إذا كانت الأسماء تفسر بمدلولاتها اللفظية وإذا كان الكتاب، كما يقال، يقرأ من عنوانه فإن حفظ منطقة عسير من ذلك ليس باليسير. فمسمى عسير يدل على الصعوبة ويثير الاعتقاد لدى الكثيرين انه يعكس التضاريس الوعرة للمنطقة، إلا أن الواقع عكس ذلك تماماً. فليست كل الأسماء تدل على مسمياتها وليس كل كتاب يقرأ من عنوانه، ومنطقة عسير في جنوب غرب المملكة العربية السعودية هي المثال الأبرز على ذلك، وبامتياز. وبعيداً عن التسمية ومدلولاتها، يحار المرء كثيراً عند الحديث عن عسير بسبب التجانس التام الذي تكرس لعدة قرون بين الإنسان وبيئته. فمنطقة عسير هي ظاهرة بيئية - ثقافية لعبت الجغرافيا دوراً أساسياً في تكوينها. ففي بحر رمال الجزيرة العربية المتلاطم تشرئب جبال السروات في علو شاهق يناهز الثلاثة آلاف متر في بعض المواقع. وسبب هذا الارتفاع في سطح الأرض اصطدام السحب المحملة ببخار الماء القادم من المحيط الأطلسي بالأرض فنجم عنه سقوط غزير نسبي للأمطار يتجاوز في بعض المواقع ال600 ملمتر في السنة. وكنتيجة لذلك أصبحت الزراعة النشاط الرئيسي لسكان المنطقة. وبمرور الزمن نشأت حضارة زراعية حولت قمم الجبال إلى مدرجات زراعية وأنشئت أنظمة ري متقدمة وشيّدت حصون عالية لخزن الغلال. هذا التنوع المفاجئ لسطح الأرض نجمت عنه ثلاث مناطق متباينة في المناخ والبيئة والعمارة. ففي الشرق حيث تنحدر جبال السراة تدريجاً نحو الشرق، يميل المناخ إلى أن يكون شبه صحراوي، وهناك القليل من الأمطار والكثير من التكوينات الصخرية البديعة الشكل تتخللها أشجار الطلح والسمر والأثل. ومنذ القدم كانت ضفاف الأودية الكبيرة المنحدرة شرقاً مناطق صالحة لإقامة القرى والحقول الزراعية التي تسقى مباشرة من هذه الأودية أو عبر حفر الآبار. والعمارة في هذا القطاع هي عبارة عن حصون عملاقة من مداميك الطين. وتأتي الحصون السكنية كأهم أشكال الاستيطان في هذا القطاع. وتتكون القرى عادة باعتبارها النموذج الرئيسي لكافة أشكال الاستيطان في عسير من عدد يصغر ويكبر من هذه الحصون. وتعكس أسطح هذه الحصون في هيئتها العامة وملامحها البيئة شبه الصحراوية في هذا القطاع. أما في الوسط فيشكل الجرف الجبلي واحداً من أهم عناصر الجذب السياحي في المنطقة بل وفي جزيرة العرب والشرق الأوسط عموماً. والجرف هو عبارة عن انكسارات صخرية حادة في قمم جبال السراة تمتد بكامل امتداد عسير من الشمال إلى الجنوب، وتصل هذه الانكسارات حدها في الحبلة وهو اسم لقرية قديمة كان سكانها ينزلون إلى قريتهم ويصعدون منها إلى السراة بالحبال ومن هنا اشتقت القرية اسمها. هذا الموقع بالذات هو الآن معلم لواحد من أهم المشاريع السياحية في المنطقة يصاحب الجرف، ويوازيه غطاء نباتي كثيف يتكون من أشجار العرعر وشجيرات الشث والجبر والعثرب والعتم وقائمة طويلة من الشجيرات والأزهار الموسمية التي تضفي على الشريط الموازي للجرف لوحة نباتية فريدة تتخذ من الطبوغرافية المتكسرة بعداً مكانياً لها وهي تتشح بالسحاب. ومنطقة الجرف والمنطقة التي تحاذيه مباشرة شرقاً هي الأغزر أمطاراً، والأكيف نباتاً، والأكثر سكاناً. وكنتيجة لذلك فإنها الأبرز عمارة. وتأتي العمارة هنا على نمطين مميزين: عمارة الحجر وعمارة الرقف. تتميز الأولى بكثرة أنواع الحصون التي تختلف حجماً وشكلاً ووظيفة. فهناك الحصون التي تبنى لخزن الحبوب وهي حصون عملاقة تستخدم من قبل كافة أفراد القرية الواحدة. وهناك الحصون الحربية وهذه أصغر من سابقاتها. وهناك حصون المراقبة وهي تنتشر على أطراف القرى والمزارع وهي عادة نحيلة وقد تكون إما دائرية أو مربعة الشكل. أما القرى فهي عبارة عن نسيج متشابك من عدد من المنازل من دورين اثنين تحصر في ما بينها طريقاً عاماً وساحة تجمع لأهل القرية ومسجداً. وهذا بطبيعة الحال أسلوب دفاعي في بناء القرى. أما الرقف فهو الاسم المحلي للصفائح الحجرية الرقيقة التي تحمي مداميك الطين العلوية من التساقط بفعل المطر. وهذا أسلوب يميز عمارة القطاع الأوسط من المنطقة المحاذي للجرف. والحصون هنا كما في القطاع السابق تتعدد استخداماتها وأشكالها. ولكن تبقى الحصون المعدة لخزن الحبوب هي الأطول ارتفاعاً والأكثر تميزاً. وعلى رغم بساطة أسلوب الرقف إلا أنه شديد الفعالية كما أنه يضفي على عمارة المنطقة هوية خاصة ذات طابع جمالي فريد. وتسمى المنطقة الواقعة غرب الجرف "تهامة" وهي تنقسم إلى قسمين: تهامة الاصدار وتهامة الساحل. تعتبر الأولى في بعض جوانبها البيئية والثقافية امتداداً لمنطقة الجرف وهي عبارة عن انحدار شديد مكسو بأشجار العرعر. كما تستمر عمارة الحجر بحصونها وقراها في الانتشار. ويزدهر هنا تحديداً التنقيط بحجارة المرو البيضاء كأسلوب فريد في تزيين النوافذ والفتحات في حصون الحجر الفارعة الطول. كما تزدهر هنا أيضاً فنون النقش الداخلي في تنوع هندسي وبصري بديع. وتتخلل تهامة الاصدار جبال مخروطية فارعة الطول تنمو على جنباتها المدرجات الزراعية التي تعود إلى عصور غابرة. وتبدو هذه الجبال وقد تحولت بفعل المصاطب الزراعية إلى ما يشبه، حسب تعريف الآثاري البريطاني جفري كنغ درجاً عملاقاً. ويعتبر جبل فيفا منظومة بيئية وثقافية في آن، ففيه تتجسد الخصوصية الكاملة للبيئة والثقافة والعمارة بكل ما حوت هذه الكلمات من تفاصيل. وفي أقصى غرب منطقة عسير هناك تهامة الساحل الذي يضيق تارة ويتسع تارة أخرى عند ملامسته للبحر. وتبدو بعض الجبال وكأنها أوابد صخرية في مياه المحيط وقد أحيطت بعدد من شجر الدوم الدائم الخضرة في بعض الخلجان الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، التي تحتوي على عدد من أجمل مواقع التنزه على ساحل البحر الأحمر. وإلى الشمال يتسع الساحل الرملي وتعود الكثبان الرملية في الاتساع مرة أخرى. البيئة هنا صحراوية مرة أخرى فتندر الأمطار وترتفع درجات الحرارة ويشح الغطاء النباتي الصحراوي. أما العمارة فهي تحاكي مثيلاتها في الجانب الغربي من ساحل البحر الأحمر، وتتميز عموماً باتجاهها البيئي والثقافي نحو البحر. إضافة إلى هذه الفسيفساء المعمارية والتي تأتي انعكاساً لفسيفساء بيئية وثقافية يمكن في هذا السياق تصنيف العناصر السياحية والأنشطة القائمة عليها. ففي القطاع الشرقي للمنطقة تشكل البيئة شبه الصحراوية بما تحويه من كثبان رملية متفرقة هنا وهناك وتكوينات صخرية بديعة أماكن صالحة لاستغلالها سياحياً. كما أن بطون الأودية وضفافها بما تحويه من رمال ناعمة ومياه رقراقة وظلال وارفة أماكن يقصدها السياح وقد تأصلت هذه العادة لدى كثير من الناس إذ يعتبر قضاء عدة أيام في ربوع هذه المناطق طلباً للراحة والاستجمام أمراً شائعاً. وفي الجبيل يعتبر الجرف العنصر السياحي الأبرز. والجرف ليس مجرد انكسار حاد في سطح القشرة الأرضية. إنه بمثابة حائط عملاق وهو يحكي قصة تكون جيولوجي قديم عندما كانت شبه الجزيرة العربية ملتصقة بإفريقيا. وبمرور الزمن تشكلت حوله بيئة محلية شديدة الخصوصية تمثلت في أصناف عدة من النباتات المتعددة الألوان والحياة البرية. كثيرة هي المناظر الجميلة التي يمكن الاستمتاع بها بمحاذاة الجرف. فمنظر الجرف وقد اعتلى هام السحاب فيه من الجمال والخصوصية ما يكاد يأخذ بالألباب. وهناك منظر الغروب والروائح الندية لعطور النباتات وقد تبللت بماء المطر الذي لا يكاد يتوقف صيفاً وشتاء. ويبقى وصف الانطباعات الجمالية في الجرف أمراً شخصياً بحتاً لا يمكن التعبير عنه بدقة. وفي تهامة يعتبر الغطاء النباتي بين جنبات الجرف والجبال المنعزلة عنصر جذب بصري رئيسي. كما تكثر هنا الأودية الدائمة الجريان التي تستقي مياهها من قمم الجرف. إنه منظر لا ينسى رؤية الشلالات الساقطة من قمم الجرف المتحدرة غرباً بارتفاع يجاوز مئات الأمتار عقب كل سقوط غزير للأمطار. أما في تهامة الساحل فإن البيئة متأثرة بالبحر الذي يشكل العنصر السياحي الأبرز اذ يقوم المصطافون باصطياد الأسماك والتمتع بمناظر الأسماك والشعب المرجانية الخلابة التي تأتي في تنوع لوني وجمالي مدهش. وفي ضوء هذه التلاوين البيئية والثقافية، وإدراكاً من الجهات المسؤولة لأهمية الجانب السياحي في عسير، تم إنشاء لجنة التطوير السياحي في إمارة منطقة عسير برئاسة أمير المنطقة للإشراف على تنشيط الحركة السياحية فيها... وما لبثت اللجنة أن تعددت مهماتها إلى أن أصبحت جهازاً فاعلاً تم حذوه في العديد من مناطق المملكة. وكنتيجة لذلك ونظراً لإدراك القيم الجمالية بالمنطقة وأهمية استثمارها سياحياً تم إنشاء عدد من المشاريع السياحية. وبالإمكان القول أن عام 1998 هو عام النقلة الكبيرة في السياحة في منطقة عسير، ففي ذلك العام تم تدشين عدد من المشاريع السياحية التي نقلت السياحة فيها من حال إلى حال أصبحت بعدها السياحة الداخلية واقعاً معاشاً على كافة الأصعدة. ومن هذه المشاريع: منتزه عسير الوطني هو أول مشروع من نوعه في المنطقة ويغطي مساحة كبيرة من المنطقة الجنوبية في السراة وتهامة. يمتد بمحاذاة الجرف الجبلي للاستفادة من الإمكانات السياحية الخلابة التي يوفرها. من أهم مواقع المنتزه السودة وهذه تقع شمال غرب أبها، والقرعا، ودلغان، اهضبة وهذه تقع جنوب شرقي أبها إضافة إلى جبل أبو خيال في أبها ومحمية ريده. وهناك مواقع جديدة مثل منتزه المسقي ومنتزه الأمير سلطان بالقرعاء وعدد آخر من المنتزهات خارج نطاق منطقة أبها الحضرية. وتحتوي هذه المواقع والمنتزهات على أماكن للجلوس وزودت مستلزمات الرحلات وترتبط في ما بينها بشبكة من الممرات المخصصة للمشي في الهواء الطلق. ونظراً الى ان هذه المواقع محاذية للجرف زودت مناظير لسبر أغوار تهامة. وعلى رغم تجاوز هذه المواقع إلا أن لكل منها سماته الخاصة به التي ينفرد بها عن غيره من المواقع الأخرى مما يضفي تنوعاً علىها وعلى طريقة التنزه فيها. مركز الملك فهد الثقافي أنشئ المركز لكي يواكب نمو الحركة السياحية في المنطقة. وإذا كان منتزه عسير الوطني يهتم بالجانب الطبيعي من السياحة فإن مركز الملك فهد يهتم بإبراز الجوانب الثقافية المختلفة. وتعتبر قرية المفتاحة التشكيلية في وسط مدينة أبها باكورة أعمال المركز. وتشتمل القرية التي تعكس في تصميمها قرية تقليدية على وحدات لإقامة الرسامين وصالات للرسم ولعرض الفنون التشكيلية كما أن فيها مركزاً إعلامياً ومحلات لبيع سائر صنوف التراث من حلي ومنسوجات وصناعات تقليدية. ويوجد فيها متحف صغير يحكي تاريخ منطقة عسير وتحيط هذه العناصر بمسجد القرية في وسطها. كما أن فيها مسرحاً يتسع لحوالى 3500 شخص لعرض الرقصات الشعبية وبعض الأعمال المسرحية والغنائية. والقرية ككل هي بكل المقاييس فكرة رائدة تجعل من البعد الثقافي لمنطقة عسير ركيزة أساسية في صناعة السياحة بالمنطقة ومكملة للعناصر الطبيعية بها. مشاريع القطاع الخاص يمثل إنشاء الشركة الوطنية للسياحة سياحية مساهمة بناءة للقطاع الخاص في النهوض بالحركة السياحية في المنطقة. وأخذت الشركة على عاتقها القيام بمشاريع متميزة نقلت السياحة في عسير إلى آفاق جديدة لم تعهدها من قبل. تم بناء عدد من الوحدات السكنية على شكل فلل وشقق وفندق ممتاز على ضفاف البحيرة الاصطناعية لسد وادي أبها لاستقبال الأعداد الكبيرة من السياح. وعلى قمة الجبل الأخضر هناك مطعم له اطلالة ممتازة على سماء مدينة أبها وعلى أغوار تهامة وهناك أيضاً منتزهات مفتوحة ومركز للزوار في أحضان جبل أبي خيال وهذه كلها مواقع سياحية فريدة تلامس الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة أبها. ويتم التنقل عبر هذه المرافق باستخدام العربات المعلقة التي تربط هذه المرافق في رحلة تامة وبصحبة العائلة ومن دون أي ضرر على البيئة المحيطة بها. وأصبحت أبها نتيجة لذلك تعرف بمدينة العربات المعلقة. تذكر العربات المعلقة والحبال التي تسيرها بنظام تقليدي قديم لنقل المؤن والعتاد في القرى والحقول الزراعية إبان الأزمنة القديمة كما يقول بعض سكان المنطقة. واختصرت الشركة بمشاريعها عقوداً من الزمن جعلت من مفهوم السياحة في عسير واقعاً معاشاً وملموساً. وعلى رغم أن السياحة هي نشاط موسمي إلا أن التباينات المناخية بمنطقة عسير وما يترتب على ذلك من تغير في طبيعة النشاط السياحي يجعل من السياحة في عسير نشاطاً مستمراً طوال العام. إن من شأن ذلك إضفاء أبعاد أخرى لمفهوم السياحة هناك. فإضافة إلى التمتع بالمناظر الخلابة في المنطقة خلال وقت الصيف هناك السياحة الثقافية وسياحة المؤتمرات وسياحة المعارض والسياحة الرياضية. وكل من هذه الصور السياحية له موسمه الزمني وطبيعته الخاصة وجمهوره الخاص. وفي الحقيقة فإن كلا من هذه الصور السياحية تحقق بشكل أو بآخر في منطقة عسير. وإذا ما استمر نمو الحركة السياحية في المنطقة على وتيرته الحالية فستشهد السنوات القليلة المقبلة بلورة هذه المفاهيم لكي تصبح السياحة في عسير نشاطاً اقتصادياً مزدهراً طوال العام وهوية ثقافية للمنطقة عموماً. وتتخذ السياحة من العماره سواء كانت في بناء المرافق السياحية أم في تصميم وتخطيط المنتزهات وعمارة البيئة مكاناً لها، وبالتالي فإن ارتباط السياحة بالعمارة أمر حتمي. فلكي تكتمل الصورة السياحية في عسير بهاء أوجب على العمارة أن تكون على مستوى جمالي رفيع يوازي الجمال الفطري الذي تتمتع به المنطقة. وبالتالي فإن التكامل بين العمارة والسياحة يغدو أمراً ضرورياً لإضفاء المزيد من الخصوصية والتفرد للمنطقة. والمواقع السياحية في منطقة عسير فريدة من نوعها على المستوى الإقليمي وبالتالي فإنه يجب التعامل معها بدرجة عالية من الحساسية. ولحسن الحظ فإن العمارة التقليدية في المنطقة تمد مصممي البناء بمدد لا ينضب من المبادئ التي تساعد في بناء عمارة مقامة على أسس جمالية وبيئية سليمة. إن توظيف العمارة التقليدية بطرق جديدة كلية في المنشآت ذات العلاقة بالسياحة أجدى بكثير من توظيفها في منشآت أخرى قد لا تمت إلى السياحة بصلة لأن في ذلك استمرارية تاريخية وحضارية لعمارة وتراث المنطقة. وهذا تماماً يتفق مع ما يناسب السائح الباحث عن المختلف والجميل والفريد في ربوع عسير. إن من شأن ذلك أيضاً تحقيق مبادئ السياحة الخضراء والعمارة المستدامة بغية استغلال أمثل للموارد السياحية والحفاظ عليها لأجيال المقبلة. ويأتي الحفاظ على العمارة التقليدية وإعادتها إلى الدائرة الاقتصادية والاجتماعية مرتبطاً أشد الارتباط بالهوية السياحية للمنطقة. فإذا كانت السياحة تمثل الجانب الاقتصادي فإن العمارة بما حوت تمثل الجانب الثقافي الذي ترتكز عليه السياحة. وفي هذا المجال فإن الثقافة ممثلة هنا بالعمارة ومحتواها البيئي والاقتصاد القائم عليها هما ركيزتان رئيسيتان للسياحة. وإذا ما تم إدراك قيمة الخصوصية الفريدة للعمارة التقليدية في منطقة عسير وتم إبرازها للسائح بصورة لا تخلو من المتعة والتشويق كما كانت عليه في الماضي فإنه بالإمكان دمج هذه السياحة مما يجعل من السياحة في عسير ليس مجرد تمتع بالعناصر الطبيعية ولكن سفراً في نخاع الثقافة المحلية. ولحسن الحظ فلا تزال منطقة عسير تحتفظ بقدر لا بأس به من عناصر العمارة التقليدية سليمة إلا أنه يتوق أن تتغير تلك الصورة قريباً. وبدأ كثير من القرى والحصون في طور التلاشي والانقراض. في ضوء ذلك فإن الحاجة ماسة إلى وضع سياسة عامة تحافظ على ما تبقى من العمارة التقليدية للأجيال المقبلة، وهناك عدد من القرى والتي لا يزال بالإمكان إعادة تأهيلها ودمجها في صناعة السياحة المحلية مثل قرى السوده، العكاس، زهراء، العين، ال ينفع، ال الخلف. وتبقى آلية إعادة تأهيل هذه القرى وربطها بالحركة السياحية مسألة تفاصيل تستحق الدراسة من قبل أهل الاختصاص. وما نجاح القرية العسيرية في جناح المعرض الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية وكذلك قرية تراثية بخميس مشيط ومتحف قرية رجال ألمع في جلب الزوار واطلاع الناس على جوانب التراث العسيري إلا دليلاً قاطعاً على امكانية الاستفادة من هذه التجارب الرائدة. وككل نشاط اقتصادي يراد له النجاح فإن السياحة بمنطقة عسير في أم الحاجة للتعريف بها. وهنا يأتي دور الإعلام بكافة وسائله في التعريف بالخصوصية البيئية والثقافية لمنطقة عسير وبالإمكانات السياحية التي تكتنزها وأيضا بالدور المنوط بالسياحة كواحد من أهم روافد الاقتصاد الوطني. وعوداً على بدء فلكي توضع الأمور في سياقها اللغوي الذي بدأ به هذا المقال وإدراكاً لهذه المصادفة اللغوية الطريفة والفريدة في آن معاً، وضع الأمير خالد الفيصل النقاط على الحروف حينما قال "لا عسير في عسير ولا أبهى من أبها". ما هي أبها؟ تلك قصة يستحسن ترك قراءتها للسائح بنفسه. * سعودي متخصص في العمارة والتخطيط.