طوال تاريخ الرياضة السعودية الذي بدأ منذ ما ينيف عن نصف قرن تعاقب على مسيرتها الخضراء العديد من الرواد والنجوم والأجيال، منهم من كانت له بصمات واضحة وإسهامات بارزة في وضع لبنات مرحلة البناء والبداية ومنهم من عاش حقبة ما بعد التأسيس وكل هؤلاء الرجال بالتأكيد ستظل أسمائهم محفورة في الذاكرة!! ومن هذا المنطلق حرصت «الجزيرة» على تقديم هؤلاء الرواد والنجوم والأسماء على صفحات كل جمعة.. ضيفنا هذا الأسبوع أحد نجوم المنطقة الوسطى الذين عاصروا أبرز الأحداث الرياضية التاريخية التي شهدتها ساحة المنطقة قبل أكثر من 45 عاماً. ففي البداية الرياضية لعب لفريق شباب الرياض «الشباب حالياً» وبعد حادثة الانفصال الشهيرة وولادة فريق الأولمبي «الهلال حالياً» انتقل مع مؤسسه الشيخ عبدالرحمن بن سعيد «كساه الله ثوب الصحة والعافية» حيث لعب للأولمبي عدة أشهر.. وجاء انتقال أبو مساعد للمنطقة الغربية عام 1378ه وترؤسه فريق الثغر «أهلي جدة حالياً» لينضم لأهلي الرياض وذلك بتأثير قوي من مؤسس المدرسة الشيخ عبدالله الزير ونجح في فرض اسمه بقوة في الخارطة الحمراء في سن مبكرة من عمره الرياضي. أُطلق عليه لقب نفاثة الوسطى لسرعته العالية التي كانت يتميز بها إلى جانب امتلاكه قدماً قوية يجيد بها التصويب من مسافات بعيدة.. عاصر أبرز جيلين مروا بتاريخ المدرسة.. جيل التأسيس أبناء المطرف زيد وراشد والشايب والرويجح ثم الجيل الذهبي مبارك الناصر وعبدالعزيز بن حمد وابن سيف والتميمي.. ضيفنا لهذا العدد مهاجم أهلي الرياض ونفاثة عبدالله بن جمعان الذي استضفناه في حلقتين. واليوم وعبر الحلقة الثانية والأخيرة يواصل «أبو عادل» حديث الذكريات المدعم بالصور النادرة قبل «45» عاماً فتعالوا نقرأ هذه السطور التاريخية: لقاء: خالد الدوس أزرق الأهلي!! * لكن أجمل مباراة بالنسبة لي كانت ضد فريق الهلال.. لقاء ضمن لقاءات الدوري في النصف الأول من عقد الثمانينيات.. رغم خسارتنا ب«2/1» حيث لعبت واحدة من أجمل مبارياتي وتمكنت من احراز هدف السبق لصالح المدرسة. وأتذكر أن الأهلي افتقد في هذا اللقاء مدافعه الكبير علي حمزة لاصابته ولعب اثنان من أشباله هما فهد الزير والبراد وأثبتا وجودهما وأتذكر جيداً أن إحدى الصحف كتبت عني وبالخط العريض «أزرق الأهلي الخطير عبدالله بن جمعان يسجل هدف السبق للأهلي». يوم خسرنا كأس الملك * من الأشياء الجميلة في حياتي الرياضية وصولنا لنهائي كأس الملك لموسم عام 1382ه أمام فريق أهلي جدة الذي كسبنا فقط بالنتيجة «1/0» عن طريق مهاجمه «كلجة».. في حين قدم أهلي الرياض واحدة من أجمل مبارياته وخرجنا خاسرين بشرف لكننا كسبنا المثول بين يدي جلالة الملك سعود «طيب الله ثراه» وتشرفنا بالسلام عليه «رحمه الله». طبعاً قاد هذه المباراة تحكيمياً الأجانب صلاح الليث «ساحة» وتيسر مشتوق ومحمد الجراديتي رجلا خط. أفضل النتائج * في مشوارنا بتصفيات كأس الملك عام 1382ه حققنا أفضل النتائج والمستويات حيث كسبنا أقوى فرق الوسطى آنذاك شباب الرياض «الشباب حالياً» والهلال وتصدرنا بجدارة ثم قابلنا بطل الشرقية «فريق الاتفاق» الذي كان يضم لاعبين متميزين أمثال أبناء الفصمة في ملعب الصايغ بالرياض وفزنا عليه بهدفين وبالمناسبة تعتبر هذه المباراة أول مباراة تنقل حية على الهواء عبر الإذاعة السعودية وقد علق عليها محمد رمضان. لعبت لمنتخب الوسطى * اخترت لتمثيل منتخب الوسطى في بطولة كأس ولي العهد الذي نظم في النصف الأول من عقد الثمانيات بين «3» مناطق هي المنطقة الوسطى والغربية والشرقية وأتذكر أول بطولة أقيمت عام 81 - 1382ه بالمنطقة الغربية حيث عسكرنا في فندق الحرمين بمكة وأتذكر من زملائي اللاعبين من أهلي الرياض الذين مثَّلوا منتخب الوسطى علي حمزة وحامد نقادي وعبود الرويجح وزيد بن مطرف ومطلق بن عبدالمحسن.. كما اخترت أيضاً لتمثيل منتخب المملكة المدرسي ولعبنا في الدورة المدرسية بالكويت. فارس «رياضة الوسطى» * الشيخ محمد الصايغ «رحمه الله» أحد الفرسان الثلاثة الذين أسسوا الرياضة وأرسوا دعائمها بالمنطقة الوسطى.. وممن كرسوا جهدهم وضحوا بمالهم ووقتهم لخدمة الحركة الرياضية بالمنطقة، فقد كان رجلاً محبوباً من الصغار والكبار ويكفي أنه حمل كل صفات الخير والصلاح في ذاته حتى إن جلالة الملك سعود «رحمه الله» كان يقدره كثيراً لاخلاصه وأمانته وصدقه في شؤون حياته. فمنذ عرفته كان دائماً صاحب ابتسامة وعطوف جداً على أبنائه اللاعبين ذوي الظروف الصعبة، وأتذكر جيداً من طيبته وخلقه كان في كل مباراة أو تمرين يأخذ معه «مرهماً»ويعمل العلاج بنفسه للاعب المصاب يعني أبو عبدالله انسان بمعنى الكلمة. أيضاً الشيخ عبدالرحمن بن سعيد الذي عاصرته بفريق الأولمبي ضحى بماله ووقته وصحته من أجل رياضة الوسطى شأنه في ذلك شأن الشيخ عبدالله بن أحمد «رحمه الله». ولا أنسى فهد بن حيزان رئيس النجمة الذي يعتبر أحد رموز هذه الحركة ويكفي أنه باع بيته من أجل النجمة في سنة من السنوات! أجمل أهدافي في الكويت * سافرنا للكويت بفريقين «أشبال وفريق أول» على حساب أبو عبدالله الصايغ أوائل الثمانينات وأقمنا معسكراً هناك حيث لعبنا لقاءين ضد منتخب الكويت فلعب أشبال الأهلي وكان من ضمن الأسماء ناصر بن سيف وعبدالعزيز بن حمد ومبارك الناصر والجويعي وفهد الزير لقاءه ضد أشبال الكويت وخسروا ب«8/0» ثم لعب الفريق الأول مع المنتخب الكويتي بحضور سفير المملكة لدى الكويت وانتهى بالتعادل «1/1» حيث تقدم الخصم بهدف في الشوط الأول ثم أدركنا هدف التعادل اثر كرة مررها لي زميلي محمد الفصمة «لاعب الاتفاق الذي استعان به الصايغ لتمثيل الأهلي في هذه المباراة» وتمكنت من احراز هدف التعادل من كرة لعبتها بطريقة ذكية خدعت الحارس الكويتي فخرجنا متعادلين ثم انتقلنا لقطر وأقامنا معسكراً هناك لعدة أيام. الفليج أدخلني في غيبوبة! * أمام فريق شباب الرياض تعرضت لاصابة قوية فقدت الوعي ازاءها ففي إحدى الكرات الهوائية التي لعبها زيد بن مطرف ارتقيت لضرب الكرة بالرأس وطلع معي مدافع الشباب عبدالعزيز الفليج وحصل تصادم قوي ففقدنا نحن الاثنان الوعي ودخلنا في غيبوبة لم نفق منها إلا العشاء في المستشفى وأتذكر بعد أن «أفقت من الغيبوبة» قمت بزيارة زميلي «ابن فليج» في المستشفى للاطمئنان عليه، وأعتبر هذه الاصابة الأصعب في حياتي الرياضية! ابن موزان أبرزهم * بلا شك ضمت حقبة الثمانينات حكاماً بارزين ولكن يبقى أشهرهم الحكم عبدالرحمن الموزان حيث كان يتمتع بقوة في شخصيته وحزم في قراراته فلا أحد يشك في أمانته ونزاهته. وبالمناسبة ابن موزان كان يعد من اللاعبين الجيدين الذين مثلوا المدرسة وتميز بالسرعة والقوة البدنية. قطعت «15» كيلو من أجل المدرسة!! * من المواقف التي لا أنساها أتذكر حين خصص أبو عبدالله الصايغ «سيارة ونيت» لنقل اللاعبين من منازلهم إلى مقر النادي «ملعب الصايغ الآن» حضر سائق الونيت ووجد اللاعبين مجتمعين فركبوا معه وكنت تأخرت عن الحضور لظرف طارئ وحين خرجت وجدت السيارة ذاهبة لملعب الصايغ فأخذت أهرول بسرعة وأنا خلف الونيت ب«500» متر وحين وصل اللاعبون للملعب وبدؤوا في ارتداء ملابسهم لأداء التمارين وصلت في فترة قياسية يعني 15 كيلو قطعتها بسرعة وأتذكر لحظة وصولي بدأ اللاعبون في الشروع في التمارين تحت اشراف أبو عبدالله الصايغ فطلب مني أن آخذ لفة واحدة على الملعب ورغم المسافة التي قطعتها لم أتردد في أخذ لفة ثانية وهذا أكبر دليل على حبنا للرياضة وحرصنا على الانضباطية مهما كانت الظروف. مدرسة الوسطى * غياب أهلي الرياض عن البطولات أعتقد بسبب ميل لاعبيه وبالذات المهاجمون للاستعراض وإبراز فنياتهم لذلك أطلق عليهم لقب مدرسة الوسطى وإلا فهو فريق كان يضم حراساً متميزين من أمثال حامد نقادي وجوهر سعيد وطارق التميمي ومدافعين أفذاذاً غير أن الخلل في الهجوم الذي كان يعتمد على الفنيات والنهاية غير السليمة.. وهنا مربط الفرس. الأسطورة علي حمزة!! * انتقال أسطورة الأهلي ومدافعه الكبير علي حمزة لأهلي جدة جاء بموافقة من رئيس النادي «محمد الصايغ» حيث كان سياسته «رحمه الله» عدم الوقوف ضد أي لاعب يأتيه عرض مادي قوي، كذلك كان أبو عبدالله يعمل لمصلحة اللاعبين طبعاً أمن الأهلاويون السكن والوظيفة لعلي حمزة ووافق الصايغ. وأتذكر جيداً حين جاء علي حمزة ليودع الصايغ في النادي لاحظت دموعه على خده فقلت يا أبو عبدالله «انت راضي بانتقاله وش زعلك» فقال أنا ما أحب أقطع رزق أحد واللاعبون هم مثل أبنائي أبحث عن مصالحهم. هذا الكلام بلا شك يجسد طيبته المتناهية وخلقه الرفيع «رحمه الله». رحيل الصايغ * بعد نهاية لقائنا بشقيقنا فريق الهلال بالدوري عام 88 - 1389ه الذي انتهى لصالحنا ب«4/0» ذهبنا للنادي والتقيت بالصايغ وأخبرنا أنه سيسافر في الغد للطائف وطلبت مرافقته ووقتها كنت متعيناً في شركة «عمل مسائي» بجانب عملي الصباحي بوزارة المعارف لكنه رفض بحجة أنني لم أباشر فيها إلا قبل أيام وحاولت أن أقنعه لكنه أصر على الرفض.. المهم سافر معه ابنه الصغير «حامد» وابن شقيقته براً بالسيارة «بيجو» وعند وصولهم قرب شقراء ضرب الاطار الإمامي وانقلبت سيارته وتوفي «رحمه الله» على الفور وأتذكر حين ذهبت للنادي إذ بالحارس يخبرني بوفاة أبو عبدالله.. فلم أتمالك نفسي فركبت سيارتي وتوجهت لشقراء وقابلني عائدين كل من عبود الرويجح وابن موزان وأخبروني أنه تم دفنه في مقبرة بشقراء فلم أصدق بل أصررت أن أذهب بنفسي وواصلت سيري إلى أن وصلت للمقبرة في العشاء فكانت لحظات صعبة عشتها ولا يمكن نسيانها. مات أبو عبدالله فهجرت الكرة * وفاة الصايغ بلا ريب أفقدت المدرسة عقلها الكبير الذي دعمها واحتواها وخدمها بكل اخلاص وتضحية ولا شك أن رحيله ترك اثراً في نفسي لدرجة أنني هجرت الكرة وأعلنت اعتزالي بعد وفاته وخصوصاً أنني تربطني به «رحمه الله» علاقة قوية ومتينة أسافر معه كثيراً سواء مع النادي أو في رحلاته الخاصة ولا يمكن أن أنسى هذا الرجل العصامي الذي ضحى بكل شيء من أجل رياضة الوسطى. تضحيات جسيمة * وتقديراً للدور البارز والتضحيات الجسيمة التي قدمها الفقيد «تغمده الله بواسع رحمته» أقامت رعاية الشباب حفلاً تكريماً للراحل محمد الصايغ حيث وجهت دعوة لجميع الأندية وطبعاً لأن أبناء أبو عبدالله كانوا صغاراً فقد تسلمت هدية التكريم وتوليت رعايتهم وحصر إرثهم بعد رحيله! نتائج مذهلة واصلت المدرسة مشاركتها في دوري المنطقة بعد وفاة أبو عبدالله الصايغ ورغم الظروف وقساوة المعاناة التي حملها اللاعبون على كاهلهم غير أنهم تمكنوا من إثبات وجودهم وقدرتهم على احراز أفضل النتائج فقد تألقوا في الدوري حتى إن الأمير خالد الفيصل «مدير عام رعاية الشباب آنذاك» أشاد بروح اللاعبين وأبدى إعجابه المطلق بالمظهر الجميل الذي جسده طلاب المدرسة رغم تكالب الظروف عليهم فقدموا بذلك درساً من دروس الوفاء والاخلاص لشعار فريقهم حتى في أحلك الظروف. لوحة جميلة * لعبنا أمام فريق قاسيون السوري لقاء ودياً وحبياً عام 1383ه في ملعب الصايغ الذي امتلأت مدرجاته بالجماهير الكبيرة التي جاءت لمؤازرة فريقها المفضل وخرجنا متعادلين «1/1»، حيث أطلقت الجماهير الرياضية على المدرسة أكثر من لقب بعد أن قدمنا لوحة جميلة لمستوى الكرة في بلادنا غيَّرت نظرة الفريق الزائر تجاه الكرة السعوية المتطورة. وبالمناسبة كان الأهلي يملك قاعدة جماهيرية لا تضاهى على مستوى المنطقة الوسطى ثم نافسنا الهلال في ذلك خصوصاً بعد احرازه عدداً من البطولات في تلك الحقبة.. وأصبح من الفرق التي تملك شعبية جماهيرية كبيرة. جيل الموهبة * تسألني عن لاعب الأمس فأجيبك الجيل الماضي بشكل عام كان يتميز بالموهبة والاخلاص، كنا نجسد الانضباطية بمعناها الصحيح.. جيل الأمس كان يتمتع بالبنية الجسمانية القوية ويحافظ على نفسه.. من خلال النوم المبكر وعدم السهر صحيح أن الامكانات كانت محدودة والملاعب متواضعة إلا أنه رغم ذلك أفرزت حقبة الثمانييات العديد من الأسماء اللامعة والنجوم الفذة، أما اليوم فالوضع مختلف تماماً!!