اطلعت على تعقيب الأخ الأستاذ حمد الموسى المنشور في صحيفة الجزيرة في عددها 12080 بعنوان (الموسى معقبا على الزعاق: الوسمي يبدأ بظهور السويبعة وسحابه يبدأ من الشمال).. وإني اشكر الاخ الأستاذ حمد الشكر الأجزل على جهوده في بعث ما للسلف من مآثر، ومما جاء فيه (أوضح أن الوسمي دخل يوم الاثنين 7-9-1426ه حيث يقول شاهدت أنا شخصيا نجم (السويبعة) مع عدد من الأشخاص فجر يوم الاثنين 7-9-1426ه الساعة الخامسة، ما يدل على ان هذا هو أول ايام الوسمي، فلو ان الباحث الفلكي اشار إلى ان الوسمي دخل قبل تاريخ 7-9-1426ه بيوم أو يومين فيمكن ان اتفق معه لأنه قد يكون لديه حدة في البصر أمكنته من مشاهدة النجم قبل هذا اليوم). فأقول لأخي العزيز حمد: لا يخفى عليك حفظك المولى أن الناس يسلكون طرقاً عدة في حساباتهم الموسمية تتناسب مع محيطهم، فالزراع يستدلون على دخول المواسم بجريان وجفاف الماء في العود واثر ذلك على المزروعات، وأهل البوادي يستدلون على دخول المواسم بتحركات الرياح وتخلق السحب، وأهل البحر يستدلون بالرؤية العينية للنجم.. والطرق المستخدمة كثيرة جدا، منها الطريقة التي ذكرتها، إلا أن طريقتك لا تصلح لكثير من المواقع؛ وذلك ان نجوم السبع نجوم أبدية الظهور فهي لا تختفي بحمرة شعاع الشمس كحال النجوم المعتبرة بالحساب كنجم سهيل. ومع هذا أقول انه كلما كان الحاسب يعتمد على شيء محسوس كان حسابه أدق؛ فالذي يعتمد على السلوك الحشري والزراعي أدق من الذي يعتمد على الرؤية العينية للنجم خاصة في هذه الازمان بسبب التلوث البيئي والضوئي الجاثم فوق رؤوس الشعوب.. فرؤية النجم قد تتأخر يوما إذا كانت الليلة مقمرة أو تتقدم يوما اذا استطلع في مكان خال من التلوث وكانت الفرصة مواتية لمشاهدته.. فالحساب الموسمي يخضع بالدرجة الأولى إلى فراسة الشخص وقوة إدراكه لما يحيط به، والناس متفاوتون في ذلك، ما جعل المسألة يسوغ فيها الخلاف. وأما ما يختص بحساباتي للمواسم فهي تتقدم عما هو مدون بالتقاويم الموروثة بعدة ايام، ما جعل البعض يتساءل عن سر هذا التقديم خاصة في المواسم المهمة كموسم سهيل والوسم.. واود الافادة بأني أعمد إلى عملية التصحيح كل 20 سنة تقريباً بما يسمى مبادرة الاعتدال بالعرف الفلكي. ومبادرة الاعتدال تغير مواقع النجوم وتقهقرها، فهي اذن تغير وجه السماء وتأخر النجوم، فلزم من ذلك تقديم المواسم حتى تتواءم الفصول الموسمية مع تواريخها الفعلية، فهي اذن تسري على النجوم الثوابت ولا تؤثر على الطقس ولا على الزراعة، بمعنى أن الذي كان يزرع في الجوزاء في الزمن القديم حسبما تناقله الناس هو الآن يزرع في التويبع، فالحساب تقدم بسبب مبادرة الاعتدال بالنسبة للانواء.. فمعلوم ان القمر يدور حول الارض مرة كل 27 يوما و7 ساعات و43 دقيقة و5 ثوان، وهي حركة سريعة نسبياً، وبما أن الأرض لا تكبر القمر إلا 49 مرة فقط فإن ذلك يجعل الأرض تترنح يسيرا، ما يتسبب عنه طواف القطب حول محوره وتراجع وجه السماء، ما يجعل النجوم تتأخر في شروقها، ويدلنا على ذلك التغير الحاصل في المطالع المستقيمة للأجرام السماوية سنة بعد اخرى، وهذا التغيير دائب على مر الزمان، يضاف إلى ذلك أن القلقلة بين الأجرام السماوية في الكون لها أثرها البالغ في عدم استقرار إحداثيات النجوم فيؤخر امكنتها الأمر الذي يحتم تقديم مواسمها، ويتجلى هذا في نجمي الدبران والقلب واقترانهما بالكواكب السيّارة على مر العصور.. وأذكر مثالا على ذلك، فالعامة يقولون (لا دخل سهيل تلمس التمر بالليل ولا تامن السيل)، وتلمس التمر ليلا كناية عن وفرته، ويوم 24 اغطسس الذي يوافق أول يوم من سهيل على حساب غيري بدأ المزارعون يجدون نخيلهم فيه، ويدل على هذا نهاية موسم التمر، والسحب المهيأة للمطر كانت موجودة قبل تاريخ 24 أغسطس بفترة تصل إلى عدة أيام. وذكر الأخ محمد في تعليقه العبارة التالية (ثالثا: أشار إلى ان الموسم زمن معروف. فأقول إنه لا بد لهذا الزمن من بداية محددة وعلامة تدل على بدايته - مثال ذلك دخول الشهر الهجري من مشاهدة الهلال - فتقويم أم القرى يبدأ فيه الوسم في 13-9-1426ه، فعلى أي أساس تم اختيار يوم الاربعاء 9-9- 1426ه هو بداية الوسم). فأقول: (هناك فرق بين دخول الأشهر القمرية ودخول المواسم الشمسية، فالشهر يدخل بلحظة واحدة، فمتى تأخر القمر عن الشمس ولو بثانية واحدة فقد دخل الشهر اعتباريا، أما المواسم فدخولها يحتاج أياما حتى يتمازج الطقس، فيكون القياس هنا قياسا مع الفارق حفظك الله. وقد ورد عن ائمة اللغة وغيرهم في تعريف الشهر عدة أقاويل: قال الراغب: الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال، أو باعتبار جزء من اثنى عشر جزءاً من دورات الشمس من نقطة إلى تلك النقطة. وقال في اللسان: الشهر القمر، سمي بذلك لشهرته وظهوره. وقال ابن سيناء والشهر المعروف من الأيام سمي بذلك لأنه يشهر بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه. وقال ابن الأعرابي: يسمى القمر شهراً لأنه يشهر به، والجمع اشهر وشهور، والعرب تقول: رأيت الشهر أي رأيت هلاله. وقال الإمام الرازي: وأما الشهر فهو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص إلى أن يعود إلى تلك النقطة. قال: ولما كان اشهر احوال القمر وضعه مع الشمس واشهر اوضاعه من الشمس هو الهلال العربي، مع ان القمر في هذا الوقت يشبه الموجود بعد العدم والمولود الخارج من الظلم جعلوا هذا الوقت منتهى للشهر. أما حساب المواسم فهو اصطلاحي، اصطلح عليه العرب الاقدمون، فهم يحسبون السنة كاملة برؤية نجم واحد فقط، ثم يقسمون السنة 365 يوما على الفصول، وكل فصل يأخذ نصيبه، فربما يدخل الموسم قبل رؤية نجمه او نشاهد نجوم الموسم قبل دخوله. مثال ذلك رؤية نجم القلب قبل موعده، والسبب في ذلك هو ان المسافة بين نجم وآخر ليست متساوية، فهي ليست 13 درجة دائما، وانما قد تنقص فتصير 12 أو 11 أو 10 درجات أو تزيد، فتكون 14 أو 15 درجة؛ لذلك فإن بعض النجوم تتأخر قليلا إن كانت المسافة بينها وبين النجم السابق كبيرة أو تتقدم قليلا إذا كانت المسافة بينهما قليلة.. أما ما يوضح في التقاويم فهو معدل المسافة بين النجم وليس بالضرورة يوافق الحقيقة؛ فنجم سهيل على سبيل التمثيل لا يظهر في شمال تركيا واوربا بأكملها بل انه ابتداء من خط عرض 38 شمالا لا يشاهد بتاتا، علما بأن سهيل معروف عند بدو تركيا رغم عدم مشاهدته، وكلما اتجهت جنوباً ازدادت فرصة مشاهدته.. ففي المناطق الجنوبية يصبح نجماً دائم الظهور لأنه من النجوم الجنوبية. واصطلح العرب بدء سنتهم بطلوع نجم سهيل بما يسمى بالسنة السهيلية، وهي سنة شمسية عدد ايامها 365 يوماً موزعة على فصول ومواسم السنة، وظهوره يصادف أول حلول الشمس في برج السنبلة في الموقع الجغرافي المتوسط في شبه الجزيرة العربية، وهو خط عرض مدار السرطان، ورتبوا المواسم بعدد الأيام منذ ظهور نجم سهيل تباعا.. وسبب بداية سنتهم من الخريف هو أنهم يعتبرون انسلاخ حر الصيف بداية للانفتاح الفصولي لأنهم سكان صحراء قائظة وقاحلة تشتد وطأتها عليهم في فصل الصيف فصل الجفاف وشدة الحر.وإذا أمعنا النظر في تسلسل المواسم ورتابتها بالنسبة لعدد ايام كل موسم فإننا سنلمس عدم مطابقتها لصفحة السماء، فهم يعتبرون كل (13) يوما من ايام السنة نوءا معينا، فإن عدد ايام كل موسم من هذه المواسم 13 يوما او مضاعفاتها مثل (26) أو (39) أو (52) يوما، لا سيما إذا عرفنا ان البعض منهم قد يجمع موسمين ليكونا (26) يوما مثل الثريا مع التويبع، والجوزاء الأولى مع الثانية، بل إن المواسم التي عدد أيامها من مضاعفات أيام الأنواء ربما تكون عدة مواسم جمعت في فصل واحد.. ومعلوم ان الشروق والغروب للاجرام السماوية يختلف باختلاف الازمنة والامكنة. وقال الاخ محمد حفظه المولى: (رابعا: ان ما ذكره ان الوسم ليس نجما. واوضح ان ما عرف عند آبائنا واجدادنا واصحاب الخبرة عبر التاريخ ان الوسمي يكون له نجم يدل على دخوله وهو نجم (السويبعة)، وهو النجم السابع من بنات نعش (الدب الأكبر) (حرف سين مقلوبة) بحيث يشاهد الرائي فجرا من جهة الشمال الشرقي النجمين الأول والثاني معا (من النجوم السبع) لأنهما على مستوى افقي واحد، ثم النجمين الثالث والرابع معا تقريبا لأنهما على مستوى افقي واحد ايضا، ثم الخامس ثم السادس فالسابع، وتستغرق المشاهدة منذ طلوع أول نجمين حتى النجم السابع عدة ايام واسابيع، وتتأخر مشاهدة النجم السابع والأخير حيث يكون منحرفا عن بقية النجوم تجاه الشرق ولكون المسافة التي بينه وبين النجم السادس أطول من المسافة بين النجمين الخامس والسادس، ومتى ما أمكن مشاهدة النجم السابع الذي يطلق عليه نجم السويبعة فهذا دليل على بداية دخول الوسمي، كما انه مما يساعد في تحديد اليوم الذي يمكن فيه مشاهدة السويبعة هو تحديد بداية دخول نجم سهيل). فأقول: إن من المعلوم ان الارض تدور حول الشمس وتتم دورتها السنوية في سنة (حوالي 365.25 يوم)؛ لذلك تظهر معظم النجوم والبروج تتحرك عبر المساء من الشرق إلى الغرب حيث تتقدم كل يوم 4 دقائق تقريبا حتى ينغمس النجم في حمرة شعاع الشمس فحينئذ لا تدركه الأبصار، وإذا استطاع النجم ان ينفك من حمرة الشعاع قبيل شروق الشمس نقول ان النوء طلع، وهكذا يتم حساب المواسم، وهناك نجوم لا ينسحب عليها ذلك مثل النجم القطب الشمالي الذي يبقى ثابتا في موقعه من السماء على مدار السنة وفي أي وقت من اوقات الليل، بمعنى ان الحساب يسري على النجوم التي تختفي ثم تظهر مرة ثانية قبيل شروق الشمس، اما النجوم التي لا تغيب فغير قابلة لاستخدامها في حساب المواسم، ويوجد حول القطب (الجدي) مجموعة من النجوم والبروج التي لا تغيب بل تبقى ظاهرة على مدار السنة تدور حول نجم القطب وتسمى البروج دائمة الظهور أو كما سماها البيروني (الابدية الظهور)؛ ولهذا كان العرب يمتحنون قوة أبصارهم برؤية نجم السهى التابع لمجموعة الدب الأكبر الدائم الظهور، فمن رآه فهو حديد البصر؛ لذا قالت العرب في المثال (آريه السهى ويريني القمر) ويسمى النجمان الموجودان عند الذئب بالفرقدان، وهما يدلان عند العرب على الخلود والدوام لأنهما يظهران في جميع اوقات السنة من جهة الشمال بوضوح وفي جميع البلاد العربية.. يقول الشاعر: اولاك قبائل كبنات نعش ضواجع لا يغرن مع النجوم وهذا هجاء للقبائل التي لا تغزو بل تبقى في بيوتها كبنات نعش. أما الشاعر الجاهلي بشر بن حزام فيشبه التفاف بنات نعش حول الجدي كانعطاف الصوار (بقر الوحش) وهي تركض: اراقب في السماء بنات نعش وقد دارت كما عطف الصوار والشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص وجد نفسه وحيدا بعد ان هجره الجميع لذا اصبحت النجوم ترافقه وتسليه في وحدته خاصة بنات نعش والفرقدان التي لا تغيب: فنيت وافناني الزمان واصبحت لذاتي بنو نعش وزهر الفراقد ويقول لبيد في رثاء اربد: فهل نبئت عن اخوين داما على الأيام إلا ابني شمام وإلا الفرقدين وآل نعش خوالد ما تحدث بانعدام ومن الممكن ان يختفي السويبع منهما في بلادكم، وذلك يرجع إلى ظروف الموقع الجغرافي، إلا أنه من غير الممكن اصطلاح ذلك على حساب المواسم. خالد بن صالح الزعاق باحث فلكي المشرف على مرصد بريدة الفلكي ببريدة