أمير حائل يدشن إنتاج أسماك السلمون وسط الرمال    المسند: طيور المينا تسبب خللًا في التوازن البيئي وعلينا اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تكاثرها    التعامل مع المرحلة الانتقالية في سورية    جازان: القبض على شخص لترويجه 45 كيلوغراما من «القات»    بناء الأسرة ودور مراكز الرعاية الصحية الأولية    معرض الكتاب بجدة كنت هناك    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبال الحرب والعشق!
التاريخ خلَّد فيها قصصاً لا تنسى وتحولت مع الزمن إلى متحف للطبيعة والعمران
نشر في الرياض يوم 07 - 09 - 2013

جعل الله - سبحانه وتعالى - الجبال رواسي للأرض (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)، حيث اكتشف العلماء في السنوات الماضية أنَّ كُلَّ جبلٍ عبارةٌ عن وتد يُثبِّت الأرض في رحلة دورانها حول نفسها وحول الشمس، وحدث هذا الاكتشاف أثناء دراسة القشرة الأرضيَّة؛ إذ تبيَّن أنَّ للجبل كثافةً تختلف عن كثافة الأرض، لذا فإنَّنا لا نرى من الجبال إلاَّ الجزء البارز منها، بيد أنَّ مُعظم أجزاء هذه الجبال تنغرز في باطن الأرض لآلاف الأمتار ولا نراها‍‍ تماماً، وذلك مثل الوتد تماماً فمُعظمُه في الأرض وجزء صغير منه بارز فوقها.
«أجا وسلمى» و«التوباد» و«قارة ابن عمار» شهدت أروع قصص المكتوين ب«لوعة الهوى»
وقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم منفرداً سبع مرات، وورد مجموعاً (33) مرَّة، وقبل أن نستعرض أسماء أشهر الجبال التي خلد التاريخ ذكرها سنبدأ أولاً بما ورد ذكره في القرآن الكريم، حيث ذُكر «جبل الطور» الواقع في شبه جزيرة سيناء، و»جبل الجودي» وهو الجبل الذي نزلت فيه سفينة «نوح عليه السلام»، ويقول بعض العلماء أنَّ هذا الجبل يقع في «تركيا» وبعضهم يقول أنَّه في «العراق»، أمَّا ما ورد في السنة من ذكرٍ للجبال فمن ذلك «جبل أُحد» في «المدينة المنورة»، وعنه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أُحد جبلٌ يُحبنا ونُحبه»، وذلك كما ورد في الصحيحين عن «أنسٍ» -رضي الله عنه-، و»جبل عير» وهو جبل أسود مستقيم القمة تقريباً يقع جنوب «المدينة المنورة» وشرقيّ «وادي العقيق» قُرب ميقات ذي الحليفة «آبار علي»، ويبعد عن المسجد النبوي الشريف بحدود ثمانية كيلو مترات، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «المدنية حرم من عير إلى ثور» -أو كما قال صلى الله عليه وسلم-.
«أحد» شهد أهم معارك الإسلام و«النور» احتضن «غار حراء» مهبط الوحي وبدء الرسالة..
ومن أشهر الجبال أيضاً «جبل النور» ويقع بالقرب من «مكة المكرمة»، وبه غار «حراء» وهو مكان بداية نزول الوحي على النبي «محمَّد» -صلى الله عليه وسلم-، وكان يتعبَّد فيه الليالي ذوات العدد قبل البعثة، ومنها أيضاً «جبل رضوى» في قريةٍ تُسمَّى «رخو» التابعة لمحافظة «ينبع» بمنطقة «المدينة المنورة»، ويتميَّز هذا الجبل بارتفاعه وجماله وشهرته على مرّ التاريخ.
وتشتهر الجزيرة العربية، خاصَّةً في المملكة بوجود العديد من الجبال ذائعة الصيت، وقد حملت هذه الجبال العديد من الأسماء، وهي تتباين من حيث المساحة والارتفاع، كما أنَّ ألوانها تتباين حسب الطبيعة الجغرافيَّة للمنطقة التي تقع فيها، ونستعرض فيما يلي أهم وأشهر هذه الجبال، وهي:
«زبن طويق» يقال لكل مطلوب أمني.. ومطل «نهاية العالم» مقصد عُشَّاق الطبيعة والسائحين
جبال «طويق»
يُعدُّ «جبل طويق» أو «العارض» أحد أهم المعالم الجغرافية في «منطقة نجد»، وهو عبارة عن هضبة ضيّقة من الصخر الجيري، ويمتد لما يقارب (800) كلم، وذلك من حدود «القصيم» الجنوبيَّة شمالاً وحتى مشارف «وادي الدواسر» و»الربع الخالي» جنوباً، على شكل قوس أو «طوق» يتجه طرفاه نحو الغرب، ويبلغ ارتفاعه عن المنطقة المحيطة به ما بين (100) و(250)م، كما يتراوح عرضه بين (20) كم في قسمه الأوسط، و(10) كم عند أطرافه الشماليَّة والجنوبية، وتنحدر السفوح الشرقيَّة لجبل «طويق» بشكلٍ تدريجي، بخلاف الجانب الغربي الذي ينقطع بشكل مفاجئ، وتنحدر على جانبه الشرقي العديد من الأودية، ومن أشهرها «وادي حنيفة» الذي تقع بجانبه مدينة «الرياض»، كما تشقّه بشكل كامل من الغرب إلى الشرق أودية أخرى، ومنها: «وادي نساح» و»وادي الأوسط» ووادي شعيب «لحا».
«العُلا» عروس الجبال.. و«فيفا» و»الهدا» و«السودة» تعانق السحاب.. و«اللوز» تُغطيه الثلوج
وقد تركّزت معظم حواضر منطقة «نجد» تاريخياً حول «جبل طويق» وعلى الأودية المنساحة على جوانبه منذ العصر الجاهلي، ويُسمى الجبل تاريخياً ب»جبل العارض» أو «عارض اليمامة»، وظل هذا الاسم القديم معروفاً حتى العصور الحديثة، وسُميِّت «منطقة العارض»، وهي تشمل «الرياض» و»الدرعيَّة» و»الحريق» و»قرية الحوطة» و»حوطة بني تميم» و»ضرماء» و»العيينة» وغيرها، وذلك لوقوعها عليه، كما يشكل «جبل طويق» حاجزاً بين قُرى «سدير» من الشرق، وقرى «الوشم» من الغرب، وتمتاز «جبال طويق» بكبر مساحتها ووعورة مسالكها لدرجة أنَّه لا يستطيع أحد من الناس اللحاق بمن دخلها.
وكان أصحاب السوابق والخارجين عن الطاعة ومن عليه دم في مرحلة ما قبل توحيد «المملكة» يلوذ بجبال «طويق» ويعيش بقية عمره فيها، فلا يُستطاع اللحاق به وإمساكه، ولذلك ضُرِبَ به المثل، فقيل: «زبن طويق»، ويُقال هذا المثل لمن هرب من شيء ما، وقد تحدَّث من كان يعمل في محطات الوقود البدائية في طريق «سبع الملاف» -وهو أوَّل طريق سلكه الملك المُؤسِّس عندما ظهرت السيَّارات- أنَّه إذا جنَّ الليل تسلَّل عدد من هؤلاء من «جبال طويق» القريبة منهم وتزوَّدوا بالماء والطعام، وكانت أشكالهم مُخيفة وشعرهم كثيف وأظافرهم طويلة وملابسهم بالية، ومن ثمَّ يعودون إلى الجبال قبل أن ينقشع الظلام، وورد ذكر «جبل طويق» في العديد من القصائد التي خلَّدت ذكره قديماً وحديثاً، ومن ذلك قول الأمير الشاعر «محمد الأحمد السديري»:
غنت الورقا على خضر الغصون
وأسهرتني والزواهر ساريات
ولعت قلبي وأنا قلبي حزين
هاج فكري والحمام مغردات
إلى أن قال:
أتسلى بالسراب وبالفجوج
ريحة العشب فيها منعشات
عانين من نجد ملجا المستريب
من زبنها ما تجيه النايبات
عانين من شامخٍ مجده قديم
من «طويق» العز شرقٍ من مرات
مشمخراتٍ اخشومه للسحاب
مثل سلات السيوف المصلتات
مطل «نهاية العالم» بجبال طويق متعة المتنزهين ووجهتهم
ويوجد في الجانب الغربي من جبال «طويق» مَطَلٌ جميل بقع بالقرب من شعيب «الحيسيَّة» بشمال «الرياض»، ويُعرف هذا المطل ب»نهاية العالم»، وهو اسم أطلقه عليه بعض الأجانب من الأوربيين الشغوفين بالرحلات والاستكشافات، كما أنَّه يُعرف عند العامَّة ب»درب أبا الغبطان»، وهو مَطَلٌ على ارتفاعٍ شاهقٍ يقعُ في المنطقة الواقعة بين «العيينة» و»سدوس» على امتداد شعيب «الحيسيَّة»، ويتم الدخول له عن طريق ردميَّة السد «سد شعيب الحيسيَّة»، ويصله طريق صحراوي، ويحظى موقع «نهاية العالم» بزيارات عديدة لكثير من السُيَّاح الأجانب على وجه الخصوص، إذ أنَّهم يُشاهدون بكثرة في هذا المكان، كما يحظى أيضاً بزوَّار شعيب «الحيسيَّة» من المواطنين المتنزهين القادمين من العاصمة «الرياض» والمحافظات المجاورة لها، ويمتاز هذا الشعيب بكثرة أشجاره الظليلة الضخمة الكثيفة، مِمَّا يُغري الكثيرين بالخروج منذ الصباح الباكر لتناول وجبتيّ الإفطار والغداء تحت ظل هذه الأشجار، خاصَّةً في فصل الربيع وتساقط المطر، وهنا تُختتم الرحلة بالتوجُّه إلى مطل «نهاية العالم» للاستمتاع بمناظره الخلاَّبة واكتساب لحظات تأمل جذَّابة.
جبل «اللوز» بتبوك وقد غطته الثلوج
«الرياض» زارت الموقع وشاهدت ما يضمه الشعيب من طبيعة خلاَّبة بكر، وما يتمتع به المَطَل من جمال أخَّاذ، بيد أنَّ ما شوَّه هذه الصورة الجميلة ما يحدث في الشعيب من احتطابٍ جائر يتم فيه القضاء على العديد من الأشجار العملاقة الضَّاربة في القِدَم، مِمَّا يستوجب تكثيف الرقابة هناك لحماية هذه الثروة الثمينة التي تضم أشجاراً يبلغ عمر معظمها مئات السنين، كما لوحظ هناك وعورة الطريق المؤدِّي إلى هذا المَطَل؛ الأمر الذي يتطلَّب الاهتمام بهذا الجانب من قِبل الجهات المعنيَّة، إلى جانب أهميَّة إشراف «الهيئة العامة للسياحة والآثار» على هذا الموقع وتطويره؛ نتيجة ما يملكه من طبيعة خلاَّبة وهادئة أهَّلته لأن يكون من بين أجمل المناطق السياحيَّة في المملكة، إذ يمكن للزائر أن يجمع بين السياحة وتجربة حياة البادية القديمة المُتميزة بالبساطة والهدوء.
ويُعدُّ هذا الموقع مُتنفساً سياحياً يُلبِّي كافة تطلُّعات المتنزهين من تخييم وممارسة لبعض الرياضات كتسلُّق الجبال، الأمر الذي يدعو إلى توفير وسائل السلامة المطلوبة في الموقع، وأن يحظى الموقع بعمليَّة تطوير واستثمار تجاري، ليصبح معلماً سياحياً معروفاً للجميع ومُهيَّأً لاستقبال السُيَّاح من داخل المملكة وخارجها.
جبل «سلمى» بحائل
جبال «العُلا»
ومن المدن التي تشتهر باحتضان العديد من الجبال الشاهقة، مدينة «العُلا» المُلقَّبة ب»عروس الجبال»؛ نتيجة ما تضمه من جبال شاهقة تحيط بها، ومن أهم هذه الجبال: جبل «عكمة» ويوجد في أعلاه أحد المعابد القديمة، و»المابيات» وهي إحدى المستوطنات القديمة قدم التاريخ، و»المزحم» وهو عبارة عن ممر ضيق تروي الأساطير أنَّه المكان الذي عُقرت فيه الناقة، وجبل «الحوار» وهو جبل كبير أملس يذكر العامة من الناس أنَّه دخل فيه حوار ناقة نبي الله «صالح» بعد عقر الناقة، وجبل «الحُويرة» وهو جبل كبير أملس لكنَّه أصغر من جبل الحوار.
جبال «أجا» و«سلمى»
لا يكاد يُذكر جبل «أجا» إلاَّ ويقترن ذكره بجبل «سلمى» فهما مُتلازمان كتلازم المُحبِّين، ولهما في التراث قصة حب عظيمة خالدة ما زالت تُروى، ف»أجا» سلسلة جبال تمتد من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي بما يقارب (100) كم طولاً وبين (25) و(35)كم عرضاً، وهو أحد جبلي «طي» المشهورين في نجد ب»أجا وسلمى»، وتتخلَّل هذا الجبل شِعاب كثيرة وداخلها بعض القرى الصغيرة والعيون والنخيل، وله قممٌ شامخة يصل ارتفاع بعضها إلى (1350) متراً.
وتُعد مدينة «حائل» قاعدة «منطقة حائل» أهم المدن المجاورة له في الوقت الحاضر، وقد قال «حمد الجاسر» في كتابه «شمال المملكة»: أورد المُتقدِّمون خبراً في سبب إطلاق اسم أجا على هذا الجبل وأسماء أخرى على مواضع بقربه، فقد رَوَى صاحب المناسك بسنده إلى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال: «سُمِّي جبلا طيئٍ أنَّ سلمى بنت حام بن حي من عمليق علَّقها أجا بن عبدالحي من بني عمليق، وكان الرسول بينهما حاضنة يُقال لها العوجاء فهرب بها وبحاضنتها إلى موضع جبل طيء وبالجبلين قوم من عاد، وكان لسلمى إخوة يقال لهم الغميم والمُضِلّ وفدك وفائد والحدثان فخرجوا في طلبهما فلحقوهما بموضع الجبل، فأخذوا سلمى وانتزعوا عينيها فوضعوها على الجبل وكُتِفَ أجا فوضع على الجبل الآخر، وكان أجا أول من كُتِفَ، وقُطعت يدا العوجا ورِجلاها فوُضعت على جبلٍ آخر، فكان كُلَّ من مَرَّ من العرب يَعجبُ من ذلك، فقالت العرب في أشعارها سلمى، فهي أول من سُمِّي من العرب سلمى»، فقال إخوتها: «والله لا نرجع إلى قومنا أبداً، فَمَضى الغميم إلى ناحية الحجاز فنزلها، وأقبل المُضِلّ إلى موضع القاع واستنبط به بئراً وأقام به حتى مات، ولحق فدك بموضع فدك فَسُمِّي به، وَلَحِقَ فائد بالجبل الذي سُمِّيَ فائد بطريق مكة، وَلحق الحدثان بموضع حَرَّة الحدثان فسُمِّيت هذه المواضع بهم، وهي منازل طي بين الجبلين، ورُبَّما نازلتهم فزارة من حيال جنب الطريق ويساره إلى منقطع جبلي طي».
جبل «قارة ابن عمار» بمحافظة ثادق
ويكفي في البحث عن حقيقة هذا الخبر أنَّه عن ابن الكلبي الذي لم يكتف بتأليف المُؤلفات عن أنساب العرب حتى ألّف كتاباً عن أنساب البلدان، وعلى كُلِّ حال فهو طريف، وقد تناول الشعراء «أجا» وقالوا فيه أشعاراً كثيرة، منها قول «أمرئ القيس»:
أبت أجأ أن تسلم العام جارها
فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
وقال لبيد يصف كتيبة النعمان:
أوت للشباح واهتدت بصليلها
كتائب خضر ليس فيهن ناكِل
كأركان سلمى إذ بدت أو كأنها
ذرى أجأ إذ لاح فيه مواسل
وقال العجاج:
فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا
أو باللوى أو ذي حُسأ ويأججَا
جبل «التوباد»
جبل «التوباد» يحكي أجمل قصص الحب والغرام
واشتهرت جبال كثيرة بقصص العُشاق مِمَّن هاموا حباً واشتياقاً للقاء من يُحبون، وعُرفت هذه الجبال واقترنت بأسمائهم، ومن أشهر هؤلاء: «قيس بن الملوَّح» الذي عاش في زمن الخليفة الأموي «مروان بن الحكم» في السنة ال(65) من الهجرة النبوية، وقضى عمره هائماً في حُب «ليلي العامريَّة» إلى أن مضى منه حبها وصار يأوي إلى جبل «التوباد» الواقع في محافظة «الأفلاج» (350) كم جنوب مدينة الرياض، ويقع وسط جبل «التوباد» غارٌ يُسمَّى غار «قيس وليلى»، وهو عبارةٌ عن فتحة صغيرة تقع في منتصف الجبل بمساحة لا تتجاوز أربعة أمتار، إذ يُقال أنَّ «قيس» و»ليلى» كانا يجلسان فيه ويتبادلان الشعر والغزل، وقد كُتب على أحد الصخور بجوار الغار بيت لإحدى قصائد «قيس بن الملوَّح» المشهورة تخليداً للقصة المشهورة عندما مرَّ بجوار جبل «التوباد».
وتذكر ابنة عمه «ليلى العامريَّة» الأيَّام الجميلة التي قضياها معاً عندما كانا صغيرين يرعيان الغنم فوق جبل «التوباد» بعد أن حُرِمَ من رؤيتها وزواجها فأصابه الجنون من ذلك، وكان يهيم على وجهه أياماً يسير بلا هُدى فإذا استفاق قال: «أين أنا؟»، فيُقال له: «بمكان كذا»، ورُبَّما بلغ «الشام» وهو هائم على وجهه لا يدري، فيقول: دلوني على «التوباد» فيدلونه عليه فيحث الخُطى سريعاً إليه باكياً متذكراً محبوبته «ليلى العامريَّة» فيُمطرها بقصائد الشوق والهوى، وقد حفظ لنا التاريخ جزءاً منها، فإذا شاهد «التوباد» قال قصيدته المشهورة:
وأجهشت للتوباد حين رأيته
وكبر للرحمن حين رآني
وأذرفت دمع العين لما عرفته
ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم
حواليك في خصب وطيب زمان
فقال مضوا واستودعوني بلادهم
ومن ذا الذي يبقى من الحدثان
وإني لأبكي اليوم من حذري غداً
فراقك والحيان مؤتلفان
«قارة ابن عمار»
جبال تحولت إلى مراكز بحثية ميدانية عن واقع الطبيعة في المملكة
ومن الجبال التي خلَّد العُشَّاق ذكرها في عصرنا الحاضر قارة «بن عمار» وتقع بداخل جبل في مدخل محافظة «ثادق»، ومازالت تُعرف بهذا الاسم حتى يومنا هذا، وهي تحمل اسم أشهر العشّاق المُعاصرين وهو الشاعر «محمد بن راشد العمَّار» صاحب «ألفيَّة ابن عمار» المشهورة، ويُعد «ابن عمَّار» أحد شعراء محافظة «ثادق» المعروفين، وقال عنه الأستاذ «حمد بن ناصر الوهيبي» -مُؤلِّف كتاب ثادق - أنّه عاش جزءاً من حياته في «حائل» ثُمَّ عاد بعلّةٍ في عقله، وكان ينقطع وحيداً في قارة بوسط «ثادق تُسمَّى «قُويرة»، وهي ما يُسميها العديد من الناس «قارة ابن عمار»، وقد أصبحت معلماً من معالم المحافظة، إذ سعت البلدية إلى الاهتمام بها ونشرت المُسطَّحات الخضراء حولها، كما تمَّ بناء شلال مياه في أعلاها، وتمَّت إنارتها حتى صارت دُرَّةً تتلألأ ليلاً، ومنظراً جماليَّاً خلاَّباً، ومعلماً رئيساً من معالم المحافظة.
جبال فيفا سحر الطبيعة ومقصد السائحين
ووردت «ألفيَّة ابن عمار» في العديد من دواوين الشعر الشعبي، ويقول مطلعها:
ألف اولف من كلام نظيفى
ودموع عينى فوق خدى ذريفى
من لامني فى حب ذاك الوليفى
دقَّاق رمش العين سيد الخوندات
خوندات ياللى مابعد عاشرنَّه
قلَّة تراهن بالهوى يذبحنَّه
قلبى وقلبك يالمولّع خذنَّه
عِزِّي لمن مثلى تَعرَّض للآفات
الباء بِليت بحب خِلِّى على ماش
ولا حصلِّى منه مايبرد الجاش
غديت أنا ويَّاه طاسه ومنقاش
بالوصف كنَّه يالمعزى سلامات
سلامات للي هم يذكرونه
يبغى المعزَّه منه وهي المهونه
يقول طيب مار غارت عيونه
سبب ولدكم واحد صابه ومات
جبال الأمثال
ومن الجبال ما صار معلماً بارزاً للمدن الواقعة بقربها واكتسبت شهرتها منه، مثل جبل «كميت» بمحافظة «مرات»، إذ تُحيط به منازلها إحاطة العقد بالعنق فصار هذا الجبل مضرب مثل، فقِيل: «اضمن لي كميت.. اضمن لك مرات» إشارةً إلى تلازمهما، فإذا وصلت جبل «كميت» أو شاهدته من بعيد فقد وصلت إلى «مرات»، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
وَصّفوا له مير ما دل الوصايف
يحسب إن كميت ضلع المكمكيَّه
ومن هذه الجبال أيضاً جبال: «فيفا»، «السروات»، «الريث»، «رجال ألمع»، «ثربان»، «شدا»، «حصاة قحطان»، «النير»، «جبلة»، «طخفة»، «سواج»، «شعبا»، وجبل «اللوز» في تبوك الذي تكسيه الثلوج كل عام.
جبل «أحد» بالمدينة شهد أحد معارك الإسلام الخالدة
جبال العُلا متحف طبيعي يسر الناظرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.