أنجز الباحثان: سعود الدريس ومحمود أبو ميّه، كتابًا بلدانيًا مصورًا عن محافظة حفر الباطن بالمنطقة الشرقية بعنوان: «عاصمة وادي الكمأة». وجاء الكتاب في 436 صفحة من القطع الكبير محتويًا على خمسة أبواب تحمل العناوين التالية: الجغرافيا والمكان، والحفر بين العصرين الجاهلية والإسلام، والإدارة والإنسان، والثروة الاقتصادية والرعوية، والجمال والربيع في عاصمة وادي الكمأة، وتحت هذه الأبواب فصول زاخرة بالمعلومات عن هذه المدينة العريقة، وأما الملحق فكان عن النباتات البرية المأكولة في صحاري حفر الباطن. وبيّن المؤلفان أن «الحفر» كانت إحدى بوادي العرب المشهورة في العصر الجاهلي، ووقعت فيها بعض أيامهم الشهيرة مثل: يوم صحراء الفلج، ويوم فليج، ويوم وادي ذي طلوح، وأيام الحزون، ويوم الوقباء، وظلّت الحفر كذلك حتى بدايات القرن الهجري الأول، حين كانت مجرد طريق مجدبة في براري «بني العنبر من تميم»، تضطر لاجتيازها قوافل الحجاج بين العراق والجزيرة العربية، حيث تعددت الشكاوى من ندرة الماء في هذه المفازة وبلغ الأمر والي البصرة الصحابي الجليل: «أبي موسى الأشعري» -رضي الله عنه- فتجرّد لمعالجة هذا الأمر، وقال: «دلّوني على موضع بئر يقطع بها هذه الفلاة، قالوا: هوبجة تنبت الأرطى بين فلج وفليج، فحفر الحفر، وهو حفر أبي موسى بينه وبين البصرة خمس ليال، وأمّر عليها سمرة بن عمرو بن قرط العنبري وهو أول أمرائها قاطبة في الإسلام»، وجاء في وصف الآبار أنها ركايا مسنويّة بعيدة الأرشِية، يستقى منها بالسّانية وماؤها عذب، ومن المؤسف جدًا أن آبار الحفر التاريخية داخل البلد ردمت نظرًا لتوسع المدينة. وعُرّفت «الحفر» بستّة أسماء عبر الزمان هي: «الحفر»، «حفر فلج»، «حفر بني العنبر»، «حفر أبي موسى»، «بطن فلج»، «حفر الباطن»، نسبة إلى وادي الباطن أحد أهم أوديتها، ثم جاء هذا الكتاب بفصوله؛ ليمنحها اسمًا سابعًا ألا وهو (عاصمة وادي الكمأة) الذي تستحقه بجدارة نظرًا؛ لاشتهارها بإنبات «الكمأة» في موسم الربيع والذي يسمى محليًا «الفقع». وتدل كتب التاريخ أن «حفر الباطن» كانت تقع على (طريق حاج البصرة)، وتعد من أهم منازله، وكانت قرية عامرة لبني العنبر من تميم حتى منتصف القرن الثالث الهجري، ثم اضمحلّ دورها بعد ظهور حركة القرامطة وانتشار نفوذها؛ إذ قاموا بنهب الحجاج وقتلهم؛ مما أدى إلى تعطل القوافل وانصرافها عن المرور بالحفر الواقعة بين مراكز القرامطة الرئيسة من الشرق في الخليج العربي، ومن الشمال في العراق، حيث ردمت بعض آبار الحفر من قبل «القرامطة»، وما سلم منها فيما يبدو لم يشجّع على عودة الحياة الطبيعية من جديد؛ فأصبحت مورد ماء فقط للبوادي القريبة منها، وذوت قرونًا طويلة قبل أن تنتفض من جديد في عهد دولتنا -أيدها الله-، إذ انتعشت من جديد بعد سياسة تأسيس الهجر في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ثم رشح موقع المدينة الآن؛ لإنشاء إمارة تنظِّم ورد المناهل، وترعى الأمن، وتقر النظام، وهكذا جاء إنشاء «إمارة حفر الباطن» عام 1350ه، ثم تغير اسمها إلى محافظة حفر الباطن اعتبارًا من 1/ 12/ 1415ه. وأورد المؤلفان أن من أهم مراكز «محافظة حفر الباطن» (القيصومة) التي نشأت بصفتها معسكرًا لعمال خط التابلاين، ثم تطورت حتى أصبحت من أكبر مراكز حفر الباطن اليوم، وتضم مطار الحفر المحلي، وأوردا أن (الرقعي) مركز حدودي وهو في الأصل ماء لخالد بن ربيعة بن رقيع من بني تميم؛ فنسب إليه، وأبوه ربيعة كان أحد المنادين من وراء الحجرات، أما (الذِّيبية)، فإن اسمها الحقيقي «ذنيب الذيب»، نسبة إلى قطعة من السِّدر تمتد على شكل مستطيل يشبه ذنب الذئب، وموقعها جنوب البلدة بخمس مئة متر، ولم تنهض هذه البلدة إلا عام 1415ه بعد المخطط الذي وزع فيها بما مجموعه 1500 قطعة، و(مركز الصُّفيري) وهو في الأصل بئر ارتوازية حفرتها شركة التابلاين في عهد الملك عبدالعزيز، وحارسها من أهل الرس اسمه «عبدالله الصفيري»؛ فنسبت إليه، ثم طلبها عجمي بن سويط من الملك فيصل فأعطاه إياها وهاجر بجماعته فيها. ومن أهم آثار حفر الباطن: قلبان طوال الظفير، وقلبان الرقعي والنايفية وأم عواقيل، وآبار سامودة، وقصير بلال، والدحول الطبيعية ومنها: أبا الهول، وأبو جنب، وأبا الضيان، وأبو قرون، وأبو الكبود، وأبو نخلة، وعزاري، والبريجسي، وأبو طوطاحة، وأبو مراكي.