مهما كانت قدرات المسؤول القيادي فإنه لا يستطيع أن يقوم بالمهام القيادية الأساسية؛ وفي الوقت نفسه يدخل في تفاصيل أعمال القطاعات الأخرى المرتبطة بالوزارة؛ بل إنه لا يستطيع الانشغال بتفاصيل الوزارة نفسها التي يديرها، فالعمل في أي جهاز يتطلب وجود فريق عمل بمستوى الثقة تفوض له الصلاحيات التي تحقق المرونة ولا تتنازل عن جودة الأداء.. كانت وزارة المالية والاقتصاد الوطني سابقا تقوم بمهام متعددة حيث تشرف على قطاعات مختلفة ومهمة، فكان منطقيا توجيه سؤال لمعالي وزيرها الأسبق الأستاذ محمد العلي أبا الخيل عن كيفية التعامل مع تلك المهام الكثيرة فكانت إجابة الوزير نصا: "إذا أحسن المسؤول إدارة وقته واستغلاله بكفاءة وكان متفرغا بذهنه ووقته لعمله بالكامل فإن إنتاجيته تزداد، وبشكل عام فإن المسؤولية عن أجهزة معينة لا تعني متابعة التفاصيل، فعلى المسؤول أن يكون قادرا على التمييز بين الأمور الأساسية وبين التفاصيل، فيهتم بالأول ويترك الأخرى لغيره، أما إذا انشغل بالتفاصيل فسيكون من الصعب عليه استغلال وقته، وعلى كل حال فإن المسؤولية العامة خصوصا في المهام الرئيسة تستلزم بذل جهد كبير ومستمر لا مجال للراحة خلاله إذا أراد المسؤول أن يتقن عمله. بالمناسبة فإن أغلب الأجهزة المرتبطة بوزارة المالية مثل الصناديق والمؤسسات والمصالح هي أجهزة مستقلة لا ترجع للوزير إلا في أمور محددة بوضوح بلائحة مكتوبة وهي ليست كثيرة ولا تتكرر يوميا".. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي، واجهة ومواجهة، الجزء الأول 1445، 2023، ص 105. تلك كانت إجابة معالي الوزير صاحب التجربة الإدارية الطويلة العميقة المتميزة، نعم إدارة الوقت عامل أساسي مؤثر في التعامل مع مهام ليست كثيرة فقط وإنما ذات أهمية بالغة، ومهما كانت قدرات المسؤول القيادي فإنه لا يستطيع أن يقوم بالمهام القيادية الأساسية وفي الوقت نفسه يدخل في تفاصيل أعمال القطاعات الأخرى المرتبطة بالوزارة؛ بل إنه لا يستطيع الانشغال بتفاصيل الوزارة نفسها التي يديرها، فالعمل في أي جهاز يتطلب وجود فريق عمل بمستوى الثقة تفوض له الصلاحيات التي تحقق المرونة ولا تتنازل عن جودة الأداء، لأن الثقة في هذه الحالة تكون موجودة في مسؤولي الإدارات وفي مسؤولي القطاعات المرتبطة بالوزارة. إدارة الوقت تتطلب توفر الثقة بقدرات فريق العمل، توفرت هذه الثقة، وتوفرت لوائح واضحة كما أشار معالي الوزير، وتوفرت قناعة الوزير بأهمية تفويض الصلاحيات فكانت النتيجة تجربة إدارية ناجحة تتفق مع الظروف الإدارية لتلك المرحلة، حتى جاءت مرحلة تنظيمية جديدة في مسيرة التنمية الإدارية تتفق مع متطلبات التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة نتج عنها إعادة الهيكلة وتخفيف العبء على وزارة المالية. على المستوى الشخصي وخلال عملي في معهد الإدارة العامة وكان وزير المالية وقتها الأستاذ محمد أبا الخيل هو رئيس مجلس إدارة المعهد، كنا نلاحظ على أرض الواقع أسلوبه القيادي الذي مكّنه من المتابعة والإشراف على قطاعات مختلفة بما يعكس ثقته بالمسؤولين، وكان ذلك الأسلوب بالنسبة للمعهد أحد عوامل تميز المعهد وإنجازاته. أخيرا، ومن باب الطرافة دعونا نورد بعض العبارات التي يستخدمها بعض المسؤولين لإنهاء المعاملات ونحاول تفسيرها: * حسب النظام: ليس لدى المسؤول الأول وقت للرجوع للنظام فيحيلها لمساعده ليتولى الموضوع. * حسب التفاهم: قد لا يتذكر مساعد المدير هذا التفاهم فيضطر للرجوع للمدير للتوجيه، قد تكون هذه المراجعة مزعجة للمدير. * لاتخاذ اللازم: عبارة قد تكون غامضة لكنها تدل على الثقة بمساعد المدير وتمنحه حرية التصرف. * لإكمال اللازم: قد يكون هذا التوجيه واضحا وإجرائيا وقد يكون عكس ذلك، يعتمد على الشفرة المتفق عليها. * للتفاهم: هذه عبارة تمهد لطرح الأسئلة والنقاش وتتطلب التحضير، وهي طريقة غامضة النتيجة لأن العبارة تشير إلى وجود أسئلة تحتاج إلى إجابات. وللمعلومية فقد سبق للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- في أحد مؤلفاته أن علق على بعض تلك العبارات بطريقته الساخرة المحببة. من أسئلة هذا المقال، هل يمكن فهم النمط القيادي للمسؤول من خلال استخدام تلك العبارات؟ هل نستطيع القول إن من يكثر استخدام عبارة (للتفاهم) أنه يتبع الأسلوب المركزي؟، المنطق يقول إنه لا يمكن تجزئة الموضوع بهذه الطريقة، فالنمط القيادي يتشكل من مجموعة عوامل ومن تجربة طويلة تستند إلى ثقافة عامة وثقافة إدارية، ولكل نمط ظروفه ومسوغاته، وهذا ما لاحظته عندما كنت عضوا في مجلس إدارة معهد الإدارة العامة ممثلا لوزارة التعليم. نختم هذا المقال بمقولة معالي الأستاذ محمد أبا الخيل - وهي ذات دلالة - إن المسؤولية العامة خصوصا في المهام الرئيسة تستلزم بذل جهد كبير ومستمر لا مجال للراحة خلاله إذا أراد المسؤول أن يتقن عمله.