ألوانٌ من التباهي والفخر أضاءت سماء المملكة العربية السعودية، وبذكرى يوم التأسيس على يدِ الإمام محمد بن سعود -تغمده الله برحمته-، سنروي ولادة الوطن لنسطر عبر التاريخ مواقف الأجدادِ وقصص الأبطال، نستذكر من خلالها إرثنا العريق، ونعتز بأمجاد وطنٍ يحكي عنه العالم أجمع اليوم. منذ البداية الأولى في الدرعية أو كما كان يطلق عليها قديمًا باسم «العوجا»، وأتى الاسم نسبةً إلى موقع وادي حنيفة الذي اشتهر بكونه متعرجًا، وأُطلق على أصحاب هذه المنطقة بأهل العوجا ليرتبط اسمها بالأسرة المالكة آل سعود آنذاك، ولكن الآن يرتبط هذا الاسم بالمملكة العربية السعودية بأسرها. فيوم التأسيس لم يكن أبدًا يومًا عاديًا ليمر مرور الكِرام، بل حمل معه معاني عديدة، معانٍ يكمن في لُبها التاريخ والأصالة والحضارة العريقة، فثقافة أهل العوجا انتشرت في أرجاء المملكة العربية السعودية بأكملها، كما أن لكل منطقة ثقافة تشتهر بها لنذكرها في يومنا الحاضر شاهدين على الفخر بإرثنا مهما مر الزمن. وإذا رجعنا بالزمن إلى ما قبل ثلاثة قرون ونظرنا إلى ثقافة أهل العوجا، تلك الأرض التي انطلق منها توحيد المملكة، سنجد أنهم يتميزون بالنخوة والوفاء، حيث إن أغلبية أهلها كانوا ينتمون إلى أسرٍ وقبائل عربية أصيلة، لتنتشر الثقافة بينهم في الانتماء للمكان والقبيلة والأسرة في بعض الأمور كمزاولة الأعمال الحرفية وغير ذلك. كما عُرف عن أهل العوجا نخوتهم ليبثوا الحماس والفخر وروح الانتماء للوطن من خلال أهازيجهم الوطنية كما قالها الإمام عبدالله بن سعود: «حنّا أهل العوجا وحنا اللي نرد الضديد.. والطايلة يحظى بها من عز طاروقها». بالإضافة إلى ثقافة الرقصات والتي من أهمها العرضة السعودية، تلك الرقصة الشعبية التي مثلت في البداية أهازيج الحروب، حيث كانت عبارة عن أداء جماعي مهيب ومتزن يُثير العزائم لإخافة الأعداء باستخدام السيوف ورفعها وتخويفهم بصوت قرع الطبول، كما أنها تُعبر عن شحذ الحماسة والبسالة للمقاتلين ورفع روحهم المعنوية كلما رددوا القصائد الحماسية سويًا. والآن في ذكرى يوم بدينا، تُستخدم هذه العرضة كرقصة نُحيي بها التراث العريق، لنعبر بها عن نخوة الوطن وإنجازات مؤسسيه، وكلما أتت مناسبة وطنية نراها حولنا في كل مكان لنسمع قرع الطبول ويأتي بها الصغير قبل الكبير. كما أن لأهل المملكة العربية السعودية ثقافات عديدة ومتنوعة سواءً في المأكل أو الملبس أو غير ذلك، فثقافة الملبس منذ ثلاثة قرون في منطقة العوجا كانت مميزة للغاية، فالرجال حينها كانوا يفضلون ارتداء البشت والغترة والعقال الرزي، وهي من الملابس الأنيقة آنذاك ليرتديها كبار القوم، أما القاطنون في البادية من الرجال كانوا يفضلون ارتداء الثوب مع بشت البرقاء والعصابة، والنساء يفضلون ارتداء الثوب والشيلة، والأطفال من الذكور يرتدون الثوب المرودن والجوخة والغترة والعقال، ومن الإناث الدراعة والقبع، ليظهروا في أبهى صورة دائمًا. وعلى الرغم من أن لكل منطقةٍ في المملكة العربية السعودية ثوبها الخاص بها، إلا أننا في وقتنا الحالي ما زلنا نرى ذلك التراث العريق ممتد، وما زال أغلب الرجال يرتدون الثوب والبشت والنساء يرتدين العباءات الأشبه بالثوب والشيلة قديمًا. وإذا تحدثنا عن الثقافة حينها في الطراز المعماري، فسنجد أن جدار هذا المعمار يحكي تاريخ المملكة وصفات أهلها، حيث تميز المجتمع السعودي بروابط اجتماعية وأسرية متينة، وهو ما أكدته الشريعة الإسلامية لينعكس هذا على البيوت والمساكن، وذلك من خلال الحفاظ على الخصوصية والحشمة لترافق المبنى في كافة أجزائه، وفي الدولة السعودية الأولى صُنعت المباني من الطين لتوافره في الأرض بالإضافة إلى الاعتماد على المتوافر في البيئة حينها من النبات أو الحجر، كما أن منطقة الدرعية كانت تتميز بتجانس العمران فيها، فهي المدينة الأكثر تماسكًا من أي عمرانٍ آخر في الجزيرة العربية، وتميزت المنطقة أيضًا بالقلاع والحصون الكبيرة لنرى أثرها خالدًا إلى يومنا الحالي بعزٍ وشموخ. وعلى الرغم من مرور الأيام والأعوام الطوال، إلا أننا ما زلنا نحمل الدين الذي سار عليه أجدادنا في قلوبنا، رافعين راية الإسلام وكلمة التوحيد عاليًا لنخطها على علم المملكة العربية السعودية قائلين «لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله»، حيث سعت الدولة السعودية كثيرًا لنشر الإسلام وتعليمه من الصغر، والاهتمام بالمنشآت الدينية أيما اهتمام وبالأخص الحرمين الشريفين الذي تهوي إليه قلوب البشر من كل حدبٍ وصوب. ومنذ مئات السنين وأئمة الدرعية تهتم بالعلم والتعليم، فكانوا دائمًا في مجالس العلم ولا ينقطعون عنها، حيث كان الناس يجلسون قديمًا للتعليم في الباطن المعروف آنذاك بمكان السوق في بطن وادي حنيفة، وفي هذه المدينة العظيمة ظهرت مدرسةٌ للخط والنسخ ليبرز أسماء عدد من النساخ والخطاطين إلى وقتنا الحالي، ومن أهم المخطوطات التي اشتهرت في الدرعية تحمل اسم «زاد المعاد في هدى خير العباد»، ولأن المملكة العربية السعودية تحفظ تاريخها، حرصت دائمًا على السير على خطى الأجداد محققةً نجاحاتٍ عظمى في مجال التعليم لنشهد أثر هذا التراث والثقافة بإنشاء أفضل المدراس والجامعات لتلقي العلم باستمرار، سواءً كانت تلك العلوم شرعية أو أدبية أو غير ذلك. كما أن المملكة العربية السعودية تعددت لهجاتها، وذلك يرجع لتعدد المناطق المترامية الأطراف والقبائل المختلفة، حيث إن هناك ما يقارب الستين لهجة رئيسة في السعودية، ولكن تعد هذه اللهجات الأقرب للفصحى، وذلك يرجع لكونها الموطن الأصلي للقبائل العربية، وحتى الخمسين سنة الماضية كان الناس في المملكة أقل اختلاطًا بغير العرب وهذا ما دفعهم على الاحتفاظ باللهجة السعودية العريقة، فمن اللهجات المتعارف عليها لهجة التلتلة وهي تشتهر في الحجاز، والحجازي ينطقها بكسر حرف المضارع مطلقًا كلكمة «يِعرف» بكسر الياء، وأيضًا لهجة التضجع وهي اللهجة المتعارف عليها في القصيم، حيث إنهم يُعرفون بتباطئهم في نطق الحروف، ولهجة الكشكشة المشهورة في أهالي جنوبي السعودية، والتي بدورها يتم إبدال الكاف المؤنث المخاطب بالكلمة إلى حرف الشين ككلمة «لبيك» تُنطق «لبيش»، وأيضًا لهجة أهل نجد والتي تسمى الكسكسة، وهي التي يقوم فيها المتحدث بإبدال الكاف المؤنث المخاطب كأن نقول: «كيف حالس» بدلًا من «كيف حالك». ومهما تحدثنا عن اللهجات في الدولة السعودية الأولى إلى وقتنا الحالي فلن نوفيها حقها، ولكن المسميات الأشهر لهذه اللهجات: اللهجة النجدية، واللهجة الشمالية واللهجة الحجازية الحضرية، واللهجة الخليجية في المنطقة الشرقية، وكذلك اللهجة البحرانية في منطقة القطيف وبعض قرى الأحساء، وعلى الرغم من تداخل اللغات على السعودية، إلا أن الشعب السعودي ما زال متمسكًا بلغته ولهجته المميزة ليبدو صداها في كل مكان. وأينما وجهت وجهك في المملكة العربية السعودية سترى بها تنوعًا ثقافيًا كبيرًا لنعيش رحلة ممتعة مع هذا التنوع في يوم التأسيس، ولنبرز القيمة الكبيرة لثلاثة قرون من التاريخ العريق ذي الأصالة والأمجاد، وفي «يوم بدينا» سترى ملامح الفخر والانتماء على وجوه الشعب لنحتفي بهذا اليوم بجدارة ونُسطر النجاح والإنجازات في صفحات التاريخ الحاضر.