الأشخاص الفوضويون يميلون للعمل في بيئة غير مرتبة، ويميلون أكثر للإبداع والانفتاح في أفكارهم، واكتشاف أشياء جديدة والخروج بأفكار إبداعية غير مسبوقة عندما عملوا في غرف تعمها الفوضى، لذلك لا بأس في أن تشخبط جدارك، أو تترك مكتبك تعمه الفوضى الخلاقة المحفزة للابتكار.. استعرض البروفيسور الراحل "راندي باوش" في محاضرته المُلهِمة ذائعة الصيت التي ألقاها قبيل وفاته بعنوان "المحاضرة الأخيرة"، صوراً لغرفة نومه وهو طفل، وكانت جدرانها مغطاة بمعادلاتٍ مكتوبة بخط يده، وناشد الآباء والأمهات بترك أطفالهم يكتبون على جدران غرفهم كما يحلو لهم دون اعتراض سبيلهم!. طبعاً لم تكن هنا "الفوضى" هدفاً في حد ذاتها، لكن بما أنها اتجاه جانبي للتعبير عن الذات، فهي عادةً ما تعتبر مؤشراً للنبوغ والابتكار لكثير من الأبحاث والتجارب وصولاً للصورة الذهنية، ومنها ما تزدحم به حياتنا وأبناؤنا ومكاتبنا وتعُمُّها!. ومن كتاب "هكذا تعمل مؤسسة غوغل" يشرح مؤلفاه "إيريك شميت" و"جوناثان روزنبيرغ"، عندما وصل "إيريك" وكان حينها رئيس شركة "غوغل" والمدير التنفيذي السابق لها عام 2001، طلب من المشرف على المنشأة أن يرتب مكاتب موظفي الشركة بسبب الفوضى التي تسودها بشكل عاجل، تم ترتيب ذلك مباشرة، فما كانت مكافأته سوى رسالة في اليوم التالي من "لاري بيدج" شريك مؤسس "غوغل" تقول: "أين ذهبت كل متعلقاتي؟، كانت هذه الأغراض العشوائية المبعثرة دليلاً على وجود فريق عملي مشغول ومُحفَّز ويعمل بهمة وإبداع!". وفي المنعطف نفسه، عندما كانت "شيريل ساندبيرغ" المدير التشغيلي الحالي في الفيسبوك تعمل في شركة "غوغل"، أعطت كل فردٍ في فريق المبيعات والدعم خمسين دولاراً ليزينوا مكاتبهم بحرية، أما نائب رئيس إدارة المنتجات في "غوغل" فقد أجرى مسابقة بعنوان "جدار جوجل الفني" لتشجيع فرق العمل على تزيين جدران مكاتبهم بشعارات "غوغل"، كيفما شاؤوا وأسفرت المسابقة عن مجموعة من الأعمال الفنية المبدعة.. لقد آمن كل قادة "غوغل" أن "الفوضى" قد تكون فضيلة وميزة ما دامت تسفر عن إبداع!. وللمتابع يجد أن قائمة منتجات "غوغل" الفريدة والمتألقة لاتزال متربعة على عرش التقنية الحديثة والثورة الصناعية الثالثة والرابعة وستستمر حتماً للخامسة، باختصار، اختر أي منتج مبتكر وناجح ل"غوغل" ستجد رؤية فنيّة فريدة وراء تميزه. ومن ذلك ببساطة، عملية "التوظيف" وهي أهم قرارات المؤسسة، عندما أدرك مؤسسا "غوغل" من البداية أن توظيف أصحاب أفضل المهارات والمواهب لا يتطلب النهج المتبع عادةً في المؤسسات الرسمية، وإنما يجب أن تعتمد على تقييم لجنة مكونة من زملاء العمل "المبدعين"، لا على تقييم الرؤساء في المراتب العليا من المؤسسة، وبناءً على هذا التقييم يتم اختيار أصحاب الكفاءات حتى ولو كانت خبراتهم لا تلائم الوظائف الشاغرة بالمؤسسة. كانت الفكرة عند التوظيف بالاستعانة بزملاء العمل، يكون التركيز على المرشحين أنفسهم وعلى إمكاناتهم، لا على المؤسسة؛ فجذب شخصٍ مبدعٍ وذكيٍ إلى الشركة أهم في حد ذاته من الدور الذي سيلعبه! وفي المنعطف الفوضويّ نفسه، دراسة حديثة برّأت الفوضويين من الفشل الذي يُتهمون به زورًا وبهتانًا! فقد أوجدت دراسة قام بها أساتذة وخبراء من جامعة "مينيسوتا" الأميركية، أن الفوضوية دلالة على الذكاء والإبداع، لكن بطريقة مختلفة عما يظنه الآخرون. أكدت الدراسة على أن الأشخاص الفوضويين والأشخاص المنظمين لديهم العدد نفسه من الأفكار الدقيقة، لكن الأشخاص الذين يميلون للعمل في بيئة غير مرتبة، يميلون أكثر للإبداع في أفكارهم. فقد أظهر المشاركون ضمن الدراسة انفتاحًا في التفكير ومحاولة اكتشاف أشياء جديدة والخروج بأفكار إبداعية غير مسبوقة عندما عملوا في غرف تعمها الفوضى. في حين أن الأشخاص الذين عملوا في غرف مرتبة ونظيفة كانوا أكثر اختيارًا للأشياء "الصحيحة"، كأكل التفاحة بدلًا من الشوكولاتة، أو إعطاء المال للجمعيات الخيرية. فالعمل في الغرف المرتبة سيجعلك تسير على المنهج الصحيح بالتأكيد، لكنك لن تكون أكثر إنتاجية وإبداعًا في اتخاذ القرارات، فما خلُصت إليه الدراسة، أن الفوضوية تساعد في التفكير الخلاق أكثر. ختاماً، فوضى الإبداع نراها دائماً على أرض الواقع، لذلك لا بأس في أن تشخبط جدارك، تترك مكتبك تعمه الفوضى الخلاقة المحفزة للابتكار.