يحتفي السيمولوجي بتحليل السلوك الإنساني عبر علاقاتهم كنمط ذي نتاج ثقافي يصدر المعاني، بنظام دينامي من العلاقات المتشعبة (للدال الذي يمثل الصورة كرسالة مرئية - والمدلول كمفهوم للدال وما يعنيه - ثم التواصلية كتجسير بين الحدث والمتلقي اختلاف ثقافته وتطلعاته)، لينطلق السيمولوجي بالأساس نحو دراسة المعنى وطرق ربطه بالعالم الحقيقي والصور والكلمات والأصوات، كدليل وبرهان وخطاب ذي علامة يستخدمه الذهن لفهم الأشياء، وتبليغ المعارف للآخر، لتنطلق مفاهيم السيميولوجيا من مصادر معرفية مثل: اللسانيات، والفلسفة، والمنطق. وتأتي الصورة الفوتوغرافية كإبهار بصري وخطاب تناظري، ومتتالية تستخرج تجسيداً حيوياً لتمثيلات ذهنية، وصور حسية مرئية، وتأويل للعوامل الاجتماعية في إطار التواصل الجماهيري، ومرآة عاكسة تنقل صورة الواقع وتفصيلاته عبر رسائل دالة لصيقة بالنسق الفكري السائد والقيم، وتشخيص الدلالات التي يصدرها ذلك النسق، لتستحضر الصورة المواقف والأحداث، وتوثق (الحضاري -التاريخي -الديني) لتدشين أرشيف بصري ثقافي لديه قوة التعبير والتأثير والفاعلية والنستولوجي، وتمتلك اللقطة الفوتوغرافية (قيمة الوثائق والمصدر التاريخي والذاكرة الزمكانية). وفي معرض (أحوال النور) يحتفي غاليري "الفن النقي L,Art Pur" بالرياض، بإبداعات سمو الأميرة "ريم الفيصل" عبر لغة فوتوغرافية تتماس فيها (فلسفة الفن الإسلامي مع أدبيات الشعر العربي، والتنقيب فيه كإلهام وقيمة محورية محفزة، ولغة سامية تحمل في طياتها ذاكرة الأمة وتراثها الثقافي والتاريخي) بهدف تطوير اللغة البصرية، وإثراء مفرداتها واستحداث ديناميكية التراكيب الرصينة، في صورة مفعمة تنبض بالهوية والعاطفة الشخصية الذاتية، ببساطة تجتر المتلقي للمشاركة في الفلسفة، وكأن الفنانة تعيد صياغة لغة التخاطب مع المتلقي. لذا انبرت مبكراً الموهبة النابهة لسمو الأميرة "ريم الفيصل" في مدار التصوير الضوئي، والشغف في التعبير بجلاء ورهافة، منتهجة التعبير الدينامي عن الواقع المحيط، وتأطير موضوعات ذات هوية مزجت فيها بين النسق البصري وبين المحتوى الفكري العميق، لتأسيس الأصالة والخصوصية باحتفاء جمالي نابض، يستمد رونقه من البيئة السعودية وممكنات الهوية. لذا اتجهت سمو الأميرة نحو تنمية الشغف الفني والقدرات التقنية والفنية، متسلحة بهمة تعمق تجربتها وتصقل مشروعها الفني، بالدراسة الاحترافية، لتصبح أول امرأة تدخل ذلك المدار، كمصورة سعودية نابهة تتمتع بالصيت العالمي والتقدير الدولي. وكنموذج طليعي ذو قيمة فنية مضافة في مجال التصوير الضوئي، ومن خلال عدساتها تتماطر أفكار تعبيرية تسردها كفيلسوفة وشاعرة حكاءة، لديها مفردات قاموسها الخاص، حيث قضت طويلا في الرؤية والبحث التنقيبي والتأمل بالعين (البصر) وعين القلب (البصيرة)، وما يكتنز في وجدانية الإنسان من نور. فبينما تمنح الرؤية معرفة العالم، تنتج البصيرة عن فهم الطبيعة الداخلية للأشياء وفهم السبب والنتيجة بناء على تحديد العلاقات داخل السياق. فالبصيرة فعل تأملي، وتعريف بالمكتنز الذي يحمل مغزى يتجاوز فيه العالم المادي، ويصور رؤية أوسع للوعي، وإدراك داخلي للنفس ليشمل سمات روحية. فالفوتوغرافيا لديها هي: (تركيبات فذة ومعادل لتجسيد النور، والكتابة بالضياء وحالة الإنسان في تأرجحه كونيا بين الظل والنور) وهارمونية اختزالية تنحو عن الثرثرة التي تعيق تصدير الرسائل وتحتفي بتعاظم مساحات النور، والدفع بمناطق الإضاءة المباغتة وغير المرتقبة من مصادرها المفاجئة داخل الأجواء المظلمة والأقل استنارة، كنوع من الإثارة الفنية والحداثية لدى المتلقي، وإبراز عناصر محددة. وبذكاء متوقد في استخدام وسائط التعبير، وقدرة التصوير الفوتوغرافي على اختزال الأفكار والفلسفات الوجودية البسيطة والمعقدة، تنتقل أعمال الأميرة "ريم الفيصل" من مجرد تسجيل تجربة مرئية لرؤية جديدة للموقف والحدث الذي تؤطره المخيلة المحلقة، والتوغل في الداخل الجواني، واستخراج ما ينطوي عليه من حقائق، والتنقيب عما يتضمنه من طاقات روحانية والتي تستثير بدورها العواطف والوجدان، لتشكل الأطروحات الفنية قالباً محفزاً دافعاً، يخصب قنوات التفاعل بين المتلقي والعمل. ففي صور أثيرية بليغة محلقة، تحدثت أطروحات الفنانة بلغة عميقة حية، عبر التعبير والتركيز الفوتوغرافي للوصول للاقتضاب النهائي، والأحكام الصارم للهيئة الشكلية، وتكثيف المعنى بوسائط تحتفظ بتأثير ممتد المفعول، بما يجسر الحوار بين الفنانة والمتلقي. عبر الاحترافية المكينه الامتلاك خصائص الصورة والتقنيات الفوتوغرافية (كالتعريض) الذي يتضمن ضبط كمية الضوء التي تصل للكاميرا، ومهمة توفير الإضاءة المناسبة للكادر التصويري (واختيار الزاوية والتقاط اللحظة المناسبة). وخلال الترحال بين كادر تصويري وغيره وفرادة اصطياد اللحظة وتوثيق الموقف، استلهمت الفنانة روحانية (المشاهد والمناسك الدينية أثناء الحج، والوجد العميق لجموع الحجيج) ليشكل ذلك شاغلا وخارطة نابضة في خطابها البصري، لترسيخها في الذاكرة كإرث مستدام، شاخص يرسل مدلولات بصرية تحشد عناصر التجرد والزهد والتوغل في ممالك النقائية، من خلال ذاتية متماسة مع مناخات روحية تخضع لنواميس عوالمها النابضة. ليمثل العمل لديها حقلاً مغناطيسياً يعكس فرادة تجربتها البصرية، ويؤطر (إمكانيات وسياقات الصورة التعبيرية والحسية والدفق الروحاني - والتأثيرات الدرامية للصوت الذي تصدره العناصر لتعزيز الفضاءات - والقوة الكامنة في المناسك الدينية)، حيث وثقت الأعمال لرحلة الحج برؤية تنطلق من استلهام الفلسفة الاسلامية، والنور كمرتكز رئيس، والتجلي الإلهي في الكون وأعماق الوجود في إيقاع متناغم لتجسيد لحظات عميقة تصطبغ بالعبق والبعد الروحاني، الذي يربط (الإنسان وربه) في مناسك الحج وعلاقات البشر النقية في المشاعر. وتصوير الحجيج الذين انفضوا من معوقات الدنيا، هروبا لله الأحد، واستجابة لأمره، وانتقالاً من دركات الأرض إلى المنازل الروحية والضيافة الرحمانية ومدارج السعادة، لتتهذب نفوسهم وتتطهر قلوبهم في تلاقي اجتماعي وتعارف إسلامي واجتماع للنفوس المؤمنة على مودة ورحمة روحانية في ظليل الأماكن المقدسة (فهديرهم تكبير، وهتافهم تسبيح، ونداؤهم تلبية، ومشيهم عبادة، وسفرهم هجرة لربهم، وغايتهم مغفرة). وفي نطاق الفلسفة اللونية، وفي حوارية (الأبيض والأسود) ينبري صدى الأبيض في أعمال "الأميرة ريم الفيضل" كرمزية للنور والضياء والبراح الأثيري، بينما يأتي الأسود كتمثيل لغياب النور، ليكشفا معاً عن التعايش الفريد الممكن، كدرجتان تتكاملان في صور عديدة رغم التناقض الذي ينطوي على العلاقة التي تجمعهما، وتتبع خيوط النور في رحلاتها المصورة، وتلمس النورانية في دواخل كل متلقٍ لترجمة مدلول فني، لشق مسارات فنية تضيء التوهج الإبداعي، وفتح آفاق أرحب على الفكرة. *الأستاذ بقسم الفنون البصرية والرقمية المساعد عدسة: ريم الفيصل