حققت البنوك السعودية بنهاية عام 2024 أرباحاً تاريخية قاربت من 80 مليار ريال وهذا الرقم المسجل لصالح 10 بنوك مُدرجة في السوق المالية السعودية يشكل أكثر من نصف أرباح الشركات بدون أرامكو، قد تكون هذه الأرقام إيجابية للبنوك ولكنها فعلياً سلبية على الاقتصاد السعودي، لأن مقابل هذه المكاسب التي حققتها البنوك هنالك تكاليف كبيرة تحملتها الشركات لخدمة ديونها وتسببت في تراجع أرباحها، ليس هذا فحسب بل إن كثيراً من الشركات اضطرت إلى تأجيل خططها التوسعية بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية في ظل أسعار الفائدة المرتفعة، كما أن الشركات التي لديها سيولة نقدية حولتها للاستثمار في أدوات الدين أو احتفظت بها كودائع لأجل، الطلب على التمويل البنكي كان كبير جداً في عام 2024، حيث زادت محفظة القروض لدى البنوك بأكثر من 354 مليار ريال مقابل 236 مليار ريال في عام 2023 ولم يتماشَ نمو الودائع مع نمو القروض حيث اتسعت الفجوة بنحو 158 مليار ريال فتسببت في تجاوز القروض للودائع بنسبة 105 % مقارنة مع 99 % في عام 2023 هذه النسب هي مقارنة بين القروض والودائع فقط ولا تشمل أدوات الدين التي تصدرها البنوك، وللبنك المركزي السعودي نسبة احتساب مختلفة تشمل ديون البنوك طويلة الأجل التي يتم اضافتها لأرقام الودائع وأيضاً وضع أوزان للودائع والقروض حسب فتراتها الزمنية مما يؤدي إلى قراءة مختلفة تماماً تضع نسبة القروض إلى الودائع في النطاق المسموح به في حدود 90 %، وفي آخر نشرة إحصائية للبنك المركزي أظهرت أن نسبة القروض للودائع في شهر ديسمبر 2024 عند 83.24 % ومع كامل ثقتنا بأرقام البنك المركزي ومعرفتنا بحرصه الشديد على تطبيق أعلى المعايير الرقابية للمحافظة على السلامة المالية للبنوك السعودية، إلا أننا نعتقد أن البنوك بحاجة إلى ضخ سيولة من البنك المركزي بما يتوافق مع السياسة النقدية، المعروض النقدي في نهاية شهر يناير 2025 سجل رقماً تاريخياً حسب بيانات البنك المركزي التي أظهرت أن عرض النقود (ن3) تجازو 2,957 مليار ريال وهذا الرقم مؤشر إلى أن هنالك سيولة جديدة دخلت على الاقتصاد السعودي ربما تكون بعضاً من إصدارات أدوات الدين الحكومية بالدولار الأميركي، وإن صحت التوقعات فإن السيولة لدى البنوك سوف ترتفع وتدعم تراجع (السايبور) الفائدة بين البنوك السعودية التي تتأثر عادة بتراجع السيولة وحاجة البنوك للاقتراض فيما بينها لتغطية التزاماتها، والسايبور هو المؤشر الذي تبني عليه البنوك تسعير قروضها، وهو ما قد يدفع البنوك خلال الأشهر القادمة إلى خفض أسعار الفائدة على القروض. استحوذ البنك الأهلي ومصرف الراجحي على نسبة 51 % من صافي الأرباح المجمعة للبنوك ونسبة 48 % من محفظة القروض و45 % من الودائع و47 % من صافي دخل العمولات الخاصة وهذه النسب تعطينا مؤشر على جدارة البنكين في تحقيق أرباح من رسوم الخدمات المصرفية وصرف العملات والعمليات الأخرى، على الرغم من زيادة مخصص خسائر الائتمان بنسبة 41 % لدى مصرف الراجحي و11 % لدى البنك الأهلي، 6 بنوك خفضت مخصصاتها لخسائر الائتمان على الرغم من نمو محافظها التمويلية بنسب وصلت إلى 23 % لجوء بعض البنوك إلى خفض مخصص خسائر الائتمان ربما يكون سببه تحسين القوائم المالية على حساب تعظيم الجدارة الائتمانية حتى وإن كانت نسب تغطية المخصصات للقروض المتعثرة تتجاوز 150 % إلا أن ذلك لا يبرر لجوء البنوك إلى خفض مخصصاتها في ظل نمو محافظها التمويلية. صافي دخل العمولات الخاصة وهو الفرق بين ما تتحصل عليه البنوك من فوائد على القروض وما تدفعه مقابل ديونها والودائع الزمنية والإدخارية، والتي تعتبر المصدر الرئيس لدخل البنوك حيث تشكل ما نسبته 78 % من إيرادات البنوك ولذلك تعتبر مراقبة نمو هذا البند مهم للمستثمرين لمعرفة تأثير أسعار الفائدة على البنوك، في عام 2024 حقق مصرف الراجحي أعلى نسبة نمو ب 17 % بينما البنوك الأخرى مجتمعة كانت نسبة نموها 4.8 % وهذا يعود لسببين أولا: نجح المصرف في زيادة الودائع تحت الطلب بنسبة 27 % في المقابل خفض الودائع لأجل بنسبة 20 % وهي الودائع التي يدفع عليها المصرف عوائد وهذا الخفض أسهم في عدم زيادة تكاليف العوائد التي يدفعها للعملاء، السبب الثاني: يحتفظ المصرف بقروض للأفراد بنسب تمويل تصل إلى 7 % حسب تكاليف التمويل بالنسبة السنوية ABR)) وقد استفاد المصرف من خفض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في الربع الأخير وسوف تدعم أسعار الفائدة إذا استمرت في الانخفاض أرباح المصرف خلال السنتين القادمتين، لأن تمويل الأفراد يشكل نسبة 69 % من إجمالي محفظة التمويل، أما البنوك المنكشفة على الشركات فإن أغلب قروضها بالفائدة المتغيرة وسوف يتأثر دخلها بخفض أسعار الفائدة.