في أمسية جمعت بين الدبلوماسية والأدب، التقى السفير عبدالله المعلمي المندوب الدائم للمملكة في الأممالمتحدة مع محبيه من خلال محاضرة أقيمت بدار «اليوم» للإعلام بالدمام. وجال السفير المعلمي في حديثه بين الدبلوماسية والأدب، مؤكدا انهما ضربان من ضروب الفنون وكلاهما من عالي الهمم. ومر على الأحداث الراهنة، مؤكدا أن المملكة تصدت لتتحمل مسؤولياتها في قيادة العمل الدبلوماسي نحو استصدار قرارات متتالية تدين النظام السوري وممارساته الوحشية. وحكى السفير المعلمي قصة التحاقه بالعمل الدبلوماسي، والقى عددا من القصائد للدبلوماسيين الشعراء العرب الذين التحقوا بالعمل بالأممالمتحدة وكان له معهم بعض الذكريات، وفيما يلي كلمة السفير المعلمي في محاضرته بدار «اليوم» : بداية، اشعر .. بسعادة غامرة وأنا أتشرف باللقاء بكم، لعدة أسباب أولها أنني أقدر لكم وللأستاذ الكريم محمد بودي حسن ظنكم وما أسبغتموه على من صفات الأدب والدبلوماسية بأكثر مما أستحق فأنا في سلك الدبلوماسية ضيف طارئ، وفي مجال الأدب هاو وقارئ. والسبب الثاني هو أنني أؤمن بالدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه الأندية الأدبية في بلادنا عامة وفي المنطقة الشرقية بوجه خاص من حيث تعزيز روح الوحدة الوطنية ونشر ثقافة التسامح والتآلف ورفع مستوى الذائقة الأدبية لدى الشباب ولا شك أن شابا يعشق الأدب ويتذوق الفن والجمال لا يمكن إلا أن يقبل على الحياة بوجه مشرق وابتسامة وضاء. والسبب الثالث هو أنني أحب المنطقة الشرقية وأهلها، فقد أقمت فيها خمسة عشر عاما وولد فيها ثلاثة من أبنائي الأربعة وشعرت في كل يوم من أيام وجودي هنا أنني بين أهلي وإخواني وأحبابي، ولا غرابة فمن يتذوق تمر الأحساء أو مياه محطة التحلية في العزيزية لابد أن يعود إلى المنطقة الشرقية ولابد أن يرتبط بأهلها. أيها الإخوة والأخوات: لقد ذكرت أن علاقتي بالدبلوماسية هي علاقة ضيف طارئ، ولكن خلف هذه العلاقة قصة طريفة أرويها لكم، فعندما كنت طفلا صغيرا في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة كنت إذا سئلت ماذا أريد أن أصبح عندما أكبر، لم أكن أجيب بالجواب التقليدي وهو طبيب آو مهندس أو ربما طيار، ولكنني كنت أقول أنني أريد أن أكون سفيرا. وكنت آنذاك أهوى جمع الطوابع ومن خلالها سعيت إلى التعرف على بلدان العالم، واجتهدت في حفظ أسماء الدول وعواصمها ورؤسائها ورسم خرائطها وأعلامها، وكنت أصنع بذلك الجداول الملونة وأحدثها وأصححها في كل مناسبة، وكنت أتابع برقيات القيادة إلى رؤساء الدول في الأعياد والمناسبات لأعرف منها أسماءهم، وكنت أرتاح لامبراطور الحبشة هيلاسيلاسي وامبراطور اليابان هيروهيتو لأنهما كانا ثابتين لا يتغيران، وكانت ترهقني أسماء قادة أفريقيا وأمريكا اللاتينية لكثرة تغيرها نتيجة الانقلابات المتكررة فيها، وكنت إذا سئلت لماذا أبذل هذا الجهد أجيب بأنني سوف أصبح سفيرا ولكنني لا أعلم أين ستكون وجهتي ولذلك فإن على أن أكون مستعدا حتى لا أجد نفسي وقد ارسلت إلى دولة لا أعرف اسم رئيسها أو ما هي عاصمتها!! وتمر الأيام، وتأتي ساعة الحسم في الاختيار بين القسمين العلمي والأدبي في الثانوية فأجد أنني قد توجهت الى القسم العلمي، ثم تأتي مرحلة الدراسة الجامعية فأخوضها متخصصا في الهندسة الكيميائية، ثم تأتي الحياة العملية لتأخذني الى مصافي النفط ومصانع الألمنيوم ومؤسسات المال والأعمال ثم إلى مجلس الشورى وأمانة محافظة جدة، وبذلك اختفت فكرة السفارة وأصبحت جزءا من ذكريات الطفولة، إلى أن يشأ الله أن تبعث إلى الوجود وأن أكلف بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (ولي العهد آنذاك) بتعييني سفيرا في بلجيكا ثم مندوبا دائما للمملكة في الأممالمتحدة وهكذا حللت على السلك الدبلوماسي ضيفا طارئا. أما في المجال الأدبي فلقد أكرمني الله سبحانه وتعالى بأن نشأت في بيت متيم بحب اللغة العربية ومغرم بتذوق آدابها وفنونها وحريص على سلامة متنها، وكانت جلساتنا العائلية لا تخلو من المساجلات الشعرية وقصص النوادر الأدبية، ولقد بدأت قراءاتي الأدبية في سن مبكرة في المرحلتين الاعدادية والثانوية بقراءة مؤلفات طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم، وكذلك دون أن يدري أحد يوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس وغيرهما، وكان والدي الفريق يحيى المعلمي يرحمه الله حريصا على أن يزرع في نفسي روح الجرأة في الخطابة والحديث العام فدفع بي إلى الواجهة واقفا فوق كرسي لأصل إلى الميكروفون وألقي كلمة أمام جلالة الملك سعود - يرحمه الله - في مكةالمكرمة، وكنت آنذاك في العاشرة من عمري، ثم لألقي بعدها بعام أو اثنين أمام الملك سعود في احتفال شعبي في مدينة أبها قصيدة شعرية، وبعد ذلك تولى هذه المهمة الأستاذ المربي الكبير الشيخ عثمان الصالح - يرحمه الله - الذي كان مديرا لمعهد العاصمة النموذجي، حيث كان يدفع بي الى منبر الخطابة في المعهد في كل مناسبة وكان ذلك يكسبني غضب الزملاء والأصدقاء وامتعاضهم لأنهم يشكون من أنني كنت أصيل الحديث (كما أفعل الآن) وهم وقوف ينتظرون الإذن بالانصراف الى فصولهم. في الأممالمتحدة، أصبحت مهمتي الرئيسية تستوجب إلقاء الخطابات، ووجدت أمامي تاريخا حافلا من الدبلوماسيين الأدباء بمختلف اللغات، ولعل الوقت يسعفني يوما ما لإجراء بحث كامل عنهم وخاصة العرب منهم، وكان من بينهم السفير الاسطوري جميل البارودي، مندوب المملكة الدائم بين عامي 1963 - 1979م، والذي كان يقال عنه أنه كان يدخل إلى أي اجتماع ويسأل عن موضوع اللقاء ثم يطلب الكلام ويتحدث بلغة فصيحة سليمة وبإلمام كامل بالمضمون وباسترسال طويل المدى، ومن الدبلوماسيين الأدباء الذين ظهرت ملكاتهم اللغوية في خطاباتهم سفير قطر الأسبق خلال الفترة من 1989 الى 1992م الدكتور حسن النعمة، وله عدد من القصائد الجميلة أقتبس منها في ما يلي جرءا من قصيدة بعنوان «في ذكرى تقسيم فلسطين» حيث قال: ذكروك يا وطن الفدا والثار فكتبت من ذوب الحشا أشعاري ذكروك لي والنائبات نوازل ترميك بالويلات والأخطار قد أخرس الخطب اللسان فلم أجد لي ما يعبر غير دمعي الجاري أذكيت بين جوانحي نار الأسى وقرنت بالليل الطويل نهاري أسلمتني للذكريات وللضنى وللوعة مشبوبة وأوار إلى أن يقول: يا قدس يا حصن النضال وقلعة الأبطال دار الصفوة الأخيار يا دار مفخرة الأنام جميعهم يا منهل العليا وكل فخار يا موطن الحب الذي وهب الورى هديا وأصبح قبلة الأنظار يا موئل المجد الذي لم يكتحل بنظيره عصر من الأعصار يا موطن القدسي ينبوع النهى في مهجة الدنيا مدى الأدهار يتلو تعاليم المسيح على الورى وهدى النبي محمد المختار ومن أشعاره أيضا قصيدة بعنوان (أقبلت) يقول فيها: أقبلت والوجه يندى خجلا تتهادى بقوام لين وانثنت غصنا وماجت جدولا فأثارت في هواها شجني نسج الله لها برد الدلال وحباها خير قد أهيف غار منها الغصن إذ مالت فمال وسنا اللحظ كحد المرهف حبذا وصلك يا ريم الفلا فاسلمي يا فتنة المفتتن أنت كالبدر تجلى وانجلى يتلالا بصباح بين ومن الدبلوماسيين الأدباء في الأممالمتحدة كان سفير ليبيا الشاعر عبدالرحمن شلقم بين عاما 2009 و2012م، وسفير العراق الشاعر سمير الصميدعي بين عامي 2004 - 2006م، وغيرهما، كما أن من أشهر الدبلوماسيين الشعراء الذين لم يعملوا في الأممالمتحدة السفراء حسن القرشي ومحمد الفهد العيسى وعبدالعزيز خوجة ونزار قباني وعمر أبو ريشة، ولن يتسع المجال للحديث عن كل من هؤلاء بما يستحقه ولعل من بين أعضاء النادي الأدبي من الشباب من يتصدى لدراسة شاملة لهؤلاء الأعلام ولسجلهم الحافل في المجال الأدبي والدبلوماسي، ولكنني أستأذنكم في أن أتوقف قليلا عند الشاعر اليمني السفير عبدالله العلوي الذي نظم تقريرا عن أحد اجتماعات حركة عدم الانحياز التي حضرها في القاهرة شعرا حيث قال: وبعد فالعالم في صراع محتدم الخلاف والنزاع هذا شيوعي يقول مالي لدولتي وذاك رأسمالي وبان في الوجود جمع ثالث يدعو إلى الحياد غير عابث وعقد المؤتمر التمهيدي لدول الحياد بالتحديد إلى أن يقول: وفي الأخير أصدروا بيانا وقد حوا الكثير مما كانا وفي الوفود شاعر يماني يستلهم الوحي من المثاني بشعره يسجل الحوادث ولا يخاف سطوة المباحث وبينهم سيدة رشيقة قد لبست ملابسا أنيقة تعشقت في مهدها المعاليا بمثلها تعتز أندونيسيا وفي الوفود غادة غينية تخالها من أسرة غنية ترشقها العيون بالتوالي وبالأخص من سفير مالي واختتم المؤتمر التمهيدي أعماله بالوعد لا الوعيد والشكر للمضيفة العظيمة مصر على الضيافة الكريمة قد لا يكتمل حديثنا دون التطرق إلى بعض السجالات التي دارت في الأممالمتحدة بيني وبين زميلي المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الجعفري أثناء الحديث عن الأزمة السورية، وأود الإشارة في البداية الى أن الدكتور الجعفري من الدبلوماسيين المتميزين وهو رجل غزير المعرفة وثري الثقافة وله ذائقة أدبية واضحة، وإن كان لا يتقن فن العروض ومن سوء الحظ أن تزج الأقدار برجل مثل هذا ليصبح محاميا عن نظام فقد كل ذائقة إنسانية أو أدبية أو دينية وهو يمارس القتل والاضطهاد في أبناء شعبه. بدأ الحوار حول القضية السورية منذ أن تصدت المملكة العربية السعودية لتتحمل مسؤولياتها في قيادة العمل الدبلوماسي نحو استصدار قرارات متتالية تدين النظام السوري وممارساته الوحشية وفي أولى تلك المناسبات تحدثت باسم الدول الراعية للقرار واختتمت خطابي بالاقتباس من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي عن دمشق وفيها قال: سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق وبي مما رمتك به الليالي جراحات لها في القلب عمق تكاد لروعة الأحداث فيها تخال من الخرافة وهي صدق وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق جراكم ذو الجلال بني دمشق وعز الشرق أوله دمشق وفي المناسبة التالية اقتبست من شعر الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري حيث قال: شممت تربك لا زلفى ولا ملقا وسرت قصدك لا خبا، ولا مذقا وما وجدت إلى لقياك منعطفا إلا إليك، ولا ألقيت مفترقا وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا لكن كمن يتشهى وجه من عشقا وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا لكن كمن يتشهى وجه من عشقا دمشق صبرا على البلوى فكم صهرت سبائك الذهب الغالي فما احترقا وفي المناسبة التالية اخترت من شعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي ما قاله في قصيدة بعنوان (يا بحر) عن الطفل السوري (ايلان) الذي ألقى به البحر جثة هامدة على أحد السواحل التركية حيث قال: يا بحر لا تغرق الطفل الذي هربا وارحم أخاه وأما تشتكي وأبا رفقا بهم أيها البحر العميق فقد فروا من الشام لما أبصروا اللهبا خافوا على العرض والأرواح فالتحفوا ليلا بهيما أبى أن يظهر الشهبا أتوك يا بحر والأهوال عاصفة فارفق بهم إنهم قد أصبحوا غربا رأوك أرحم من أبناء جلدتهم واستأمنوك فلا تقطع بهم سببا يا بحر رفقا بهم حتى يكون لهم نصر من الله يمحو الهم والتعبا لقد كان لكل من هذه الاقتباسات وقع السحر في نفوس المتلقين داخل قاعات الأممالمتحدة وخارجها مما يدل على أن الأدب والشعر أبلغ في كثير من الأحيان وأقدر على إيصال الرسالة من الكلمات الجوفاء المنمقة التي لا تحمل في طياتها المشاعر والأحاسيس ولا تخاطب الوجدان، وقد يسألني سائل كيف كانت تترجم هذه الأبيات، وأجيب أن في الأممالمتحدة قسما متميزا للترجمة ولقد حرص وفد المملكة العربية السعودية وحرصت شخصيا على مراجعة الترجمة إلى اللغة الانجليزية قبل إلقائها ولكنني مع الأسف لا أستطيع أن أضمن جودة الترجمة إلى الصينية أو الروسية أو غيرها من لغات الأممالمتحدة، ولكن ردود أفعال السفراء الحاضرين، حتى من كان منهم لا يتكلم العربية، كانت تنبئ بأن مضمون الرسالة وروحها قد وصل بل إن أحد سفراء الدول الأوروبية كان يذرف الدموع وهو يستمع إلى (سلام من صبا بردى أرق...) وقال: إن القصيدة ذكرته بسنوات جميلة عاشها سفيرا لبلاده في سوريا قبل الأحداث الأخيرة. وأخيرا أود أن أختتم حديثي بأن أستذكر قول والدي الفريق يحيى المعلمي - يرحمه الله: يا سليل المجد عفوا إنني أنا من ضم إلى السيف القلم إن نظمت الشعر حلوا سائغا صغت من ألحانه عذب النغم أو نضوت السيف في يوم الوغى خلتني عند اللقاء ليث الأجم ضابط حينا وحينا شاعر وكلا الحالين من عالي الهمم وأنا أقول: إن الأدب والدبلوماسية ضربان من ضروب الفنون وكلاهما من عالي الهمم. السيرة الذاتية للسفير المعلمي ٭ ولد سنة 1371ه الموافق 1952م في القنفذة. ٭ بكالوريوس الهندسة الكيميائية عام 1973 من جامعة ولاية أوريغون. ٭ ماجستير في الإدارة عام 1983 من جامعة ستانفورد. ٭ مندوب المملكة الدائم لدى الأممالمتحدة في نيويورك منذ 2011. ٭ سفير المملكة في بلجيكا ودوقية لوكسمبروج والاتحاد الأوروبي 2007 - 2011. ٭ أمين محافظة جدة 2001 م - 2005 م. ٭ عضو مجلس الشورى السعودي 1997 م - 2001 م. ٭ عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 1999 - 2007. ٭ عضو اللجنة الاستشارية لوزير التجارة بمفاوضات منظمة التجارة العالمية 1997 - 2000. ٭ عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني 1996 - 1999. ٭ عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية 1992 - 1995. ٭ رئيس مجلس إدارة شركة إتش بي جي هولدنجز، دبي 2006. ٭ رئيس دار المعلمي للاستشارات 2005 - 2007 و1999 م - 2001. ٭ نائب رئيس مجلس إدارة شركة العليان المالية 1991 - 1998. ٭ الرئيس التنفيذي لشركة العليان السعودية القابضة 1988 - 1991. ٭ مدير عام شركة منتجات الألمنيوم المحدودة 1977 - 1987. ٭ مساعد مدير عام الإنتاج في مصفاة الرياض للبترول، المؤسسة العامة للبترول والمعادن 1975 - 1977. ٭ مهندس كيميائي في مصفاة الرياض للبترول، المؤسسة العامة للبترول والمعادن 1973 - 1975. ٭ رئيس مجلس إدارة شركة سند للتأمين التعاوني 2006 - 2008. ٭ رئيس مجلس إدارة الشركة المالية المصرية بالقاهرة 1995 - 1997.