"هيبتا هو رقم سبعة بالإغريقية.. تعريف ال(هيبتا): السبع مراحل في الحب.. أو السبع مراحل في العلاقات العاطفية". بهذه الكلمات في مقدمة رواية "هيبتا" للكاتب محمد صادق الصادرة عن دار رواق للنشر والتوزيع، قدم "أسامة حافظ" نفسه للطلبة، الطبيب الاستشاري في العلاقات الأسرية في محاضرة مدتها ست ساعات، تحكي مراحل الحب السبعة، أو المراحل السبعة التي تمر بها أي علاقة إنسانية. يحاول أسامة من خلال أربع حكايات لأشخاص كودية يرمز لها (أ، ب، ج، د) تفسير مراحل الحب السبعة (البداية، اللقاء، العلاقة، الإدراك، الحقيقة، القرار، هيبتا)، ثم نكتشف أنهم جميعا شخص واحد في مراحل عمرية مختلفة. (أ) الشاب ينتحر، دنيا تترك (ب) بعد إصابته بشلل في عضلات الساق اليسرى، (ج) يتقن الرسم في عزلته وتحبه "علا" ويتزوجا، (د) طفل يحب مروة، تنتحر أمه، وتتركه مروة. يسأله الطلبة "يعني بعد كل ده (أ) و(ب) و(ج) و(د) طلعوا شخص واحد؟.. أومأ "أسامة" برأسه في هدوء، ثم قال: بصوا على نفسكم في كل مراحل حياتكم.. وقولوا لي مين فيكم فضل لحد دلوقتي زي ما هو". الرواية ترفع شعار "الوجع" الموجود في كل علاقاتنا الإنسانية، الوجع مع الحب، الأمل، الحياة، والوجود، والأهم أنها تؤكد للقارئ أن هناك علاجا لهذا "الوجع"، من هنا جاء ارتباط القارئ بالرواية. من خلال محاضرة طويلة، يحلل "أسامة" أو الكاتب/ الراوي، ويشرح ويقدم الحلول "الاحترام، الاحتواء، الصراحة، التضحيات، الصفقة، هي دي المشاعر، والحلول اللي بتقف قدام أي مشاكل في الدنيا، إزاي تعرف تحترم مشاكل وعيوب اللي قدامك وما تحاولش تغيرها إزاي تعرف تحتويه من غير ما تحسسه بالذنب، عشان تعرفوا توصلوا لنقطة تلاقي، تعرفوا توصلوا لنقطة تفاهم". اعتمد الكاتب أسلوب التشويق، مستخدما تقنية "التقطيع السينمائي" لسرد أربع علاقات عاطفية، ليظل القارئ يلهث في متابعة الأحداث، يتوقف السرد عند لحظة مهمة في تطور الحدث، يجعل في كل محطة "حالة انتظار وترقب". استخدم حضور الطلبة لكسر "الحائط الرابع" تشبها بالمسرح، ليجعل ردود فعل الطلبة متشابهة مع ردود فعل القارئ، محاولة التأثير في تعاطف القارئ من خلال تعاطف الطلبة في الرواية، حيلة فنية تبين قلق الكاتب/ الراوي ومحاولة توضيح أو "الدفاع" عن نفسه أمام القارئ من خلال التدخل السريع من "أسامة" المحاضر، للإجابة عن سؤال غامض أو تقديم أجوبة تقريرية لمعالجة ما عجز عنه السرد الروائي. محاولة كسب تعاطف مجاني من القارئ "قاطعته إحدى السيدات الباكيات: المرحلة السابعة أيه بقى، مش باقي يا حبة عيني غير (ج) و(د)". "نظر للوجوه المنبهرة، والوجوه المستسخفة، والوجوه الراضية". "ضحك "أسامة" في سعادة من رؤية تلك الأيادي المرتفعة، وقال: طبعا لقيتو نفسكم في القصة دي". تتكون العلاقات في الرواية، بطريقة سهلة، مغلفة بالرومانسية والجنون الذي يُضفي السحر على العلاقة، ويخاطب وجدان القارئ الحالم بعوالم غير حقيقية. (أ) يقف على سُوَر شرفته يحاول الانتحار أو ما يسميه (أ) التحليق أو السقوط الحر، فيرى "رؤى" التي تراقبه وهي تجلس على سطح عمارة مقابلة، فيعبر الشارع ويطلع سطح العمارة، ليقابلها، فيجتمع الغموض والسحر والتشويق والبساطة، فيقبلها على السطح وسط أنغام الموسيقى، وتحبه ويتزوجا، أما (ج) فتحبه رؤى لأنه رسمها على منديل وهو مغمض العينين، وقال لها إنها حاولت الانتحار، وشرح لها لاحقا، أنه عرف ذلك من نظرة عينيها التي تشبه نظرة عين أمه التي انتحرت، ومن طريقة احتضانها للسلسلة في رقبتها. ما جعل بعض الطلبة يعترض على "أسامة" المحاضر قائلا: هذه القصص أفلام أكشن أميركية، وكأن الكاتب يسمع القارئ يقول له: إذا كان الأدب والحياة متلازمين فإن العلاقات الإنسانية من حب وزواج لا تحدث في الواقع بهذه الطريقة. اعتمد الكاتب في رواية "هيبتا" اللغة العامية المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية. واستخدام الألفاظ والتعبيرات المبتذلة. وكأن الكاتب يتعمد تقديم روايته بلغة قريبة جدا من لغة الشارع، مغامرا بتكسير كل القواعد ليصل إلى أكبر عدد من القراء. "هيبتا" تخلو من رسم شخصيات من لحم ودم، الرواية تتحدث عن علاقات البشر في العموم، فهي تتماهى مع علم النفس وتحليلاته، ولا تتوافق مع فنيات رواية كعمل فني، تتميز فيه الشخصية ب"الخصوصية"، فاللص عند موليير يختلف عن اللص عند نجيب محفوظ، وهذه هي سمة الرواية أن تكون شخصية "آنا كارنينا" تلتقي مع ملايين الزوجات، المرأة التي تحب رجلا آخر غير زوجها، وتختلف عن كل النساء ب"تفرد" و"خصوصية" في الشكل والمشاعر والتفكير وطريقة نطق الحروف، قدرة الفن في خلق شخصية تخيلية تلتصق في ذهن القارئ ويمكن إطلاق اسم الشخصية الروائية على مجموعة من الخصائص النفسية والسلوك البشري، فعندما نطلق ظاهرة "دون كيشوت" على أولئك البشر الذين يعيشون الوهم بشكل ما، ويصنعون عالمهم الخاص، يحاربون "طواحين الهواء"، ونطلق لقب "سي السيد" شخصية نجيب محفوظ على الرجل الذكوري في أسرته. يتأثر الكاتب برواية "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا حد التطابق، يقول" ميلان كونديرا" في مقدمة روايته "العود الأبدي فكرة يكتنفها الغموض وبها أربك نيتشه كثيرين من الفلاسفة: أن نتصور أن كل شيء سيتكرر ذات يوم كما عشناه في السابق، وأن هذا التكرار بالذات سيتكرر بلا نهاية!". يفتتح "أسامة" المحاضرة قائلا "كلنا بلا استثناء بنلف في الدواير.. والدنيا تلف بينا!.. كل الناس والنباتات والحيوانات بتلف في دواير، لأن الدايرة هي الأسلوب العبقري في ضمان الاستمرارية وعدم التجديد".. تعالج رواية "كائن لا تُحتمل خفته" فكرة "الخِفة" و"الثقل" وأيهما يحقق السعادة؟. يقول "أسامة" في رواية "هيبتا": "عشان نوصل للإحساس الرابع، إحساس مشترك قوي بين الناس ومكرر، "عبء المسئولية" أو بمعنى أدق "الحِمل"، الشاب اللي فاكر إنه هيقدر يتجوز ويكتشف أن في حمل فلوس بيت كامل على كتافه.. الزوجة المخلصة اللي جوزها عمل حادثة واتشل.. الحِمل ده إحساس تقيل قوي.. بيتقل في الروح.. بيتقل في الحب". رواية "هيبتا" عبارة عن مقالة طويلة في علم النفس بأسلوب "عامي" قرب المفاهيم للقارئ الذي يهمه تتبع الفكرة ومحاولة الإجابة عن أسئلته وحيرته وعذاباته في الحب والحياة. * ناقد مصري