في مشهد متسارع يتحكم فيه الذكاء الاصطناعي بتطورات العالم التقنية، تبدو الساحة وكأنها تجهز نفسها لصراع طويل الأمد بين عملاقين: ChatGPT الأمريكي، الذي وضع حجر الأساس للذكاء الاصطناعي التوليدي، وDeepSeek الصيني، الوافد الجديد الذي أحدث موجة من المفاجآت منذ ظهوره. هذه المنافسة ليست مجرد صراع تقني، بل هي انعكاس لتوجهات ثقافية واقتصادية عالمية، حيث تحاول الصين وأمريكا قيادة مستقبل الذكاء الاصطناعي، كل وفق استراتيجيته. DeepSeek يفاجئ الأسواق العالمية منذ إطلاقه في يناير الجاري، استطاع تطبيق DeepSeek أن يفاجئ الأسواق العالمية بسرعته في الانتشار. في غضون أسابيع قليلة، تجاوز التطبيق كل التوقعات، وأصبح الأكثر تحميلًا على متجر تطبيقات iOS في الولاياتالمتحدة، متفوقًا على ChatGPT، الذي سيطر على السوق لأكثر من عامين، الأرقام وحدها تعكس حجم هذا النجاح؛ فقد سجل التطبيق أكثر من 8 ملايين تحميل في الشهر الأول فقط، مع متوسط يومي للاستخدام بلغ 1.2 مليون مستخدم نشط، هذا النجاح السريع أعاد تشكيل ملامح المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي، وأطلق العنان لتساؤلات حول مدى قدرة DeepSeek على الاستمرار في هذا الزخم. موقع ريادي لChatGPT وعلى الجانب الآخر، لا يزال ChatGPT يحتفظ بموقعه الريادي كأكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي انتشارًا في العالم. منذ إطلاقه من قبل شركة OpenAI في أواخر عام 2022م، حقق التطبيق نموًا مذهلاً، حيث تجاوز عدد مستخدميه النشطين 100 مليون شهريًا بحلول منتصف عام 2023م، وهو رقم جعل منه الخيار الأول لملايين المستخدمين، إذ يتمتع ChatGPT بقدرات مرنة وفريدة، مما مكنه التعامل مع مجموعة واسعة من المهام، من الكتابة الإبداعية إلى البرمجة وتحليل البيانات، ورغم ظهور منافسين جدد، لا يزال يحتفظ بميزته الأساسية: القدرة على فهم السياقات المعقدة وتقديم حلول مخصصة لكل مستخدم. رؤى متباينة ووراء هذه الأرقام والتقنيات، تقف رؤى متباينة بين المنصتين، حيث يعتمد DeepSeek على نموذج مفتوح المصدر، وهذا النهج سمح للمطورين حول العالم بالوصول إلى الكود الأساسي للنموذج والمساهمة في تحسينه، ما ساعد على تطوير تقنيات أكثر كفاءة في وقت قياسي، كما يتميز النموذج الأساسي لتطبيق DeepSeek والمعروف ب DeepSeek-R1 بقدرته الفائقة على حل المسائل الرياضية والبرمجية بسرعة كبيرة، مع استهلاك أقل للموارد مقارنة ب ChatGPT، ووفقًا لمؤسس الشركة ليانغ وينفنغ، فإن الفريق ركز منذ البداية على تطوير نموذج قادر على تقديم أداء عالي بتكلفة منخفضة، وهو ما جعل DeepSeek منافسًا قويًا في أسواق متعطشة للتقنيات الجديدة. وعلى النقيض، فضل ChatGPT نهجًا أكثر تحفظًا، حيث تركز OpenAI على تقديم تجربة آمنة وموثوقة للمستخدمين، مع الحفاظ على سرية تقنياتها وخوارزمياتها، وهذا النهج أكسبها ثقة المستخدمين، خاصة في الأسواق الغربية، التي تعتبر قضايا الخصوصية والأمان من الأولويات، وبحسب الدكتور جون هايز، خبير الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد فإن ChatGPT "يتمتع بميزة كبيرة تتمثل في فهمه المتعمق للسياقات الثقافية واللغوية المختلفة، مما يجعله أكثر ملاءمة للاستخدام في بيئات متنوعة"، ورغم ذلك، فإن ارتفاع تكلفة التشغيل يعتبر تحديًا كبيرًا أمام OpenAI، خاصة مع المنافسة الجديدة من DeepSeek. استراتيجيات مواجهة التحديات وتعكس التحديات التي تواجه كل منصة اختلاف استراتيجياتهما، بالنسبة إلى DeepSeek، التحدي الأكبر هو توسيع انتشاره عالميًا، رغم نجاحه في الولاياتالمتحدة، لا يزال التطبيق يواجه صعوبة في كسب ثقة الأسواق الأخرى بسبب قضايا تتعلق بالأمان واستخدام التقنية المفتوحة المصدر، في المقابل، تواجه OpenAI تحديًا مختلفًا تمامًا، حيث تسعى إلى تقليل تكاليف التشغيل العالية لتوسيع قاعدة مستخدميها دون المساس بجودة الخدمة. هل يخفض ChatGPT أسعاره؟ وحول تأثير هذه المنافسة على مستقبل الذكاء الاصطناعي؛ يرى المحللون أن DeepSeek، بتكلفته المنخفضة ونهجه المفتوح، قد يضغط على OpenAI لتخفيض أسعار خدماتها وتبني المزيد من الشفافية في تطوير نماذجها المستقبلية، وفي المقابل، قد يدفع نجاح ChatGPT DeepSeek إلى التركيز على تحسين قدرته على التكيف مع اللغات والثقافات المختلفة، مما يساعده على التوسع عالميًا. مرحلة جديدة بينما يتابع العالم هذا السباق التقني بشغف، يبدو أن السنوات القادمة ستشهد تحولات جذرية في سوق الذكاء الاصطناعي، فالأكيد أنّ DeepSeek وChatGPT ليسا مجرد تطبيقين، بل هما عنوان لمرحلة جديدة من المنافسة العالمية التي لن تحدد فقط مستقبل التكنولوجيا، بل ربما تعيد تشكيل العلاقة بين الدول في العصر الرقمي.