تستيقظ صباح يوم ملبد بالغيوم، لتصب كوبا من قهوتك المستطابة، وتفتح هاتفك لمتابعة الأخبار. العناوين الرئيسة المعتادة تمر بسرعة حتى يلفت انتباهك شيء ما: "نقابة المؤلفين تعقد صفقة مع شركة ناشئة جديدة لترخيص عمل الكتاب لشركات الذكاء الاصطناعي" تدقق في اسم الشركة الأميركية (مصنوع بشري) في تعريض واضح بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنك تفكر: هل الأمر مجرد صفقة تجارية أخرى في عالم الإبداع؟ سرعان ما تدرك وقهوتك تسافر في دمك أن الأمر كبير، كبير حقا. لم يعد النقاش حول المحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي نقاشا أكاديميا، إنه معنا اليوم، وحولنا في كل مكان. منذ فترة، كان سائق الأوبر يحدثني عن روايته الجديدة التي لا يكتبها بيده، إنما يكتبها بتشات (جي بي تي). نحن في مرحلة يمكنك بالذكاء الاصطناعي كتابة رواية مثيرة في أيام تصعد لقائمة أعلى الكتب مبيعا، أو تطوير خطة تسويق خاصة بشركتك، أو حتى دراسة جدوى لفكرة تجارية. هذه التحولات تجعلك تتساءل: أين يقع كتاب اليوم من هذا العالم الجديد؟ قرار نقابة المؤلفين بدعم هذا المشروع الجديد واضح. الكتاب الذين لا يحظون بتقدير كاف منذ فترة وينالون أجورا منخفضة في الاقتصاد الرقمي، يواجهون كل شيء من الموت البطيء للاستهلاك التقليدي للإعلام إلى هيمنة مجتمع التواصل الاجتماعي. ما يلوح في الأفق الآن هو أن الذكاء الاصطناعي يهدد الكتاب وجوديا، وتحرك النقابة للتحالف مع شركة تدافع عن المؤلفين البشر هو من علامات هذا العصر الجديد. لا يعد الأمر جديدا، لطالما شعر الكتاب بإجحاف شديد ضدهم، حيث على مدار العقود الماضية، كافح الكتاب للحصول على أجور عادلة إزاء المحتوى الذي يملأ صفحات مواقع الشركات الاقتصادية الكبرى. واجه الكتاب عالما يدار بالإحصائيات الخوارزمية لا بالسرد، واليوم يأتي الذكاء الاصطناعي ليعمق الجرح. يبدو أن الشركة الناشئة تقف متحدية لهذا المد، حيث ترخص منصتها محتوى كتبه الناس بأنفسهم دون أي استعانة من أي نوع بالذكاء الاصطناعي. تقف الشركة موقفا صارما من المحتوى الاصطناعي، حيث تعد الشركة ببناء مستقبل يمكن للكتاب التحكم في توزيع أعمالهم، وكيف تسيلها، والأهم من ذلك، كيف تعتمدها. هكذا تضع الشركة أول حد فاصل بين محتوى الإبداع البشري والآلي، في عالم تكاد تذوب فيه الفواصل والحدود. الآن، نحن على مفترق طرق. الذكاء الاصطناعي جاء ليبقى. سيتقدم أكثر وبسرعة تفوق توقعاتنا، وسيستمر في استهلاك ما ننتجه مزاحما ومنافسا لنا. لكن ما يبقى عصيا على التقليد، هو أننا نبدع بطريقتنا الخاصة، في مزيج من الفوضى والعفوية والنظام الصارم، كما نفشل بطريقتنا الخاصة أيضا. لذلك، عندما نعود لقهوتنا ونتصفح موجز الأخبار، فلنفكر في الأمر: هل يمضي العالم الذي يصنعه البشر إلى غير رجعة، أم سيكون مزيجا بين البشر والآلة؟ قد تكون الإجابة أقرب مما نعتقد.