بن قرملة رئيس قبيلة قحطان، وربيع بن زيد أمير الوادي، ومن معه من الدواسر وآخرين غيرهما، أن يسيروا لمواجهة الشريف غالب في الخرمة . وبالفعل التقت قوات بن قرملة ومن معه بقوات الشريف في الخرمة وألحقوا بهم هزيمة نكراء، ففر الشريف ومن تبقى معه تاركين خلفهم خيامهم ومعداتهم الحربية ومبالغ مالية أراد الشريف توزيعها على أفراد عسكره. فكانت هذه المعركة من أقسى الهزائم التي لحقت بالشريف غالب، حيث قضت على قوته المادية والمعنوية وأثرت على مركزه بين القبائل، ويبدو أن غالبًا شعر بعد الذى عاناه في قتال أهل نجد بأنه غير قادر على الصمود أمام الدولة السعودية، خاصة بعد الهزائم التي لحقت به، والقبائل التي انفصلت عنه وانضمت إلى السعوديين، فأدرك أنَّ من الخير له أن يتفق مع جيرانه على حدود واضحة، تبينها اتفاقات خاصة تُعيِّن القبائل التابعة لكل من الطرفين، وترسم الحدود الفاصلة بينهما، وبالفعل جرت اتصالات بينه وبين قادتها، فندب من يحمل كتبه إلى الإمام عبدالعزيز بن سعود، واستمرت المكاتبات، واجتمع المندوبون من الطرفين، ونتج عن ذلك عقد صلح بين الطرفين على تحديد القبائل التابعة لكل منهما، والحدود الفاصلة بين المنطقتين (المصطلحات)، والسماح للسعوديين بأداء فريضة الحج، وكان ذلك الاتفاق في جمادى الأولى عام 1213ه/ ديسمبر 1798م، وتكرر الحج بأعداد أوفر في عام 1215ه/ 1800م، وجاءت جموع كثيرة، وكان على رأسهم سعود الكبير، الذي قدم للشريف هدايا ثمينة من الخيل والنوق ، وبادله غالب بمثلها، وقبل أن يدخل سعود مكة نزل ومن كان برفقته في عرفة، وكاد يقع بعض الاصطدام في أيام منى عام 1215ه/ 1800م بين أتباع غالب وبعض السعوديين، إلا أن غالبًا تدارك الموقف قبل وقوعه، وفى عام 1216ه/ 1801م خرج الإمام عبد العزيز ليحج بالناس، إلا أنه شعر بتعب عاد بسببه إلى الدرعية، وأناب ابنه الأمير سعود للحج بالناس، وحجوا واعتمروا على أكمل وجه، وكانت هذه الحجة الثانية للأمير سعود.
العلاقات الحجازية السعودية
شهدت العلاقات الحجازية السعودية انتكاسة بسبب انضمام بعض القبائل الموالية للشريف غالب إلى الدولة السعودية، حيث كان الأمير سعود يراسل هذه القبائل ويطلبها الانضمام إليه وعلى أثر ذلك أرسل الشريف وفدًا يضم كبار الأشراف وشيخ قبيلة المقطة من عتيبة برئاسة صهره ووزيره عثمان المضايفي شيخ قبيلة العدوان إلى الدرعية، لغرض تجديد الصلح بينهما، ولكن الأمور سارت على عكس ما أراد الشريف، حيث شق المضايفي عصا الطاعة، وأعلن الانضمام إلى الدولة السعودية، وسار المضايفي قاصدًا الشريفَ غالبًا في الطائف، وذلك بعد أن أتته إمدادات من القبائل التابعة للدولة السعودية، تمثلت في سالم بن شكبان بأهل بيشة وقراها، ومصلط بن قطنان بأهل رنية وقراها، ومن عنده من سبيع، وحمد بن يحيي بأهل تربة ومعه البقوم، وهادي بن قرملة ومعه جيش من قحطان، وغير ذلك من عتيبة وغيرهم.
وقع القتال بين القوات السعودية والحجازية لأيام عدة، حتى تفرقت القبائل عن الشريف وتراجعت، ما اضطره إلى النزول إلى مكة قبل أن يسبقه السعوديون إليها، وظلت أسوار الطائف خالية من المدافعين ، "وتأمّر عثمان المضايفي من ذلك اليوم بعد أن أقر الإمام عبد العزيز ولايته على الطائف"، وبعد تنامي قوة السعوديين واتساع نفوذهم، دخلت معظم قبائل الحجاز، وكذلك قبائل نجد والجنوب التي كان ولاؤها للشريف غالب تحت طاعة الحاكم السعودي، واعتنق أفرادها الدعوة السلفية، وكذلك عدد كبير من الأشراف العبادلة والمناعمة وآل بركات وغيرهم، وحينما علم سعود بن عبد العزيز بما جرى في الحجاز بين الشريف غالب وعثمان المضايفي قرر وضع حد للصراع مع الشريف، ولهذا اتجهت قوات الدرعية بقيادته نحو الحجاز، وانضم إليها المضايفي ومن معه من قواته التي كانت في الطائف، ثم عسكر بقواته خارج مكة منتظرًا انتهاء موسم الحج عام 1217ه/ 1803م، ولعله أراد بذلك الانتظار الحفاظ على أرواح الحجاج، وعدم تعريضهم لأي خطر قد ينتج بسبب دخوله مكة، والسبب الآخر ألَّا تكون ذريعة لتدخل أمراء قوافل الحج والوقوف إلى جانب الشريف غالب ضده، ووصل جيش الأمير سعود إلى بعد ثلاثة أيام من مكة، وذلك في موسم الحج الذى ضم في ذلك العام الكثير من الحجاج المغاربة، إضافة إلى سلطان مسقط، وكثيرا من الحجاج الآخرين، وقد قام الشريف غالب بآخر محاولة يائسة حين طلب من أميري المحملين الشامي والمصري تقديم المساعدة، لكنهما التزما الحياد وآثرا عدم التدخل في الحرب الدائرة بين شريف مكة وأمير الدرعية، وبهذا فقد الشريف أمل الحصول على دعم موظفي الحكومة العثمانية لمواجهة أمير الدرعية، وتملكه شعور بالخيبة والخذلان، ولم يكن أمامه سوى الانسحاب من مكة إلى مدينة جدة، التي كانت تحوي سورًا عاليًا، وعددًا من المدافع والجنود، وبذلك فهي أكثر تحصينًا من مكة.
تسلم الشريف عبدالمعين بن مساعد، بعد انسحاب أخيه مقاليد الأمور في مكة، وما لبث أن أعلن ولاءه وتبعيته للأمير سعود، وطلب موافقته على أن يقره على إمارة مكة، وهكذا دخل الأمير سعود مكة في أوائل شهر محرم سنة 1218ه/ 1803م، وقُرئ على منبر الحرم الشريف كتاب الأمان العام لأهل مكة، وأمر بتطبيق الدعوة الإصلاحية، وإزالة المخالفات الدينية، مثل القباب المبنية على القبور، وبعد مغادرة الأمير سعود بقواته الحجاز عاد الشريف غالب وشريف باشا بالعساكر التي تحت إمرتهما إلى مكة مرة أخرى في العام نفسه 1218ه/1803م، وقام الشريف بطرد النجديين الذين أبقاهم عليها ابن سعود، فتمكن من استردادها، ثم تولى زمام الإمارة في مكة من يد أخيه عبد المعين ، وهكذا أصبحت مكة محاطة بالقبائل البدوية الموالية للشريف، وكان من الصعب اختراق قواتهم، ولم يكن هناك مجال إلا للقوافل التجارية الصغيرة التي تذهب إلى جدة لجلب المواد الغذائية لسكان مكة، ولما وصل الإمام سعود نبأ استعادة الشريف غالب مكة، أمر ببناء قلعة عام 1219ه /1804م في وادى فاطمة ، وكان الهدف منها رصد حركات الشريف غالب العسكرية، والتضييق عليه من الناحية الاقتصادية، وتولى الإمام سعود القيادة العامة للجيش السعودي المعد لحرب الشريف باعتباره الحاكم السعودي بعد مقتل والده الإمام عبد العزيز، وحين علم الشريف غالب باقتراب القوات السعودية جمع ما استطاع جمعه من قوات ومعدات، وخرج من مكة لقتالهم، لكنه مني بهزيمة كبيرة أمام القوات السعودية، فعاد بفلول من معه إلى مكة.
محاصرة الشريف غالب
وفي العام نفسه 1220ه/ 1805م أمر الإمام سعود أتباعه في الحجاز وعسير بأن يتجهوا إلى مكة المكرمة لمحاصرة الشريف غالب، فوصل أولئك الأتباع إلى ضواحي مكة قرب موسم الحج، وفي هذا التوقيت أدرك الشريف غالب ضعف موقفه، فقام بعرض بعض الشروط التي تتلخص في طلب بقاء إمارة مكة لهم، وحث السلفيين على حسن معاملة أهالي مكة ثم سلم مكة المكرمة، وقد وافق الأمير سعود على طلبه، وكان ذلك في أوائل سنة 1220ه/ 1805م، وبعد ذلك دخل السلفيون المدينة المنورة بعد أن وفدت قبائل المدينة، وأهمها قبيلة حرب، إلى الدرعية وبايعت الأمير سعودًا على السمع والطاعة، فأرسل معهم معلمًا يعلمهم التوحيد وتعاليم الدين الإسلامي الصحيحة، وكاتبت القبائل التي تقطن المدينة أمراء الدرعية معلنين الولاء والطاعة لهم. وبذلك أصبح الحجاز كله جزءًا من الدولة السعودية، ومن الأسباب التي أسهمت في دخول الحجاز تحت مظلة الحكم السعودي، تسرب مبادئ الدعوة إلى الحجاز قبل المواجهات العسكرية، وتقبُّل كثير من القبائل لهذه المبادئ؛ الأمر الذي كان ممهدا لدخول الجيش السعودي وسيطرته على البلاد، والأسلوب الذي اتبعه الشريف غالب في طلب الهدنة أحيانا، ما أتاح الفرصة لأمراء الدرعية لأن يستعدوا في وقت المهادنة ويتهيؤوا للحرب، إضافة إلى ضعف ولاء القبائل الحجازية للشريف، وتخليهم عنه، والموقف العثماني السلبي تجاه مطالبات الشريف غالب لمواجهة السعوديين، و ساعد ضم الدرعية إلى الحجاز على انتشار الدعوة السلفية، واعتناق القبائل الحجازية لمبادئها السمحة، وتغيير كثير من المفاهيم المغلوطة التي كانوا يؤمنون بصحتها قبل قيام الدعوة السلفية، وقد انعكس هذا الأمر إيجابًا على الدولة السعودية؛ حيث ازدادت قوتها وهيبتها بسيطرتها على الأماكن المقدسة، وإلغاء السيطرة العثمانية على الحجاز، وولاء القبائل للحكم السعودي وللدعوة السلفية.
قبائل الحجاز وحملة محمد علي باشا
كان دخول الحجاز تحت الحكم السعودي حدثًا مستفزًا للدولة العثمانية، والذي من أجله تحركت عسكريًا لتخليص الحجاز من السعوديين واستعادة المكانة الدينية التي كانت تحظى بها، وكذلك استعادة السلطان العثماني لِلَقب خادم الحرمين الشريفين الذي كان يعتز به، ولعل طرد الموظفين الأتراك من مكة ومنع حجاج الدولة العثمانية وبلاد الشام من الحج والعودة إلى أوطانهم شكل سببًا آخر للتحرك العثماني العسكري ضد السعوديين، إضافة إلى ما شكلته هجمات السعوديين ضد أغنى الولايات العثمانية وهي العراق وبلاد الشام من تهديد للدولة العثمانية وإثارة لمخاوفها، لذلك أوعز السلطان العثماني إلى والي مصر محمد علي باشا في عام 1222ه/1807م بمسؤولية القضاء على الدولة السعودية، لاسيما بعد فشل والي العراق ووالي الشام عن أداء هذه المهمة الصعبة، وبعد مرور أربع سنوات من صدور الأمر السلطاني وافق محمد علي؛ لأسباب عدة أهمها تدعيم مكانته ومركزه في مصر، وبعد استكمال الاستعدادات أسند قيادة الجيش إلى ابنه أحمد طوسون وانطلقت الحملة في سنة 1226ه/18011م حتى وصلت مدينة ينبع على البحر الأحمر، واستولت عليها بعد مقاومة ضعيفة استمرت يومين فقط، وبعد أسبوعين وصلت فرق الخيالة عن طريق البر ولم تواجه أي مقاومة من القبائل العربية التي استطاع طوسون استمالتها وإغراءها بمبالغ مالية كبيرة، وتوجه طوسون بعد ذلك قاصدًا المدينة المنورة وانضم إليه عدد من أفراد القبائل هناك واتخذهم جواسيس لمتابعة تحركات السعوديين فعادوا إليه بخبر استعداد السعوديين للهجوم على الجيش المصري، وفي المقابل انضم شيخ قبيلة حرب (ابن مضيان) ومعه ألف رجل إلى القوات السعودية وكان لكثرتهم أثر في تثبيط معنويات جند طوسون إذ اعتقدوا أن هذا الجيش المقبل على معسكرهم هو مدد من نجد بقيادة الحاكم سعود بن عبدالعزيز نفسه، أدرك طوسون أن اعتماده على جيشه وأسلحته رغم كثرتها لن تحقق له الانتصار الذي يرجوه، بل إن الدور الكبير يعتمد على مساندة القبائل الحجازية له، لذلك عمل على استمالة القبائل القاطنة على طريقه من ينبع إلى المدينة المنورة بتوزيع الأموال عليهم لضمان انحيازهم إلى صفه والتقوى بهم وإضعاف خصمه بالتخلي عنه وقد وجه كامل اهتمامه إلى قبيلتي حرب وجهينة؛ لأنهما تقيمان على طريق زحفه نحو المدينة، وكان طمع القبائل العربية في الحصول على الأموال أو الغنائم سبب رئيسي في الانضمام إلى الجيش المصري، إلا أن خشية هذه القبائل من هزيمة القوات السعودية أمام القوات المصرية الضخمة عددًا وعدة كان سببًا آخر للانضمام إلى الكفة الأقوى والمتوقع غلبتها وسيطرتها على البلاد، كما فعلت قبيلة جهينة التي تبعت طوسون بعد وصول قوة أحمد بونابرت المساندة له من مصر إلى ينبع، واستمرت الحروب سجالًا بين الفريقين لمدة عامين كاملين والإمدادات العسكرية والبشرية تصل إلى الجيش المصري بشكل دائم دون انقطاع، حتى وصل إلى الدرعية واستعصت عليه لمدة أكثر من ستة أشهر، فاضطر الأهالي بداخلها إلى الاستسلام، ثم استسلم الإمام عبد الله بن سعود فأرسله إبراهيم باشا إلى مصر ومنها نقل إلى الآستانة حيث أعدم هناك في عام 1234ه/1819م، عززت معارضة عثمان المضايفي لشريف مكة وبعض أقارب الشريف ومعظم زعماء القبائل الموقف السعودي، ورجحت بذلك كفتهم، وكانت عاملًا مساعدًا لدخول السعوديين إلى الحجاز، ومنح أمراء الدرعية أمراء مكة متسعًا من الوقت؛ لتغيير الوضع الديني، وإزالة المخالفات الشرعية المنتشرة في بلاد الحرمين الشريفين، غير أن ردة فعلهم كانت متعنتةً؛ جهلًا واستكبارًا، وكان بالإمكان قبولهم لمبادي الدعوة، وتطبيق تعاليمها الصحيحة، وتغيير المفاهيم الخاطئة التي اقترنت بالعادات والعبادات؛ الأمر الذي سيمنع المواجهات العسكرية بين الفريقين، وبه يحافظ الأشراف على مكانتهم الاجتماعية.
*أستاذ التاريخ المشارك في جامعة حائل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.