يبدو رهان التجار والشركات على سخاء المستهلكين خلال موسم الأعياد منطقيا تماماً، فخبرة السنين تؤكد أنه ما زال يشكل ذروة المبيعات خلال العام بأكمله، ففيه يزدهر الطلب، ويتحرك المخزون الراكد، وتنتعش الآمال بتعزيز الأرباح في قطاعات حيوية كالمطاعم والفنادق، والسفر والسياحة، والمتاجر، والملابس، والهدايا، والذهب، والترفيه، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً للنمو في النصف الأول، والأهم، أن زيادة الإنفاق تعد دليلاً مطمئناً على بقاء شهية الزبائن للتسوق، وتغلبهم على مناخ التضخم وركود الطلب. والحقيقة، أن انكماش الإنفاق الاستهلاكي يعد تجربة سيئة لأي اقتصاد، فيما يشكل ازدهاره وصفة جيدة للتعافي خاصة في الظروف الاستثنائية، إلا أن المواسم التجارية كالأعياد، والتي يعول عليها الكثيرون في تحقيق المزيد من الأرباح، تصطدم بواقع مؤلم للمستهلكين الحائرين بين قرارين، فإما الشراء، وإما الاحتفاظ بالكاش، وهذا القرار وثيق الصلة بعوامل ثلاثة هي السعادة والاحتياج والقدرة، بمعنى أن المستهلك يقبل على شراء الأشياء التي تشعره بالسعادة، مثل شراء سيارة جديدة يعشقها، أو ملابس أنيقة يفضلها، أو أدوات تجميل تشعره بجمال المنظر وصغر السن، ولهذا، تستمر العلامات التجارية الموثوقة في العمل بكفاءة، وتحقيق الأرباح، وقد تعزز إيراداتها شريطة أن تعود ثقة المستهلكين إلى سابق مستوياتها. تصطدم بعض العادات الشرائية لعيد الفطر هذا العام مثل اقتناء الملابس الجديدة أو شراء الحلوى، بالضغوطات الراهنة، والتي تفرض متغيرات جديدة، فقد أدى الغلاء الفاحش في بعض الدول إلى إضعاف قيمة العملة الوطنية وتدهور القدرة الشرائية، ولهذا، ترفع الكثير من الأسر شعار الترشيد، ليصبح سيد الموقف في قراراتها الشرائية، سواء عبر الامتناع عن شراء بعض السلع والخدمات، أو الشراء مع تقليل الكميات، أو التنازل التكتيكي عن شرط الجودة الذي كان هدفاً أساسياً فيما مضى، وكل هذه التعقيدات الاستهلاكية تنعكس بشكل مباشر على الأسواق. في تلك الأثناء، تجري على قدم وساق عملية إعادة هيكلة مستمرة للسلوكيات الشرائية بما يتناسب مع الأوضاع الراهنة، حيث ينصب التركيز بشكل رئيس على شراء السلع الأساسية، بعدما أوقف المستهلكون مؤقتاً مشترياتهم من السلع الكمالية والفاخرة، وعلى سبيل المثال، فقد أجبرت زيادات أسعار العقارات والسيارات، على ترحيل بعض الأحلام المشروعة إلى المستقبل، ليصبح شراء المسكن المريح والسيارة الجديدة فكرة مؤجلة، ومن هنا يتعين على الشركات اعتماد تسعير عادل، وإبراز القيمة المضافة لمنتجاتهم، حتى يكافئهم الزبائن بشراء علاماتهم التجارية. لن يستمر إضراب الزبائن عن شراء الأشياء الكمالية للأبد، لأن مؤشر ثقة المستهلكين يمرض ولا يموت، فهو المحرك الحقيقي للنمو، ونعتقد، أن بعض الشركات تبدو أكثر عقلانية ومرونة في توقعاتها لحجم الإنفاق الاستهلاكي وتأثيره على الأرباح الفصلية، بالنظر إلى العوامل المعاكسة مثل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وضعف القوة الشرائية للمستهلكين، إلا أن الخطر الرئيس يكمن في اعتياد بعض الزبائن على الاستغناء عن السلع التي لا يحتاجون إليها، ولهذا، يتطلب الأمر من القطاعات الاقتصادية المختلفة الاستمرار في كسب نقاط جديدة للاستهلاك، وذلك عبر الاستفادة من التقنيات الرقمية لإثارة شهية الشراء وإطلاق العنان لإمكانات المستهلكين المكبوتة.