لا أعتقد أن نسبة 2,5 % كغرامة سنوية محسوبة من قيمة الأرض البيضاء، كافية لإجبار الممتنعين، لأنهم في الغالب من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، وهذه النسبة لا تؤثر فيهم، ولن تفك احتكارهم من الناحية النظامية ما داموا قادرين على السداد.. والأفضل، في رأيي، رفع الرسوم ل10 %، وربط عملية الزيادة بثروة الشخص، وبما يجعل دفعها مؤلمًا ومحرضًا على البيع أو على التصرف في الأرض بتطويرها أو بيعها.. معرض سيتي سكيب غلوبل الذي عُقد في الرياض للمرة الثانية، وتحديدًا خلال الفترة ما بين يومي 11 و14 نوفمبر من العام الجاري، يركز على القطاع العقاري دون غيره، والمعرض في دورته الاولى بالمدينة نفسها عام 2023، كان مؤثرًا في سوق العقار المحلي بشكل مباشر، فقد ساهم في تحقيق صفقات عقارية بقيمة 220 مليون دولار، وتجاوزت اضافته الاقتصادية قرابة الثمانية مليارات دولار، والسابق يساوي ما نسبته نصفا في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الاتفاقيات العقارية فيه تضاعف بنسبة 60 %، عند مقارنتها بالعام السابق، فقد ارتفعت إلى 180 مليار ريال، أو ما يعادل 48 مليار دولار، ولا بد من ملاحظة أن القطاع العقاري السعودي يمثل ما نسبته 40 % من الناتج المحلي غير النفطي، وأن أعماله تحرك أنشطة 200 قطاع في الدولة. نسبة تملك السعوديين للوحدات السكنية وصلت إلى 63 %، وما تستهدفه الرؤية 70%، ما يعني أن المتبقي لا يتجاوز 7 %، وهناك مشروعات تعمل على إضافة مساكن جديدة في مدينة الرياض، ومن أمثلتها، المربع الجديد وبوابة الدرعية وسدرة ووارفة والأصالة، وضواحي الفرسان وخزام والمشرقية، وحدائق الملك سلمان وغيرها، وكلها ستوفر ما يزيد على 270 الف وحدة سكنية، استناداً لأرقام العام الماضي، وتوجد مشروعات مشابهة في جدة وفي مدن أخرى، إلا أن الكلام حولها محدود، ولا تأخذ حقها من التركيز الاعلامي والدعائي، ولعل حركة الهجرة الداخلية لأغراض العمل أو الإقامة واستضافة الرياض لمعرض إكسبو 2030 ولكأس العالم في 2032، ولأن معظم ما لم نقل كل المراكز الإقليمية في المنطقة ستنتقل اليها، يبرر إعطاءها حيزًا أكبر من الاهتمام، وبما يساعد في تغطية الطلب المستقبلي على المساحات العقارية السكنية والمكتبية، لاستئجار وتملك المواطنين والأجانب. بحسب الأرقام الرسمية، المساحة العمرانية في الرياض كبيرة، وتقدر بنجو 3000 و115 كلم2، ولم يبنَ من هذا الرقم إلا 67 %، وما سبق يضم المشاريع السكنية، ما يعني أن 33 % مازالت أراضيَ بيضاء، رغم توفر الخدمات فيها، ولا أعتقد أن نسبة 2,5 % كغرامة سنوية محسوبة من قيمة الأرض، كافية لإجبار الممتنعين، لأنهم في الغالب من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، والنسبة المقررة لا تؤثر فيهم، ولن تفك احتكارهم من الناحية النظامية، ما داموا قادرين على سداد الرسوم. الأفضل، في رأيي، رفع الرسوم ل10%، وربط عملية الزيادة بثروة الشخص، وبما يجعل دفعها مؤلمًا، ومحرضًا على البيع، أو على التصرف في الأرض بتطويرها أو بيعها، والأوضاع في جدة لا تبتعد كثيراً عن الرياض، والفارق أن معالجتها تحتاج لصرامة أكبر، وبالأخض مع موظفي البلديات والأجهزة الحكومية، وبحيث يعطون الأولوية قبل القطاع الخاص، وعن طريق (نزاهة) وقبضتها الحديدية، وبلا تفضيلات لأحد، مثلما قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. شركة (نايت فرانك) للاستشارات العقارية، واستنادًا لتقريرها العقاري، طوال 12 شهراً خلال عامي 2023 و2024، قامت برصد مبيعات الشقق والفلل في مديني الرياضوجدة، ووجدت أن شراء شقة في الرياض يعادل أربعة أضعاف دخل المواطن السنوي، وفي حال الفيلا ترتفع إلى ثمانية أضعاف في الرياض، و13 ضعفًا في جدة، وهذا في المتوسط بطبيعة الحال، وهو يتجاوز المتوسط العالمي في مبيعات الفلل، فالأخير يتراوح من 4 إلى 6 أضعاف الدخل السنوي، ويصل ما ينفقه السعودي لشراء مسكنه الأول ما بين 750 ألف ريال، أو 200 الف دولار، ومليوني ريال أو 534 ألف دولار، وهذه المبالغ مناسبة لشراء شقة وليس فيلا في مدن المملكة الرئيسة، وبالتالي يمكن إدخال الفلل في دائرة الأحلام المؤجلة لأصحاب المداخيل العادية. في دراسة أجراها موقع (رينت كافيه) عام 2018، واستخدمت فيها بيانات جمعت من الأممالمتحدة والاتحاد الاوروبي، وجد أن 21 من أصل 30 دولة، ترتفع فيها نسبة المستأجرين بشكل سنوي، ويظهر ذلك في أوروبا ودول العالم الأول بصورة أوضح، ونسبة المستأجرين في سويسرا تعتبر الأكبر في العالم، وتأتي بعدها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، والمعنى أن المدن العالمية الكبيرة، تأخذ بهذا النموذج في السكن، وتفرضه على سكانها، وفي المستقبل سيكون أكثر الناس مستأجرين، يتحركون من وحدة لأخرى، في كل محطة من محطات حياتهم، ودون أن يستقروا في مكان يألفونه ويحمل ذكرياتهم.. يقول الأنثربولوجي الفرنسي مارك أوجيه في كتابه (اللا مكان.. مقدمة في الحداثة المفرطة) الذي صدر في 1992: "إن الحداثة في صورتها المتأخرة، لديها ميل متزايد لإنتاج اللا مكان، أو المساحات السكنية والمكتبية، التي تفتقر للبعد الانساني والحميمي، وتركز على وظيفة المساكن والمكاتب وكفاءتها وربحيتها، تمامًا كما هو الحال في المطار والمركز التجاري والطريق السريع، والثلاثة أماكن بلا ذاكرة أو ذكريات".. وكلامه يحتاج لوقفة.