عالم النظرية النسبية، ألبرت أينشتاين، كان مكتبه يزخر بأوراق غير منسقة وكتب مبعثرة، وهو الذي قال: "إذا كان المكتب الفوضوي علامة على العقل الفوضوي، فماذا يدل المكتب الفارغ؟" لقد لاحظ العديد من المراقبين والباحثين أن مكاتب بعض أكبر المديرين والمبتكرين تعج بالفوضى، فستيف جوبز مبتكر الهواتف الذكية، ومارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك، وآلان تورينج مبرمج الحاسبات وكاسر الشيفرات، وألكسندر فليمنغ مكتشف البنسلين، وكثير من المبدعين، يشتهرون بمكاتبهم الفوضوية، ورغم ذلك، يتمتعون بقدرة مذهلة على الوصول إلى ما يريدون من ورقة أو كتاب بشكل أسرع من أولئك الذين يحتفظون بمكاتب منظمة. أجرى الدكتور بوس وفريقه من جامعة مينيسوتا الأمريكية دراسة على مكاتب كثير من العاملين، وخلصوا إلى أن الموظفين ذوي المكاتب الفوضوية غالبًا ما يكونون أكثر إنجازًا وإبداعًا، ولديهم قدرة أكبر على الصبر وتحمل المخاطر. في المقابل، أولئك الذين يحتفظون بمكاتب نظيفة ومنظمة غالبا ما يكونون أقل إبداعا وأقل إنجازا، ويميلون إلى تجنب المخاطر. أكدت الدراسة أن البيئات غير المنضبطة تلهم كسر التقليد وتنتج أفكارًا جديدة. ومع ذلك، أظهرت الدراسة أيضًا أن (بعض) العاملين في المكاتب المنظمة يفضلون الحلول التقليدية على الأفكار الجديدة كما أظهرت الدراسة أيضًا أن من أصحاب المكاتب المنظمة والمرتبة اختاروا حلولاً أكثر قناعةً. يقول الدكتور بوس، رئيس المشاركين في الدراسة: "لا نعتقد أن هذه النتائج تدعو إلى الفوضى وعدم التنظيم، ولكنها دراسة علمية تقدم نتائج مفيدة". نستشف من هذه الدراسة ان كيف نلقي اللوم على حكمنا السريع على الأشخاص غير المنظمين، حيث نصدر أحكاماً قاسية تتعلق بالقذارة والفوضى. كما نبالغ في نقد الأطفال ونوبخهم عند رؤية عدم تنظيم ألعابهم أو غرفهم، ونكون قاسيين على الأسر عندما لا يكون المنزل مرتّباً. إلا أن هذه الفوضى النسبية قد تفتح آفاقاً للإبداع، وتساهم في تحفيز الخيال، بدلاً من إغلاق حوار الأفكار وتحسين السلوك. ومع ذلك، لا ينبغي أن يُفهم من هذا الحديث كدعوة للتسامح مع الفوضى، فالنظام هو أساس كل شيء، على الرغم من أن الفوضى المكانية قد تبدو نسبية، بل، يجب أن تبقى عقولنا منظمة. إن "الفوضى الخلاقة" التي يتحدث عنها بعض الساسة قد أدت إلى خداع الشعوب، وهدم البيوت، وانعدام ابسط الخدمات، وتدمير الأوطان، وتشريد الأمم. يمثل النظام والحفاظ عليه أهمية كبيرة في جميع جوانب الحياة، حيث يسهمان في زيادة الكفاءة، وتنظيم المهام، وتسهيل التواصل، وتحقيق الأهداف، فضلاً عن منع الفوضى وتعزيز الأمان. كما يعززان الاستقرار والتنمية المستدامة, وهو السبيل نحو حاضر مُزهر ومستقبل أفضل، وهذا ما تتمتع المملكة بقيادة رشيدة ورؤية سديدة من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، مما يضمن حاضراً ينعم بالأمن والأمان، ويقدم كل ما يسعد المواطن من رعاية واهتمام.