ما من زائر إلى محافظة الحريق إلا ولديه وفرة من التساؤلات المرتبطة بالمكان والتاريخ وملامح الجغرافيا، تساؤلات عن الإنسان الذي يفيض بالمحبة والمودة تساؤلات عن أشجار النخيل الباسقات بظلالها الوارف وهي تمد أطراف السعف وترتخي على عُذوق الرطب والطلع النضيد، فلا تستلهم إلا صوت شاعرها الفذّ محسن بن عثمان الهزاني وهو يردد: جريت أنا صوت الهوى باحتمالا في وسط بستان سقاه أربع فرق صوت لا يكاد يغيب في واحات الحريق وإطلالاتها الباذخة وهو يجلجل في جنبات جبال طويق الممتدة التي تشكل ملامحها أبعاداً هندسية جمالية تعكس قدرة الخالق، جبال طويق وقد انتصبت فارعة في السماء تقود المتأمل إلى لوحة فنية بارعة وغاية في والروعة الجمال، في ملامحها صورة من الفن التكعيبي ومن خلالها يُستلهم الرائي لوحات الفنان الإسباني بابلو بيكاسو ومنحوتات الفنان السعودي أحمد الدحيم، سلسلة جبال طويق حتماً تمنحك مواجهة حية مع مشاهدات من الأشكال الهندسية المختلفة بأشكال إسطوانية توحي بالمسلات الفرعونية القديمة وكذا ملامح من التجويفات في صورها الهندسية بين مربعة الشكل وأخرى مستطيلة ومثلثة التي توحي بقيمة فنية بصرية تتناغم مع تبينات المشهد المقترن بتعرجات في جوف الصخور وتشققات متجاورة يبرز فيها البعد الثالث بعمقه اللافت لفجوات الفراغ المنغومة بتباينات اللون في الصخور أمام ضوء الشمس المنكس بالأفياء وعلى طوال اليوم حسب تغير مراحل النهار وحركة الشمس في رحلتها الدهرية بين شروق وغروب، ومن يدرج في أرجاء المكان يدرك ذلك الأمر الذي منح المكان بيئة فنية قل لها نظير أو مثيل، وبقدر هذه التساؤلات الهائلة تتنوع الإجابات وتنداح المعارف خصوصاً وأنت برفقة الدكتور فهد الموسى خبير المنطقة والمرشد السياحي والعارف بكل بيئات الحريق وما جاورها من مراكز فهو ابن المنطقة وعاش كل مراحلها ونموها، فهو حين يتحدث تشعر بأنك تسير في سلم يتدرج علواً لتصل إلى ما هي عليه محافظة الحريق اليوم من تنمية مستدامة مع برامج رؤيتنا المباركة. إن محافظة الحريق تتجاوز المكان المألوف والمعتاد إلى بيئات متنوعة فهي تقع تحديداً فيما يعرف بوادي نعام جنوب نجد وعلى متوالية من محافظة الدلم وقد شكلت الحضور الأفقي في المنتجات الزراعية والرافد الغذائي لمنطقة الرياض وهناك حيث مسرح الجمال والطبيعة الخلابة تنتظم أنساق مزرعة خضراء التي تحتطن آلاف الأشجار المثمرة وقد فتحت أبوابها ومنتجاتها للزوار مجاناً إيماناً من مالك المزرعة بالدور الوطني والمشاركة المجتمعية وهذا لاشك يبرز حالة من التلاحم وتجسير العلاقة الإنسانية للمواطن السعودي مع الناس ومتواليات لعطاءات إنسان الحريق ونبله وكرمه، وهناك ستعرف حقيقة سخاء الإنسان وتعيش واقعه وأجزم أنك ستعاود زيارات متكررة بعد أن سجلت ذكرى جميلة لن تنسى لهذه المحافظة الحالمة بكل ما تحتضنه من أبعاد جمالية وسياحية، وأزعم أن الحريق في المستقبل القريب ستعد المعادل السياحي لمنطقة الرياض نظراً للأعداد المتزايدة التي تفد للرياض العاصمة، ولا تكاد تنفصل عن الحريق إلا قرية المفيجر المتاخمة لمدينة الحريق وهناك تستقبل يوماً جديداً ومشاهد جديدة ومدهشة توحي بكل معاني القيم والأصالة وروح الماضي لينسكب في زائر قرية المفيجر ضوء آخر يعتمر في جوفه وهو يمضي بمحاذاة جبل طويق لا يخطئه السوق التراثي القديم الذي صمم بطريقة إبداعية تضعك في أعماق الماضي وبكل أبعاده، ففي أروقة السوق رائحة البضائع القديمة وقد اتصفت المحلات الباعة وهي تأخذ شكلاً هندسياً بديعاً يضعك في البيئة الملهمة التي تستدعي الثقافة والتاريخ، وهناك في باحة السوق المجاورة لساحة الأنشطة والفعاليات لا يكاد يكف صوت السواقي وهي ترفع الغرب المثقل بالمياه لتروي الحياة مع أهازيج حادي الإبل ومواويله ذهاباً وإياباً أنها لحظات متجددة مع أصوات الطبيعة وفي غمرة غدو الناس نحو هذا الجمال، جمال عبق الماضي ولعها عبارة تصل المعنى الحقيقي لأبعاد المكان وصفاته داخل سوق المفيجر الأثري والتاريخي كأحد أهم المعالم الثقافية التي ستساهم في التعريف بالماضي العريق، جماع القول محافظة الحريق واقع مدهش وتكتنز قيمة جمالية وثقافية وفنية ممتدة عبر كل ملامحها المكانية وتتكامل مع أطماح ورغبات الكثير من السياح الذين ينشدون الجمال والخروج من الرتابة وإكراهات الحياة. سلسلة جبال طويق تعكس شموخ السعوديين وعلوّ همّتهم