في رحاب الاستراتيجية الشاملة لرؤية المملكة 2030، والتي أطلقها الأمير الملهم "محمد بن سلمان" بأبعادها التنموية، لترسيخ المملكة كمركز عالمي ارتكازي للفنون والثقافة، وتأطير معطيات النماء والتقدم والريادة على كافة الأصعدة، والتي تتوازي مع التطلعات، وتصدير محيط بصري يعزز الفاعليات والأنشطة الفنية والثقافية التي ترعاها حكومة المملكة الرشيدة، وتعميقاً لرسالتها الإلزامية نحو نشر الوعي الثقافي والمشاريع الفنية وتعزيز مخزون المعارف بالفنون الحداثية. حققت المملكة قفزات نوعية، ونهضة تنموية في شتى المناحي، وارتكلت لإعادة تعريف الاقتصاد الثقافي في العاصمة، بما ينسجم مع رؤية 2030 للتحول والتنمية الشاملة في جميع القطاعات، والتوازي مع التطلعات المستقبلية، وترسيخ مكانة المملكة ومحوريتها القارية كوجهة رائدة، تصدر نماذج فريدة لأشكال الفنون المستحدثة في المملكة والمتوازية والمرتبطة في مباشرة مع ملامح المجتمع التكنولوجي المعاصر. لينبري في جلاء اهتمام القيادة في المملكة بقطاع الثقافة ودعمهم، ببرامج تؤطر طاقات المواهب السعودية وقدراتهم، وتغتنم الإمكانات التي يتمتع بها المواطن، وترفع الزائفة الفنية المجتمعية وتدشين الفعاليات الفنية الكبرى والمهرجانات الثقافية، لتعزيز البيئات والمناخات الملائمة للحضور والتفرد والريادة. لتأتي فعالية "نور الرياض" كأحد مشاريع برنامج "الرياض أرت" ضمن مشاريع الرياض الأربعة الكبرى التي أطلقها الملك سلمان بن عبد العزيز 2019م، وقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتدشين الرياض معرض مفتوح يعزز موقعها على خارطة المشهد الفني والثقافي العالمي، ويعضد مستوى جودة الحياة. (نور الرياض) وتجلي قصص الإبداع في العاصمة ينطلق احتفال "نور الرياض" 2024م، في نسخته الرابعة، (60) أطروحة فنية تحت إدارة القيمة الفنية الدكتورة "عفت عبدالله فدعق"، والقيم الفني الدكتور"ألفريدو كراميروتي" كمنصة إبداعية تضيء سماء العاصمة من ثلاثة مراكز تحتضن روح الأصالة والمعاصرة (مركز الملك عبدالعزيز التاريخي ووادي حنيفة حي جاكس)، تحت (مفهوم بين الثرى والثريا) كمسافة ما بين الأرض المبتلة بماء المطر (الثري)، والسماء المرتفعة التي يسكنها نجم (الثريا) في سمو وعلو ونورانية، حيث يضيء الإلهام وتتجسد الأسطورية الإبداعية ويتجلى الطموح والشغف وتسطير الأهداف في عمق العلاقة ما بين الثرى والثريا. والولوج من عمق الخطوات على الأرض لمدارات السماء والتجلي ودروب الاستدلال بالنجوم السماوية، في تدليل عن الترابط الحقيقي الكامل في اجتياح المرء للثرى وتأمل الثريا، لدعم توحد القوى الإبداعية المحفزة لإبداع الرسائل البصرية المتفردة، والتفاعل مع التجهيزات الفراغية الضوئية والتجارب المشبعة بتقنيات الإسقاط الضوئي. عبر معرض راديكاليي وبرامج متنوعة بمشاركة أبرز المواهب الفنية السعودية والعالمية في تركيبات الضوء الحداثية ذات المفاهيم الفكرية والجمالية، ومنهم (آثار الحربي، يوسف الأحمد، حمود العطاوي، أسماء الجهني، نجلاء العتيبي، علي الرزيزا، راشد الشعشعي، نواف الدوهان، سعد الهويدي، فهد النعيمة، ناصر التركي، أيمن يسري) خلال هدف فلسفي لذلك التفكير الجديد والذي يتضمن وضع المتلقي، كمشارك داخل العمل وجعله أكثر تفاعلاً مع العناصر والرسالة، لتدشين سياقات درامية من خلال الأضواء والظلال وإمكانيات التقنيات الضوئية والتكنولوجية المستحدثة وشدات اللون وإضاءته لما له من دلالات نفسية وتعبيرية أسطورية. (بين الثرى والثريا) ومفاهيم الضوء والإبداع في اللغة التواصلية مع معطيات التقدم، والارتباطية الفكرية مع الحداثي، حققت الفنون باندماجها وحوارها الفاعل مع التقنيات التكنولوجية نوعاً من الطفرات والقفزات المحورية للخطاب البصري المعاصر في تهجين واعٍ لجماليات الماضي ورؤية معاصرة تكشف عن المرئي والمحسوس لمفاهيم الضوء التعبيرية والجمالية، حيث أسهمت التقنيات التكنولوجية والعلمية في تحولات مسار الفنون البصرية، ومهدت الدروب للبحث والتجريب والمعالجات الفنية، وشقت آفاق مختلفة لطرق التعبير عن المفاهيم والضمني، وإبداع تراكيب فنية يكون الجمهور المحور الرئيس فيها، وإسهامه في إنعاش الخطاب البصري. وعبر حراك ديمومي متكأ على عرض الضوئيات الفكرية والتجليات الجمالية، تكمن أهمية الضوء في الفنون الحداثية في التركيز على ايجاد قوة الإثارة والدهشة البصرية للمتلقي، والقدرة على توصيل الأفكار والأنشطة الفكرية، وتحويله من مجرد وسيط إدراكي (فيزيائي) لإتمام عملية الرؤية ليصبح جزءًا في تشكيل العمل لخلق رؤي جمالية وفلسفية، يتعاظم فيها الشكل والمضمون، والاحتفاء بالحضور الضوئي وأهمية الإسقاطات الضوئية، وطرح تصورات تفاعلية ضوئية تصطبغ بذبذبات صوتية، تترجم في أرجاء الفراغ المحيط، بما يعزز قدرات الفنان ومخيلته الإبداعية. لذا تحولت وجهة الفنان لاستخدام الضوء كوسيط فني وركيزة بصرية، داعمة للمضمون الفكري للعمل، لصياغة التأثيرات الانفعالية للفنان وتجديد لأفكاره وفلسفاته الخاصة، وإحلال الصيغ البصرية الاعتيادية، لتظهر شاشات العرض والعناصر الإلكترونية المتحركة، والعاكسات الضوئية والحساسات الضوئية التي تتبع حركة الجمهور داخل حيز العمل، وترسم معه مسارات ضوئية، في تجاوب تقني تعبيري مع حركة الأيدي والأجسام لتتغير الصور والعناصر، وانبعاث الأصوات عبر أجهزة استشعار، لتشكيل البيئة الموحية. وانحياز المبدعين لاستنطاق المخزون البصري الثقافي لديهم وفق نصوص صياغة حداثية، تؤسس لأنموذج ونص صياغي عصري كاستشراق لتحولات المعاصر في المنهج البصري، وتضفير الصوري مع المقاطع الصوتية والموسيقية، وإعلاء التراكيب (الضوء حركية) التي تزاوج بين الضوء والحركة داخل مساحات مسطحة ثنائية الأبعاد، وفي شروحات ذات حجوم ثلاثية الأبعاد حقيقية تصدر انطباعات تناغمية ضوئية لونية مستحدثة كمجال للتأمل العقلاني، وإبداع تفاعل معقد من الانعكاسات والانتشار ما بين الأشكال المضيئه والظلال، بما يدعم الروحانية بجانب نورانية التشكيلات الحداثية الضوئية. ودشنت بيئات إلكترونية ذات عرض بصري حركي مفاهيمي، متزامن مع نبضات إيقاعية صوتية متنامية، في تجاوب مع المنظومة الكلية، ونسج أشكال شبحيه تذوب وتتلاشى متفاعله مع أشكال هندسية ملونة، واسترداف مفردات بصرية شرقية وشحذها باستدعاء التقنيات الحداثية التي تعضد التعبير، وفق نسق ديمومي يحفز مشاعر المتلقي وتصل لأعماقه، وتخلق عوالم خيالية تلعب فيها "برمجة الفن التخليقي" الدور الفاعل كبديل عن الصبغات المعتادة، لصالح مدلولات فلسفية جمالية، تجسد دراما معاصرة مصاغة بصدق وتعبيرية. *الأستاذ بقسم الفنون البصرية والرقمية المساعد