عُرف السفير السعودي معالي المهندس عبدالله بمداخلاته الأدبية المؤثرة في الفعاليات والندوات السياسية ولطالما أضفت مداخلاته وهو يسمع العالم مواقف وطنه على مسامعنا وحواسنا وقعاً مُختلفاً، ظل ساكناً في ذاكرتنا حتى هذه اللحظة. هكذا برع الدبلوماسي الأديب السفير عبدالله المعلمي مندوب المملكة السابق لدى الأممالمتحدة بتجربته الطويلة التي استحضرها بالأمس المقهى الثقافي رسم بتبوك ضمن فعالياته تحت مظلة هيئة الأدب والنشر والترجمة باستضافة معاليه في أمسية حوارية أدارتها أبرار معافا وحملت عنوان «مرافئ الأدب والمعالم الأدبية « في حياة معالي المهندس عبدالله المعلمي. في مركز مؤتمرات أمانة منطقة تبوك وبحضور أمين المنطقة م. حسام اليوسف وعدد من المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي والإعلامي. استهل الضيف حديثه بقوله: أنا في الدبلوماسية ضيفاً طارئ، مستذكراً قصة تعيينه سفيراً لبلجيكا وحتى انتقاله للعمل في الأممالمتحدة لقيادة الوفد السعودي حينها، وعن نشأته الأدبية ودور الأسرة في ذلك أفصح المعلمي أنهُ نشأ في بيت متيم بحب اللغة العربية ومغرم بتذوق آدابها وفنونها وحريص على سلامة متنها، وكانت جلساتهم العائلية لا تخلو من المساجلات الشعرية وقصص النوادر الأدبية، مشيراً إلى أن قراءاته الأدبية في سن مبكرة في المرحلتين الاعدادية والثانوية بدأت بقراءة مؤلفات طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم، وكذلك يوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وغيرهما، مضيفا أن والده الفريق يحيى المعلمي -يرحمه الله- كان حريصا على أن يزرع في نفسه روح الجرأة في الخطابة والحديث العام فدفع به إلى الواجهة واقفا فوق كرسي ليصل إلى الميكروفون ويلقي كلمة أمام جلالة الملك سعود -يرحمه الله- في مكةالمكرمة، وكان آنذاك في العاشرة من عمره، ثم القى بعدها بعام أو اثنين أمام الملك سعود في احتفال شعبي في مدينة أبها قصيدة شعرية، وبعد ذلك تولى هذه المهمة الأستاذ المربي الكبير الشيخ عثمان الصالح -يرحمه الله- الذي كان مديرا لمعهد العاصمة النموذجي، حيث كان يدفع به أيضاً إلى منبر الخطابة في المعهد في كل مناسبة وكان ذلك يكسبه غضب الزملاء والأصدقاء وامتعاضهم لأنهم يشكون من اطالته للحديث وهم وقوف ينتظرون الإذن بالانصراف إلى فصولهم. واستعرض معالي المهندس عبدالله المعلمي جوانب ومعالم من مرافئ العمل الدبلوماسي وتلاقيه مع الأدب بقوله: في الأممالمتحدة، أصبحت مهمتي الرئيسية تستوجب إلقاء الخطابات، ووجدت أمامي تاريخا حافلا من الدبلوماسيين الأدباء بمختلف اللغات، ولعل الوقت يسعفني يوما ما لإجراء بحث كامل عنهم وخاصة العرب منهم، وكان من بينهم السفير الاسطوري جميل البارودي، مندوب المملكة الدائم بين عامي 1963 – 1979م، والذي كان يقال عنه أنه كان يدخل إلى أي اجتماع ويسأل عن موضوع اللقاء ثم يطلب الكلام ويتحدث بلغة فصيحة سليمة وبإلمام كامل بالمضمون وباسترسال طويل المدى، ومن الدبلوماسيين الأدباء الذين ظهرت ملكاتهم اللغوية في خطاباتهم سفير قطر الأسبق خلال الفترة من 1989 الى 1992م الدكتور حسن النعمة، وسفير ليبيا الشاعر عبدالرحمن شلقم بين عاما 2009 و2012م، وسفير العراق الشاعر سمير الصميدعي بين عامي 2004 – 2006م، وغيرهما، كما أن من أشهر الدبلوماسيين الشعراء الذين لم يعملوا في الأممالمتحدة السفراء حسن القرشي ومحمد الفهد العيسى وعبدالعزيز خوجة ونزار قباني وعمر أبو ريشة، ولن يتسع المجال للحديث عن كل من هؤلاء بما يستحقوه، ويقف المعلمي عند تجربة الشاعر اليمني السفير عبدالله العلوي الذي نظم تقريرا عن أحد اجتماعات حركة عدم الانحياز التي حضرها في القاهرة شعرا حيث قال: وبعد فالعالم في صراع محتدم الخلاف والنزاع هذا شيوعي يقول مالي لدولتي وذاك رأسمالي وبان في الوجود جمع ثالث يدعو إلى الحياد غير عابث وعقد المؤتمر التمهيدي لدول الحياد بالتحديد فيما أكد أنهُ قد لا يكتمل الحديث عن تلاقي الأدب بالدبلوماسية دون التطرق إلى بعض السجالات التي دارت في الأممالمتحدة بينه وبين زميله المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الجعفري أثناء الحديث عن الأزمة السورية، فمنذ أن تصدت المملكة العربية السعودية لتتحمل مسؤولياتها في قيادة العمل الدبلوماسي نحو استصدار قرارات متتالية تدين النظام السوري وممارساته الوحشية وفي أولى تلك المناسبات تحدثت باسم الدول الراعية للقرار واختتمت خطابي بالاقتباس من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي عن دمشق وفيها قال: سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق تكاد لروعة الأحداث فيها تخال من الخرافة وهي صدق وفي المناسبة التالية اقتبست من شعر الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري حيث قال: شممت تربك لا زلفى ولا ملقا وسرت قصدك لا خبا، ولا مذقا وما وجدت إلى لقياك منعطفا إلا إليك، ولا ألقيت مفترقا وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا لكن كمن يتشهى وجه من عشقا وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا لكن كمن يتشهى وجه من عشقا لقد كان لكل من هذه الاقتباسات وقع السحر في نفوس المتلقين داخل قاعات الأممالمتحدة وخارجها مما يدل على أن والشعر أبلغ في كثير من الأحيان وأقدر على إيصال الرسالة من الكلمات الجوفاء المنمقة التي لا تحمل في طياتها المشاعر والأحاسيس ولا تخاطب الوجدان، وأستطرد معالي المهندس بقوله: قد يسألني سائل كيف كانت تترجم هذه الأبيات، وأجيب أن في الأممالمتحدة قسما متميزا للترجمة ولقد حرص وفد المملكة العربية السعودية وحرصت شخصيا على مراجعة الترجمة إلى اللغة الانجليزية قبل إلقائها ولكنني مع الأسف لا أستطيع أن أضمن جودة الترجمة إلى الصينية أو الروسية أو غيرها من لغات الأممالمتحدة، ولكن ردود أفعال السفراء الحاضرين، حتى من كان منهم لا يتكلم العربية، كانت تنبئ بأن مضمون الرسالة وروحها قد وصل بل إن أحد سفراء الدول الأوروبية كان يذرف الدموع وهو يستمع إلى (سلام من صبا بردى أرق...) وقال: إن القصيدة ذكرته بسنوات جميلة عاشها سفيرا لبلاده في سوريا قبل الأحداث الأخيرة. وأخيرا أود أن أختتم حديثي بأن أستذكر قول والدي الفريق يحيى المعلمي -يرحمه الله-: يا سليل المجد عفوا إنني أنا من ضم إلى السيف القلم إن نظمت الشعر حلوا سائغا صغت من ألحانه عذب النغم أو نضوت السيف في يوم الوغى خلتني عند اللقاء ليث الأجم ضابط حينا وحينا شاعر وكلا الحالين من عالي الهمم وأنا أقول: إن الأدب والدبلوماسية ضربان من ضروب الفن وكلاهما من عالي الهمم. تطرقت محاور الأمسية الحوارية إلى تجربة والده الأدبية وتأثيرها عليه وكذلك دور اللغة كوسيلة للإقناع والتأثير في المنابر الدولية تحديداً، فيما شهدت في ختامها عدد من المداخلات من الحضور دارت حول تجربة العمل الدبلوماسي لمعالي المهندس عبدالله المعلمي. جانب من الحضور مداخلة أحد الحضور