يتردد دائمًا أن تراثنا السعودي يخلو من الأساطير ذات التفاسير العلمية وللرد على هذا فإن أجدادنا في مجتمعنا السعودي تركوا إرثًا كبيرًا من الأساطير التي تحوي تفاسير علمية وأهمها علم النجوم والفلك الاقتفاء؛ وسطَّرُوها كمناهج على شكل حكايات تُوضح أهمية حركة النجوم والفلك وتأثيرها على الكون وانعكاسه على نظام حياتهم؛ قدَّمها الرواة وذوو الخبرة على شكل أساطيرٍ أو شعر أو تجارب خُبَراء في علم الفلك والنجوم بمضامين ثقافية وحقائق ومظاهر علمية. لذا فأرض الجزيرة العربية وموطن العرب تَميّزتْ منذ القدم بفراسةِ وفطنةِ سكّانها حَسِبهُ العلم لهم وخصَّهم به؛ وأخذوا العلم من فضاء الصحراء ورسخوها بعقول أولادهم بأساطير حفظها الموروث حتى جعلوا محاكاة النجوم ميزة عند المجتمع السعودي للتأمل؛ وتحديد الوقت؛ ومعرفة الجهات والفصول الأربعة والأمطار والقحط؛ ومنها الاستدلال على ما قد تحدثه الطبيعية من كوارث. وأسطورة -بنات نَعْشْ- نموذج لهذا الفكر العلمي فيُحكى أنِّ نجْمَ الجدي غدرَ بنجمِ نعْش وقتله؛ وللنعْش سبع بنات بارّات به؛ حَمَلتْ أربع عذراوات منهن جثة والدهن تمشي خلفهن ثلاث من بناته إحداهن حامل والأخرى يتبعها طفل صغير والثالثة عرجاء؛ وحَلفْن ألّا يضعنه بالقبر إلّا بعد أن يثأرن له من الجدي. وعندما هممن بإمساك الجدي صرخ وبرَّأ نفسه وأشار إلى نجم سُهيل الذي ارتعش وهرب فلحقه الجدي.. وبنات نعش سبع نجوم يظهرن في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية وتشكل أربع نجوم منها مربعًا على شكل نعْش تتبعها ثلاث نجوم متتاليات ولكل منها اسم معروف. وأسطورة أخرى تقول: إنَّ نجم التويبع يُغازل الثريا يتبعها ويسوق نياقه خلفها. ولا يكاد يخلو التراث السعودي من أساطير النجوم ذات التفسير العلمي. فهناك أسطورة تقول: إن العقرب تقول للثريّا: أنا شفتك يوم أنك بديتِ. فردت الثريّا: وأنا شفتك يوم انك هفيتي. وبعد مدة تقول الثريا للعقرب: أنا شفتك يوم انك بديتِ. فترد العقرب: وأنا شفتك يوم إنك هفيتي. وتفسيرها العلمي كما يقول العرب إن الثريا تتعاقب مع العقرب. وأسطورة تقول إنَّ النجوم المعروفة -بالسبع- كانت ثمانية وكان سهيل بجانب الجدي فقتل الثامن وهرب لليمن؛ واتَهمت السبع نجم الجدي بقتله فهرب للشام ودخل على الحويزين ويُنادي: يا السبع. يا ساريات الليل. أنا بريء؛ والتهيم سهيل. وأصبح الجدي خلف الحويزين خائف من السبع؛ وسهيل ما زال جالي في الجنوب. وأما أسطورة -الملك نسران ونجم التويبع- ففسَّرت بعض الظواهر الطبيعية منها اختلاف لون جبل المرو ببياضه اللامع والذي يحتضن قرية ذي عين عن باقي الجبال الملتفّة حوله؛ وفسَّرتها بأنَّه نتاج صخرة مُلتهبة نَسَبتْ مصدرها لجوف نجم التويبع كرمز لندرة مُكَوَّنَه؛ لذلك لم يستطع نسران التحكم بالصخرة حين ناولها له التويبع كمكافأة كما تحكي الأسطورة؛ فانطلقت الصخرة من مخالب النسر لِحرارتها الملتهبة وسقطت بين الجبال. أساطير عبَّرت عن نبوغ شعب الصحراء السعودي الذي ألّف أساطير علمية معرفية كمنهج تخرّج منه علماء الفلك والنجوم. الشاعر/ مرزوق بن عسّاف الرفاعي أبدع بقصيدة طويلة وصف فيها النجوم ومنها: في نجمة الناقة وحاسب له حساب من خوف غابي بالفنادير ياطاه حتى حنيش يجيه يبري جنابه عدى حديثه والزقر في جنابه وجلس الديره ما اهتوي به يرفع عن الناقة نعْش حكم مجراه وبعد العشا يرعون ضو السوابع لا سار حايتهم يماني متابع ملاحظة: جاء ذكر اليمن والشام في الأساطير كاتجاهات؛ فما يقع شمال مكة -شام- وما يقع جنوبها -يمن- الناقة: نجم يهتدي به البحّارة هفيتي: اختفيتي بنات نعْش نجم سهيل