لا ننكر أن وسائل الإعلام والفضاء الرقمي أصبحا ساحة معركة حقيقية لا تقل أهمية عن الحروب التقليدية، ولا يخفى على أحد أن بعض القوى من حولنا تحاول جاهدة بكل وسيلة متاحة تشويه صورتنا واستغلال أي كلمة لحرفها عن سياقها، وهو بالتأكيد استهداف ممنهج لا يمكن حجبه، يُظهر كمية الحقد والكراهية التي تتأجج في قلوب البعض. وللأسف هذا قدرنا في هذا المحيط البائس الذي لا نملك أمامه سوى أن نراهن على دور المواطن كخط دفاع أول، وعلى وعيه بأهمية الوقوف صفًا واحدًا أمام تلك المحاولات البائسة لتشويه سمعته وبلده، وأن هذا الوعي هو من أعظم مظاهر الوطنية، ذلك عندما تدرك قيمة ما تملكه وتؤدي دورك تجاه المحافظة عليه، فالجميع، إزاء ما نواجهه، مدعو أكثر من أي وقت مضى لأن يكون صخرة من الوعي تتكسر عليها تلك الهجمات. ومع ما تتعرض له المملكة من حملات مغرضة تستهدف زعزعة أمنها واستقرارها، لا يمكن تجاهل الدور الهائل الذي يمكن أن يلعبه المواطن في إفشال هذه الحملات؛ فالقوة الحقيقية للوطن ليست في جيشه أو موارده الطبيعية فقط، بل تكمن في أبنائه الذين يعتزون بانتمائهم ويدركون أن الوطنية ليست مجرد مشاعر، بل هي مسؤولية، تستوجب منهم أن يكونوا حريصين في تعاملهم مع الأخبار والآراء، وأن يتحلوا بالوعي والفطنة حتى لا يقعوا فريسة لتلك الحملات التي تستهدف وطنهم. وهنا يصبح الوعي الرقمي جزءًا أساسيًا من المسؤولية الوطنية، لأن قدرة المواطن على التمييز بين الأخبار الصحيحة والمعلومات المضللة هي خط الدفاع الأول ضد حملات الاستهداف التي تسعى إلى نشر الفتن والتشكيك في استقرار الوطن، وذلك عبر تطوير مهارات التفكير النقدي والتدقيق في مصادر المعلومات قبل مشاركتها أو تصديقها، حتى لا يكون أداةً غير واعية في أيدي المغرضين، وبهذا، يكون المواطن أكثر قدرة على إفشال المحاولات التي تسعى إلى تشويه الحقائق وزعزعة الأمن الوطني. وهنا يأتي دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تعليم الطلاب أهمية التفكير النقدي في التعامل مع المعلومات، عبر تعزيز المناهج الدراسية بالقيم الوطنية وأهمية الحفاظ على وحدة الوطن، إضافة إلى تدريب الطلاب على مهارات التعامل مع المعلومات الصحيحة. ولا شك أن وسائل الإعلام المحلية تُعد جسرًا مهمًا بين الحكومة والمواطنين، وهي في صدارة من يواجه حملات التشويه التي تستهدف الوطن، لذلك، فإن تعزيز الثقة بين المواطن والإعلام الوطني هو ضرورة ملحة لصد الهجمات وبالتالي، ينبغي دعم الإعلام المحلي ليلعب دورًا محوريًا في تقديم معلومات موثوقة، مما يسهم في بناء ثقة متبادلة ووعي جماعي مبني على المصداقية والموضوعية. إن القوى الخارجية التي تسعى لزعزعة استقرار الدول غالبًا ما تستغل الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية لتعميق الفرقة وزرع الشكوك بين أبناء الوطن، ولذلك، من المهم أن يدرك المواطن أن هذه القوى تعتمد بشكل كبير على نشر الإشاعات وتضخيم المشكلات الداخلية لتصويرها على أنها أزمات مستعصية، لكن بالوعي الجماعي، يمكن أن تفشل هذه المحاولات من خلال التماسك والتلاحم المجتمعي، والوعي بأن الانتقاد البناء هو وسيلة للتطور وليس ذريعة للتخريب أو التشكيك. إن إدراك المواطن لهذه المحاولات ووعيه بأجندتها وأدواتها يجعله أكثر استعدادًا للدفاع عن بلاده بشكل واعٍ ومسؤول، فدور المواطن لا يقل أهمية عن دور المؤسسات الأمنية أو العسكرية، والتلاحم المجتمعي والوعي الوطني هما السلاح الأهم في مواجهة أي تهديد خارجي.