أغرب طرد بملعب الصايغ إخراج (ابن مطرف) خوفاً عليه من العين! ما إن يأتي ذكر نادي أهلي الرياض (الرياض حالياً) إلا ويتبادر إلى الأذهان اسم أبرز نجومه في ثمانينات القرن الهجري الماضي –الستينات الميلادية – المهاجم الحريف زيد بن مطرف الذي توفي يوم الأحد الفائت عن عمر يناهز (87 عاماً) رحمه الله. كان الراحل نجماً متوهجاً سطع في سماء (مدرسه الوسطى) وبرز بين كوكبة نجوم أهلي الرياض وكان المدربون يحسبون له ألف حساب عندما يقابلون فريقه ويحذرون مدافعيهم من خطورته على المرمى وتصويباته الماكرة (على الطاير) إذ كانت لديه موهبة المراوغة والسرعة والقدرة على التسديدات المباغتة التي كان يفاجئ الحراس بها. وكانت صفوف ناديه في تلك الحقبة تضم إلى جانبه شقيقه الأكبر لاعب الوسط راشد بن مطرف "شفاه الله" الذي لعب لأهلي الرياض في الفترة من عام (1374 - 1386ه) إضافة إلى شقيقه الأصغر علي بن مطرف المدافع الذي لعب خلال الفترة (1387 – 1393ه) وسطر اللاعبون الثلاثة تاريخ أشهر عائلة كروية ارتدت شعار أهلي الرياض في الزمن الجميل. اعتزل الكرة والوسط الرياضي إلا أن اللافت في مسيره الكابتن زيد بن مطرف مقاطعته الوسط الرياضي بعد إعلانه اعتزال الكرة مطلع تسعينات القرن الهجري الماضي وتواريه عن أنظار الإعلام الرياضي خصوصاً بعد تعيينه إماماً لأحد مساجد حي الباطن القديم الرابض على ضفاف وادي حنيفة غرب الرياض. وقبل عدة سنوات صليت مع الشيخ زيد عصر أحد الأيام وانتظرت خروجه من المسجد لألحق به وعرفته بنفسي طالباً إجراء حديث ذكريات عن تاريخه ومشواره في الملاعب كأحد أبرز نجوم الأمس الدوليين في المنطقة الوسطى. لكن "أبو محمد" فاجأني باعتذاره عن اللقاء وبرر ذلك بقوله إن ذاكرته لم تعد تسعفه بشيء من محطات ماضيه الكروي "رحمه الله". مثل المنتخب قبل 65 عاماً وبعد وفاته هذا الأسبوع بحثت عن معلومات وتاريخ ذلك الماضي المضيء للمهاجم المهاري والدولي الأسبق زيد بن مطرف الذي ارتدى شعار المنتخب السعودي الأول قبل 65 عاماً ومثله في الدورة العربية بالمغرب وبعد بحث مضنٍ لم أجد غير أرشيف (جريدة الرياض).. صحيفة الوفاء لتاريخ قدامى الرياضيين.. وبعد بحث سريع بمساعدة الزميل العزيز بمركز المعلومات الجريدة الأستاذ عبدالعزيز الشبرين وجدت مقابلة قديمة مع الكابتن زيد عمرها 58 عاماً أجرتها معه "دنيا الرياضة" وكان المشرف عليها آنذاك أستاذنا الكبير تركي عبدالله السديري "رحمه الله"، ونشرها في صفحه كاملة بالعدد الصادر يوم (8/6/ 1388ه) 1968م، وتضمنت جوانب تاريخية من مسيرة الفقيد الرياضية. أول مهاجم دولي في الوسطى جاء في مقدمة تلك المقابلة: "يعتبر المهاجم الأهلاوي الصميم زيد بن مطرف أول مهاجم يمثلنا دولياً من هذه المنطقة -الوسطى– أخلاقه عالية.. عالية جداً جعلته محبوباً من لاعبي كل الأندية وجماهيرها وحتى الحكام.. كلهم أصدقاء لزيد لأنه لم يعرف الإنذار أو التوقيف ونال في عام 1382ه (1962م) كأس أحسن لاعب في الأخلاق.. يحترمه كل رياضي يعرفه ويحترم هو جميع من لا يعرفهم.. وفيّ إلى أبعد حدود الوفاء.. خجول.. يعتبر أحسن مهاجم متعاون إذ لا يعرف الأنانية وقد كان أول من علّم ملاعبنا بأن كرة القدم لعبه جماعية.. في أخلاقه ومستواه وتعاونه وإخلاصه مثل رائع حي نهديه إلى الناشئين الذين تقضي عليهم الحواري بعد أول مباراة مع الفريق الأول أو يقضي عليهم الغرور بتصرفاتهم، ولهذا فقد عاش زيد عمراً رياضياً مشرفاً. سئل زيد بن مطرف في بداية ذلك الحوار متى بدأ مزاولة كرة القدم فأجاب عام 1374ه (1954م). وعن زملائه البارزين في الماضي رد أذكر منهم عبدالرحمن بن موزان وعبدالله بن جمعان وحامد نقادي وعبدالرحمن اليحيان. لاعبوا المنتخب في دورة المغرب العربية وعن أول تمثيل خارجي له مع المنتخب الأول أوضح أنه كان عام 1381ه (1961م) في الدار البيضاء بالمغرب ولم يكن يضم لاعبين غير سعوديين وتكون ذلك المنتخب من اللاعبين: الحارس حامد نقادي والحارس صدقه سلطان وعلي حمزة وصالح أمان وصالح عدني وعبدالرزاق بكر وعبدالمجيد رجخان وغازي ناصر وسليمان بصيري وحسن مجلجل ومحمود أبو داود وحسن دوش.. هذا ما أتذكر من أسماء. وعن أبرز ذكرياته عن رحلته مع ذلك المنتخب أجاب: "في الواقع كانت فرصة طيبة لي وهي أن أسافر لأول مرة خارج المملكة لتمثيل بلادي وأزور القاهرة والمغرب ماراً بروما وأتعرف على حالة الناس هناك ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والرياضية وأن أحتك بمستويات مختلفة في عدد من الدول العربية المتطورة في الرياضة وهذا ما استطعت الخروج به من تجارب في تلك الرحلة الموفقة". بدايته شبابية قبل 72 عاماً وأشار ابن مطرف إلى أنه في بداياته كان لاعباً بفريق شباب الرياض ثم انتقل منه لأنه نشأ في نادي أهلي الرياض (الرياض حالياً). أما عمله الحكومي فكان موظفاً في أمانة مدينة الرياض. نجوم الزمن الجميل وسئل زيد عن أحسن حارس مرمى ومهاجم ومدافع في الوسطى قبل عام 1380ه فرد قائلاً: "عثمان باطوق (الشباب) هو أحسن حارس وأفضل مهاجم مبارك عبدالكريم (الهلال) وأفضل مدافع علي حمزة (أهلي الرياض) وصالح أمان (الهلال). وذكر زيد أن شقيقه الأكبر راشد بن مطرف لم يختفِ عن الملاعب ولكن سبب انقطاعه عن اللعب هو حالته الصحية. مدربو السودان قادوا الأهلي وعن المدربين الذين تعاقبوا على أهلي الرياض، أجاب: "هناك النور والسر سالم وعصام والكنج وكشيب وحسب الله والهادي سيام جميعهم من السودان الشقيق، وإن كان لم تتح لهم الفرصة الكافية لكي يثبتوا نتيجه عملهم". (انتهى كلام زيد بن مطرف) الموزان: زيد "ثنيان الأمس" من جهة أخرى تحدث ل (الرياض) عميد لاعبي أهلي الرياض (الرياض حالياً) والحكم والمحاضر الدولي الأسبق الأستاذ عبدالرحمن بن موزان عن بعض الذكريات التي ما يزال يحملها عن زميله المرحوم زيد بن مطرف قائلاً: "جمع الكابتن زيد كل الصفات الرياضية الرفيعة والأخلاقية العالية إضافة إلى مثاليته في التعامل حتى أنه في آخر حياته كان إماماً لمسجد في حارة الباطن التي ترعرع فيها مع إخوانه اللاعبين السابقين راشد وعلي". وأضاف: "أيام ما كان يلعب كان زيد النجم الفذ الذي لا يضاهيه نجم في المملكة وأشبهه ما يكون في موهبته ومهاراته ومراوغاته الماكرة بأسطورة الكرة السعودية يوسف الثنيان في قمة عطائه ومستواه الفني والخلقي الرفيع". رفض الاحتراف في الأهلي المصري اتسم الراحل بالروح الرياضية الحقة وكانت علاقته طيبة بالآخرين، وأذكر أنه قبل أكثر من 60 عاماً طُلب منه الاحتراف خارج المملكة في صفوف الأهلي المصري بجانب عرض آخر من أهلي جدة. لكنه رفضها لارتباطه القوي ببيئته الاجتماعية وبأهله وأحبائه في مسقط رأسه بمحافظة الحريق وأصدقائه ومعارفه في حي الباطن وقوله (لا أستطيع العيش بعيداً عن عائلتي وإخواني وأصدقائي). أغرب طرد في ملعب الصايغ ومن الذكريات التي لا أنساها للنجم الراحل زيد بن مطرف في عام 1381ه - 1961م لعبنا مع أهلي الرياض مباراة ضد منتخب الجالية الحضرمية الشقيقة في الرياض، وقاد تلك المباراة في ملعب الصايغ الحكم السوداني السر محمد سالم "رحمه الله"، وبعد مضي ربع ساعة من الشوط الثاني فوجئنا بالحكم يخرج زيد من الملعب واستغربنا هذا القرار، وبعد نهاية المباراة توجهنا للحكم السر وسألناه عن سبب إخراج زيد ففاجأنا مرة أخرى قائلاً: "سأدرب أهلي الرياض بعد 10 أيام وزيد كان أخطر لاعب في المباراة وأحرز ثلاثة أهداف والمباراة ودية فخشيت عليه من "شر العين" ولهذا السبب اتخذت قرار أبعاده". هزمنا الهلال ثلاث مرات متتالية وأضاف الموزان كان السر سالم واحداً من أفضل المدربين الذين مروا على نادينا، إذ قادنا لنهائي كأس الملك عام 1382ه أمام أهلي جدة وخسرنا الكأس بشرف (1/0)، وفزنا في ذلك الموسم على الهلال في ثلاث مباريات متتالية بنتيجة (1/0) و(2/1) و(3/2)، والأخيرة كانت مباراة ودية في بداية عام 1383ه، وكان في صفوف فريقنا آنذاك كبار النجوم: سعود الفصمة نجم الاتفاق السابق ودحمان السلوم وراشد وزيد بن مطرف، وكان ذلك قبل بروز النجم مبارك الناصر. صورة قديمة لزيد بعدسة (الرياض) عام 1388ه ابن مطرف «الرابع من اليمين وقوفاً» مع أهلي الرياض عام 1382ه (أرشيف إبراهيم الطويل) زيد بن مطرف في صورة حديثة «رحمه الله» «عميد لاعبي الرياض» عبدالرحمن الموزان زيد «يمين» مع شقيقة الأكبر راشد وعبدالعزيز الجمعان 1385ه ضوئية لحوار «دنيا الرياضة» مع ابن مطرف (8/6/ 1388ه) الإمام زيد بن مطرف داخل مسجده في حي الباطن 1438ه زيد «الثالث من اليسار وقوفاً» مع بعض نجوم المنتخب في الدورة العربية بالمغرب 1381ه ويظهر «بالبدلة البيضاء» محمد الصايغ رئيس أهلي الرياض «رحمه الله»