استطاع أسامة المسلم الصوت الروائي السعودي المتميز أن يفرض حضوره في كتابة الروايات من نوع الفانتازيا التاريخية بقصص وأحداث ذات طابع تشويقي وسرد الأحداث على الطريقة السينمائية ذات الحوارات المتينة، بسرد من خلالها الأحداث بشكل متقطع مع وضع أسماء فريدة وغريبة، تتسم معظمها بالنهايات غير المتوقعة. ترجمت رواياته للإنجليزية (خوف وبساتين عربستان والجزء الأول من ملحمة البحور السبعة)، والتي صدر منها خمس طبعات من 2017 حتى الآن، وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا في معظم الدول العربية، وكتب رواية مشتركة مع الكاتب الكويتي عبدالوهاب الرفاعي بعنوان "مخطوطة مدفونة" وفاز بجائزة الأدب من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها 2024. تدور أحداث سلسلة روايات "ملحمة البحور السبعة" في عالم البحور حول أميرة البحور السبعة "لج"، والتي تحاول حكم البحور السبعة بأي طريقة كانت هي أولى روايات سلسلة ملحمة البحور السبعة التي تتكون من خمسة أجزاء، ورواية اليوم هي أول جزء فيها. فكرة الرواية كانت مميزة وخَلاَّقة، فبالرغم من تكرار الحديث عن الحوريات والسايرن في الكثير من الروايات؛ إلا أن الكاتب تناولهم بطريقة جديدة ومبتكرة جعلت ما قُرأ عنهم من قبل مختلف تماما عما ذكر هنا، كما تحدث الكاتب عن فصيلة جديدة لأول مرة تمر أمامي وهي "الغرانيق". لغة الرواية صحيحة تماما وغنية، كما كثرت المفردات الجميلة المُعبرة. أما عن السرد والحوار، فقد استخدم الكاتب نوعين من السرد الأول هو السرد التناوبي وهو السرد المعتمد على عدد من القصص بشكل متناوب، فيسرد الراوي قصة أولى ثم يذهب للثانية ثم يعود للأولى ثم يذهب للثالثة فيعود للثانية وهكذا. وهذا حتى صفحة 125 بالرواية، كما استخدم أيضًا السرد المتقطع حيث اختلفت أزمان السرد فكان هناك استرجاعات زمنية كثيرة (الفلاش باك)، وقد أجاد الكاتب استخدام النوعين بطريقة مميزة، ثم تبدأ الرواية بعد ذلك بطريقة السرد التسلسلي للأحداث عن الشخصية الرئيسية بالرواية "لُجّ". وكان السرد واضح ومفهوم ولم يكن هناك أي تعقيد، بل كان بسيطاً يسهل فهمه للجميع، وقد استخدم الكاتب الراوي العليم، وهو اختيار موفق تمامًا نظرًا لتعدد الشخصيات والقصص بالرواية. جاءت لغة الحوار على لسان الشخصيات، وكان مفهوم ولم يكن هناك تشتيت أو تداخل بين. بداية الرواية غريبة، لم تتحدث عن مفهوم الرواية حتى صفحة 125؛ تحدثت عن قصص وشخصيات مختلفة ولا تربطهم صلة، وكأنها عشوائية. ثم بعد ذلك تحدثت الرواية عن الشخصية الرئيسة للرواية والتي سميت الرواية باسمها "لج"، وحتى بعد نهايتها لن يفهم أحد سبب ذكر هذه الشخصيات والقصص غير المتصلة بالفكرة الرئيسية للرواية، ولكن كل هذا سيُفهم بالجزء الثاني من السلسلة. أتقن الكاتب الحبكة ووضح الصراع الذي كانت تخوضه البطلة بمنتهى البراعة ما بين صغر سنها وعيشها وحيدة بعيدة عن أي معلومات قد تحصل عليها حول عالمها ورغبتها في الاستكشاف، وما بين إحساسها بالمسؤولية تجاه كائنات كثيرة لا يربطها بهم أي صلة. أما بالنسبة للوصف فأراه شحيح، فبما أن الرواية خيالية والدعامة الأساسية التي تبنى عليها هي: الوصف خاصة من ناحية وصف الكائنات والأماكن؛ لذا فقد كان يحتاج لدقة وإحاطة أكثر من ذلك. تأخذك الرواية لعالم البحار والأعماق فتعيش بين كائناتها وتندمج وتتفاعل معهم، ومن يركز في القراءة جيداً يستطيع اكتشاف معلومات عن الكثير من الكائنات البحرية وأسرابها وأساليب هجرتها وأنواع الكثير منها. ناقشت الرواية موضوعات وفاء الأصدقاء لبعضهم البعض وتضحيتهم أيضاً، وما يمثلوه في حياتنا من أهمية كبيرة كما ناقشت الرواية أن العزلة المفرطة ينتج عنها شخصية مذبذبة، لا تستطيع تحديد ما تريده، ويسهل السيطرة عليها وخداعها. أيضاً لا يجب تصديق كل ما يقال لنا فهذه سذاجة، بل يجب أن نعقل الكلام ونبحث عن البراهين والأدلة، والأخذ برأي الآخرين إن كانت صحيحة حتى وإن تعارضت مع آراؤنا. واجهت بطلة الرواية "لُجّ" معركة نفسية عنيفة بين ما تربت عليه وبين رغبتها في استكشاف نوعها وسربها، فتخوض مغامرة كبيرة وخطيرة بين كائنات البحر لمحاولة الوصول لحقيقتها والنجاة، لتكتشف حقائق صادمة، ولكن هل كل ما نسمعه ونراه حقيقة؟!