لطالما كانت الصحراء ذلك السر الكبير الذي تاق الرحالة من كل أنحاء العالم لكشف اللثام عن أسرارها وأسرار إنسانها الذي استطاع العيش في هجير شمسها ومع قلة مواردها، بيته من وبر دابته تارة، وتارة أخرى بيته الريح والعراء ودربه الترحال بحثاً عن الكلأ والماء وواحات قد تكون سراباً في نهاية المطاف. في الخرج وبعد أن قطعت شوطاً لا بأس به من الطريق تحيطني على جانبيه واحات النخيل وهكتارات القمح والطريق الزراعي الممتد حتى تصل قلب مدينة «السيح». وصلنا إلى غرفة الخرج نتبع السيد غوغل وإرشادات أ. علي الدريهم رئيس اللجنة السياحية بالغرفة التي تعودت أن تقيم أسبوعياً ندوتها الثقافية الفكرية (أحدية غرفة الخرج). فاتتني ندوة الأستاذ عبدالله الحسني (توظيف المال في خدمة الثقافة) التي كانت مشوقة بما يكفي لإثبات ضرورة الاستثمار في الثقافة والمسؤولية الاجتماعية التي تقع على أفراد المجتمع لدعم المشهد الثقافي الذي يعتبر واجهة مشرقة للرؤية. أما الندوة التي عزز عنوانها ومحاضرتها وشريكها الجانب النسائي بإدارة الأستاذ سعود الضحوك فقد تناولت المرأة الرحالة وقضاياها في موسوعة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية التي أعدتها وجمعتها الأستاذة سارة الخزيّم صاحبة صالون سارة الثقافي بالخرج، وقدمتها الأكاديمية د. أمل التميمي بشرح وافٍ متسلسل وجذاب عن مجموعة من الرحالة النساء اللاتي قدمن للجزيرة لأغراض متعددة اختلفت من رحالة إلى أخرى كل لها طريقتها في الاستكشاف والكتابة وتقاليدهن، وثمرات رحلاتهن واندماجهن في المجتمع البدوي وتكيفهن مع وعورة الرحلة. مجموع الرحلات النسائية في الموسوعة بلغ 262 رحلة معظمها ترجم للعربية، بعض الرحالة مسلمات وأخريات جئن لأغراض تبشيرية للتنصير، وبعضهن محض رحلاتهن كانت علمية صرفة. كثير من الرحالة النساء اللاتي كتبن رحلاتهن كان لهن أدوار اجتماعية وسياسية، وليست كل الرحلات بغرض فريضة الحج لأن منهن غير مسلمات وقد عكست الرحلات التطور الاجتماعي والسياسي والعمراني لشبه الجزيرة العربية. من الكتب التي تضمنتها موسوعة الرحلات: خواجات وحكايات في الصحراء العربية للرويس ورحلة الرحلات: «مكة في مائة رحلة مغربية ورحلة» و»روايات غربية عن رحلات في شبه الجزيرة العربية». إن الجدل القديم الجديد حول مفهوم الاستشراق وأغراضه إن كان ظاهرة مرضية أم إيجابية مكنت الآخر من سبر أغوار عوالم الصحراء وشبه الجزيرة العربية؛ فمن وجهة نظري واطلاعي على ما كتبه كثيرون فإنني أرى أنها ظاهرة إيجابية فتحت نافذة للآخر - سواء من الرحالة أو ممن قرأ لهم وعرف منهم - عن شبه الجزيرة، حتى أولئك الذين جاؤوا لأغراض جاسوسية أو تبشيرية فمنهم من عاد إلى دياره بوجهة نظر مختلفة ومنهم من اعتنق الإسلام، وأذكر منهم أمين الريحاني الذي كتب عن الملك عبدالعزيز ما خلده التاريخ. المرأة هي شهرزاد التي تحكي فيصغي الكون لحديثها وقصّها، وهي التي تتقن التعبير والبوح والكتابة لذلك تعبر كلماتها القارات وتدخل القلوب بلا استئذان، لذلك جاء تقديم الدكتورة التميمي مشوقاً له صداه، عن موسوعة أعدتها العذبة السيدة سارة عن رحالة نساء، امتلأت أرواحهن بأسرار الصحراء وفاضت أقلامهن بحكاياتها التي تسللت من نوافذ مغلقة مجبولة بالخزامى والشيح ورائحة الطين الذي عمرت به البيوت التي كانت من الشعر. وكما وراء كل رجل عظيم امرأة، فمع كل امرأة قديرة رجل يفتخر بمنجزها وقد سعدت بمداخلة الشاب خالد بن محمد سيف السبيعي الذي أثنى على مشوار والدته سارة الخزيّم ومنجزها، ثم ابن الدكتورة أمل التميمي الذي يرافقها في ندواتها بابتسامة الفرح وعبارات الفخر. من أول البحر «النساء.. ينثرن الحكايا للريحْ تنثرها الريحُ في الحقولْ تتهامس الأغصانُ بأسرارهنّْ والبئرْ.. والسنابلُ تنحني تثقلها الأسرارُ والحكايا»