لم يكن التجمهر حول تلك السيارة بالأمر العادي! كان الملتفون حول السيارة يتحركون كالموج، ولم يكن أمامي إلا أن اقترب من ذلك الموج، فإذا بمجموعة من الشباب وكبار السن يمسكون بشاب يافع ويتدافعونه فيما بينهم وقد أصبح بين أياديهم وكأنه قطعة قماش لا حياة فيها. استطعت بمعاونة واحد أو اثنين من الموجودين أن «نفتكه» من بين أياديهم وأنا الشاب الرياضي حينها الذي لم يتجاوز عمره الرابعة أو الخامسة والعشرين عاماً. لم يكن الناس الذين تدافعوا الفتى الغر أشرارًا ولكنهم كانوا في ثورة غضب عارمة لأن ذلك الفتي كان «يفحط» بسيارته، وقد عيشهم في حالة رعب بسبب هذا التصرف في شارع تقع على ضفتيه محلات كثيرة ومحطة وقود. نجحت أنا ومن معي في أن نحتوي الموقف إلى أن وصلت الجهة المعنية التي تصرفت بحكمة وبمسؤولية، وفي هذه الأثناء جاء رجل من أقصى الفزع يهرول نحونا، وكنا ما نزال قريبين من الفتى، ووقف وقد ارتسمت كل علامات الوجع والفجيعة على تضاريس وجهه الذي أذكره جيدًا حتى اللحظة. انكب على يدي يقبلها في مشهد سريع قبل أن أستطيع سحبها، وكأنه البرق بعد أن أخبره أحد الموجودين وهو من جيران هذا الرجل؛ عندما أشار نحوي قائل إن هذا «الولد» هو من «فزع» لولدك. في الحقيقة لم تكن فزعة ولكنه كان تصرف رسمته ملامح ذلك المشهد، وقُدر أن أكون في تلك اللحظة حيث كنت. كما أن الناقمين على الفتى قد طفأت ثورة غضبهم. انهمرت دموع الرجل، وتعالت زفراته التي جعلت حتى من شارك في ضرب ذلك الفتى يضع يديه على رأسه، وينتحب ألمًا عندما رأى الرجل والد الفتى وهو يهيم بين الجموع ليرى ماذا حدث لابنه الذي أخذ مفتاح السيارة دون علمه، وتجول مع بعض من هم في مثل عمره في حيهم والشوارع المحيطة به بسرعة وحركاتٍ متهورة بالسيارة المخطوف مفتاحها من تحت مخدة والده. لا تغضب، وكررها ثلاثًا عليه الصلاة والسلام. أذكر نفسي قبل أن أذكر غيري بهذا الحديث وأن لا نغضب ونتأنى حتى في أصعب المواقف. تألمنا لما رأينا وأغرقتنا دمعة ذلك الوالد، ولم أنس وبالتأكيد هناك غيري ممن ما زال يذكر ذلك الموقف، ومنا من كان عازبا حينها، وهو الآن أب، وكلنا نحتاج أن نفرق بين إجراءات الضبط الاجتماعي من قبل الجهات الرسمية أو الخاصة مثل العائلة، وبين تصرفنا عندما نجد مثل هذا الفتى. التأني وضبط النفس وترك معالجة مثل هذه الأمور للجهات المعنية هو الحل السليم؛ حتى لا نعالج الخطأ الفردي بخطأ اجتماعي.