لم يكن تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1727 على يد الإمام محمد بن سعود مجرد ذكرى تاريخية، بل كان نقطة تحول جوهرية في تاريخ المنطقة. فمنذ ذلك الحين، بدأت هذه الأرض المباركة التي تحتضن الحرمين الشريفين، وتعد قبلة المسلمين من جميع أنحاء العالم، ترسّخ مكانتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والعالم، سياسياً واقتصادياً، باعتبارها مركزاً محورياً للتجارة والطاقة. كما لم يكن اكتشاف النفط في العام 1938 مجرد حدث اقتصادي بحت، بل شكل انطلاقة غير مسبوقة عززت الحضور الإقليمي والعالمي للمملكة، حيث جعلها مركزاً رئيسياً للاقتصاد العالمي، ووجهة رائدة للاستثمارات والشركات الكبرى، فضلاً عن دورها البارز في دعم تطور الإنسانية، ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جاءت رؤية السعودية 2030 لترسم مستقبلاً جديداً للتنمية، مرتكزة على الابتكار، والاستدامة، والتنويع الاقتصادي. ومثّلت نيوم إحدى أبرز تجليات هذه الرؤية الطموحة، حيث تقدم نموذجاً عالمياً لمدن المستقبل، من خلال تطوير صناعات متقدمة، وإطلاق قطاعات اقتصادية جديدة، وجذب كبرى الشركات وألمع العقول من جميع أنحاء العالم. إن نيوم التي تعد أكبر مشروع تطويري عالمي، يرأسه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليست مجرد مشروع إنشائي، بل رؤية متكاملة لتقديم حلول غير مسبوقة للتحديات العالمية، لتشكل انعكاساً حقيقياً لما قاله سموه عنها: "ستصبح مكاناً للحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم". وكما شكل النفط نقطة تحول في اقتصاد السعودية، يعود قطاع الطاقة اليوم ليؤدي دوراً محورياً في خطط المملكة للتنويع الاقتصادي ومواجهة التحديات البيئية العالمية. ولهذا، ركزت نيوم على تحقيق تحول جذري في "قطاع الطاقة"، يتجاوز حدود المملكة إلى العالم أجمع. وفي خطوة تعكس دورها الريادي في الطاقة المستدامة، تبني نيوم أكبر مصنع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، سيبدأ تشغيله نهاية 2026، بطاقة إنتاجية تصل إلى 650 طناً يومياً، مما يعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للطاقة المستدامة. كما أبرمت نيوم شراكة استراتيجية بين "إينووا" التابعة لها وشركة "أرامكو" لإنشاء أول مصنع تجريبي للوقود الاصطناعي (الكهربائي) ضمن مركز ابتكار وتطوير الهيدروجين التابع ل"إينووا" في مدينة أوكساچون، حيث يخفّض ذلك الوقود الصناعي انبعاثات الكربون بنسبة 70 % مقارنة بالوقود التقليدي. كما وقعت نيوم شراكة استراتيجية مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) لتطوير تقنيات إنتاج الهيدروجين والوقود المستدام، ما يعزز مكانة المملكة في الابتكار الأخضر. وفي إطار التزامها بالاستدامة، خصصت نيوم 95 % من مساحتها كمحمية طبيعية، إلى جانب إطلاق مبادرتها الطموحة لتنمية الغطاء النباتي، عبر زراعة 100 مليون شجرة محلية، وإعادة تأهيل 1.5 مليون هكتار من الأراضي والمحميات الطبيعية، والاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة في تشغيل مشاريعها. وفي قطاع الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية، أبرمت نيوم اتفاقية مع شركة "داتاڤولت" السعودية لتطوير أكبر مصنع ذكاء اصطناعي متكامل بقدرة تصل إلى 1.5 جيجا واط. كما دخل صندوق نيوم للاستثمار في شراكات استراتيجية مع شركات عالمية مثل "بوني إيه آي Pony.ai"، لتطوير المركبات ذاتية القيادة، وشركة "ريجنت" لتطوير الطائرات المائية الكهربائية. إن نيوم ليست مجرّد مشروع اقتصادي، بل ستمثّل ملتقى عالمياً للرياضة والسياحة والفنون، حيث تستعد لاستضافة دورة الألعاب الشتوية 2029 في تروجينا، وجهة نيوم للسياحة الجبلية، ومباريات كأس العالم 2034 في إستاد ذا لاين. وقد عززت نيوم مكانتها كوجهة رائدة للصناعات الإعلامية، عبر تطوير قريتها الإعلامية المتكاملة، وإنشاء استوديوهات إنتاج متطورة، إلى جانب دعمها لصناعة الأفلام والألعاب الإلكترونية من خلال مساعدة المؤسسات الناشئة والبرامج المتخصصة في تمكين المواهب الوطنية. وفي مجال ترسيخ ثقافة العطاء والعمل التطوعي، شهدت نيوم العام الماضي مشاركة أكثر من 2,700 موظف وموظفة من مختلف قطاعات الشركة في تقديم أكثر من 15,000 ساعة عمل تطوعي، لدعم المبادرات المجتمعية المحلية وتعزيز الأثر الإيجابي في المجتمع، كما شهد برنامج "أصدقاء نيوم" نجاحاً بارزاً، حيث أسهم عبر مبادراته التطوعية في تحسين جودة حياة 83,266 مستفيداً منذ انطلاقته، في مجالات متنوعة. وانطلاقاً من رؤيتها للاستثمار في الإنسان وتأهيل الكفاءات الوطنية، دعمت نيوم المجتمع المحلي في تبوك عبر برامج متخصصة لريادة الأعمال كان أبرزها "نيوم سفن سينسز"، الذي وفّر منذ إنشائه الدعم والتدريب والإرشاد ل 2,392 من المشاريع الصغيرة والمتوسطة والأفراد، وأيضاً من خلال تأهيل الشباب والشابات للعمل في مشاريعها بعد تخرجهم من برنامج نيوم للابتعاث الداخلي والخارجي، الذي استفاد منه 732 طالباً وطالبة على الصعيدين المحلي والعالمي؛ هذه البرامج وغيرها أثمرت تقديراً وتكريماً في عدد من الفعاليات والمحافل، كان أحدثها الحصول على جائزة الأميرة صيته بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي. واليوم، ومع احتفال المملكة بيوم التأسيس وانطلاقها نحو مستقبل مزدهر، تواصل نيوم هذا المسار برؤية طموحة، عبر آلاف العقود التي وقعتها، والتي تغطي جميع قطاعاتها ال15. تضع المملكة اليوم ملامح المستقبل، مقدمة للعالم نموذجاً يُحتذى به في التنمية المستدامة والابتكار، وتترجم نيوم هذه الرؤية يوما بعد يوم، من خلال مناطقها، وقطاعاتها، ومشاريعها المتنوعة.