يعد قصر المربع أحد المشاهد المهمة والحية الذي يشكل معلما ثقافيا في قلب مدينة الرياض، وقد شكّل القصر أهمية قصوى في مسيرة الدولة السعودية الثالثة، ولن أتطرق إلى مراحله التاريخية المهمة ولا الأحداث التي شهدها القصر أو حتى القرارات الملكية التي كان يصدرها الملك المؤسس -طيب الله ثراه-، فقد مُورس فيه الكثير من المهمات السياسية والاستقبالات الرسمية، وهذه الجوانب التاريخية قد وثقتها دارة الملك عبدالعزيز وتناولتها مشكورة بواسع من التفصيل وأبرزت لها عناوين كبيرة وألّف عنها الكثير من الكتب، وما أود أن أتحدث عنه في عجاله هو ما يتعلق بالجوانب الثقافية والفنية لهذا المعلم الحضاري الذي يشكل واجهة تتسق مع الأنساق الثقافية العالمية كإرث إنساني يستحق أن نقف عليه ونتعرف على معالمه وأن يمتد إلى العالمية، ولأنه يعد ثمرة من جهد الإنسان النجدي الذي شيد هذا الصرح بمواد بسيطة مستمدة من البيئة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، القصر مترامي الأطراف بشكله الهندسي الرائع وقد أُختير موقعه بعانية بين ضفتي وادي البطحاء ووادي أبو رفيع وعلى مقربة من بساتين الفوطة بنخيلها الباسقة الأمر الذي منح المكان حالة فردوسية باذخة بعد أن شيد ذلك القصر ومثل بحق المعلم الثقافي للعمارة النجدية بإبداعاته الفنية وتقسيماته الهندسية، فهو لا يعد مبنى فحسب وإنما تحفة معمارية فنية بفنائه الفسيح الذي تطل عليه الغرف والردهات من الجهات الأربع ويتوسط فناءه نخلة فارعة في السماء وارفة الظلال يتداعى جمالها الطبيعي وفتنتها الممتدة عبر ملامح المكان الريفي وسحر جماله ومع أول بزوغ لضوء الشمس في الصباح الباكر تتوارد إليها أنواع من الطيور وأنت تسمع أصواتها وكأنها تغرد خصيصا لك أنت. شُيد هذا المبني بتوجيه من الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من قبل الحرفي الماهر أستاذ البناء حمد بن قباع مشيد القصور الملكية الذي برز فيه شخصية المهندس النجدي البارع فقد كان مهندسا معماريا ومصمما عمرانيا أبدع في بنائه وفي تكوين هذه التحفة المعمارية التي تشكل اليوم مزارا ثقافيا لكل من يزور المملكة، من يقف بوعي على مباني القصر وأبعاده الفنية يتأكد بأنه منضوٍ خلف أستاره أبعادا فنية دقيقة ومستويات جمالية بارعة تصل إلى حد قدرة الإنسان النجدي على الإبداع والمناجزة حد الدهشة والإبهار، هذا المبنى المكون من مواد بدائية بسيطة يرتفع عليه طابق علوي وبنفس المواد المستخدمة في الطابق الأرضي، فقط يرتكز على فكرة مركزية وهي الحجارة المستديرة والأعمدة الحجرية المرتصفة أسطوانية الشكل لتحمل أثقال المبنى من خشب الأثل وجريد النخل ثم طبقة من الطين لتشكل السطح النهائي لكل غرفة، وكل هذا لا يتم دون المهارة والحرفية مع حالة طموحة متوثبة مشحونة بالصبر ومتوالياتها من مشقة وتعب ومحملة بآمال التطلع إلى حالات الإتمام ومضامين الانجاز ليكون قصر المربع ماثلا في المكان وقد حقق كل أهدافه النبيلة. ولأننا اليوم نقف على هذا الملمح الثقافي قصر المربع التاريخي الذي نستلهم منه اليوم الواجهة الجديدة لمدينة الرياض (المربع الجديد) الذي يتناغم فيه الابتكار والتكنولوجيا ويعكس حجم طموحنا نحو الاستدامة والعالمية بعد أن ارتكزنا على الماضي العريق كثقافة يجب أن تكون حاضرة بكل أبعادها ولينبلج من أحشائها داون تاون الرياض لتكون العاصمة السعودية واحدة من أهم عشر مدن في العالم، قصر المربع الشاهد الحي على بعدي الزمان لنقف على دلالات الماضي العريق نستلهم عطاءات الأسلاف، ومن خلالهم نمضي إلى المستقبل لنلهم هذا العالم بالدور الحيوي والفاعل النابع من مفاهيم متواليات التغيير وحقيقة ما نرتكز عليه من أبعاد ثقافية حضارية وتاريخية جديرة بأن تشرق في جبين العالم. عوضة بن علي الدوسي