مع اقتراب عام 2024 من نهايته يستعد التجار لموسم التسوق السنوي الأكثر أهمية طوال العام، حيث يظل الإنفاق الاستهلاكي المحرك الرئيسي للاقتصادات الوطنية، والذي بلغ حجمه عالمياً 16.2 تريليون دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي إلى ذروة جديدة تلامس 77 تريليون دولار بحلول عام 2030، وبالرغم من هذه الفرص الواعدة، إلا أن حالة عدم اليقين الاقتصادي، والتضخم الجامح، اللذان يجتاحان العالم اليوم، يضعفان من القوة الشرائية للمستهلكين، مما يخلق حالة من الارتباك والقلق لديهم، فبينما يتلهفون لشراء المزيد من السلع وتدليل أنفسهم، يشعرون بالقلق إزاء غموض مستقبلهم المالي، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه. مهدت النتائج القوية خلال الربع الثالث الطريق أمام موسم عطلات قوي، وهناك تفاؤل أيضاً بشأن وتيرة النشاط الاقتصادي في الربع الأخير من العام، وهكذا، يستمر الاستهلاك الشخصي في توفير القوة الدافعة للاقتصادات المحلية، ورغم حالة التفاؤل الحذر التي تسود بين المستهلكين العالميين، إلا أن هناك تحولًا ملحوظًا في سلوكيات الشراء التي تغيرت كثيراً خلال السنوات الماضية، ففي حين يتوقع المتسوقون خصومات كبيرة، فإنهم أيضاً أصبحوا أكثر تمييزًا في اختياراتهم، ومن المثير للاهتمام أن تتراجع نسبة التركيز على شراء الضروريات الأساسية فقط، في حين ترتفع نسبة مشتريات السلع الفاخرة بفضل التعافي الاقتصادي، ويُعد هذا التغيير في الأولويات تحديًا لتجار التجزئة، فقد اعتمدوا تاريخيًا على مبيعات السلع الفاخرة التي تدر أموالاً طائلة مما يعزز المبيعات الموسمية، ومع تزايد شعبية التجارة الإلكترونية، أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالأسعار، ويمكنهم بسهولة مقارنة الأسعار، واختيار الأنسب لهم. في خضم عاصفة اقتصادية متقلبة، يلجأ المستهلكون إلى ترسانة من تكتيكات الحماية المالية، لأن التضخم لا يزال باقي في الأفق، مما يغرس الخوف في نفوسهم، لذا، يخطط الزبائن بعناية لمواجهة هذا التحدي، عبر قوائم تسوق محددة، ويلتزمون بتسجيل كل منتج يحتاجون إليه، مما يلغي أي نفقات غير ضرورية، وعلاوة على ذلك، يوزعون نفقاتهم بمهارة لتجنب الضغوط المالية، ويستخدمون العروض الترويجية كأسلحة في معركتهم ضد ارتفاع الأسعار، والواقع أن غالبية المستهلكين يتطلعون اليوم إلى إشباع رغباتهم عبر شراء منتج يحتوي على قيمة مضافة، وهذه تعد أحد المعايير المهمة للتسوق الناجح. في ظل أجواء عدم اليقين، يشد المستهلكون أحزمتهم طوال العام، وينتهزون فرصة العروض الموسمية،لأنهم يكافحون يومياً من أجل التحكم في نفقاتهم، مع الاحتفاظ ببعض المدخرات التي جمعوها على مدار العام، وهذه أشياء يجب أن يقدرها التجار جيداً، وأن يتفهموا دوافع المستهلكين، من جهة أخرى، يتبنى بعض الزبائن سلوكيات تسوق حذرة شبيهة بالركود، ولهذا، يجب أن يركز التجار على إنجاح الموسم، من خلال تقديم قيمة مضافة في منتجاتهم، وأن يقدموا خصومات حقيقية وليست مزيفة، وأن يدركوا أن معقولية التسعير هي خير سفير لهم، وعلى المستهلكين، من جانبهم، أن يوازنوا بين رغباتهم وإمكانياتهم، وأن يستفيدوا من فترة الخصومات باقتناء مايحتاجون إليه فعلاً، وليس ما يتفاخرون به.