ما يجري في المنطقة اليوم من الجانب الإسرائيلي هو تكريس فكرة الهزيمة للعرب والنصر لها كمعطيات حاسمة وفرضها على المنطقة، وهذا الموقف هو ما سوف يؤدي إلى الانهيار التنظيمي لقواعد المنطقة السياسية، حيث تكون النهاية انعدام فكرة الهزيمة والنصر وتحولها إلى عواقب جيوسياسية، الهزيمة مهما كان شكلها لن تمحو المهزوم، والانتصار مهما كان شكله لن يحقق الأهداف.. في المنظور السياسي وفي منطقة متصدعة مثل الشرق الأوسط قد يكون مستوى الهزيمة والانتصار مرتبطا بمعايير وأحداث بعيدة التصور، فالقدرة على قبول الهزيمة أو الادعاء بتحقيق الانتصار هي من يحدد الواقع ويقيس الرضا عن الفضاء السياسي المرتبط بتكثيف القلق والتوتر عبر تكريس الهزيمة سياسيا وعسكرياً وإعلامياً، ما يجري في الشرق الأوسط وتحديدا ما هو مرتبط بالقضية الفلسطينية وأطرافها ارتبط تاريخيا بمفهومي النصر والهزيمة كأساس لكل المواجهات، ومن يتوقع منه في النهاية أن يفرض الفوز كهدف رئيس متمثل في تحديد استراتيجية النزاع التي يخوضها. المجادلة المطروحة حول مفهوم الهزيمة والنصر تدور حول ثلاث ركائز أساسية تمارس أدوارا فعالة في المنطقة هي: نحن العرب واليهود وإيران، وكلهم يطرحون فكرة سؤال واحد يقول: هل نحن نفوز أم نخسر؟ وعبر محاولة الإجابة عن هذا السؤال تكون الخطوات المطلوبة لفهم ما إذا كانت استراتيجية النصر تعمل بشكل صحيح أم لا؟ وهل نحن بحاجة إلى تغيير في هذه الاستراتيجية وكيف يتم ذلك؟، هذا هو السؤال المطلوب بحثه عندما يكون النصر أو الهزيمة ثمنه أكبر بكثير مما يتم إنجازه على أرض الواقع. منذ ما يقارب من ثمانية عقود ونحن كعرب نعيش فكرة الانتظار للحظة النصر وكذلك تفعل إسرائيل، وقبل أربعة عقود دخلت إيران على الخط في قضية عربية ولكن من خلال بوابة العامل المشترك الأكبر "البعد الديني"، بينما البعد الديني في قضية القدس يختفي أمام قضية احتلال الأرض التي مارستها إسرائيل، حيث كانت ومازالت إسرائيل تمارس توسعها تحت فكرة الانتصار فقط دون تقييم للمعايير الأخرى المرتبطة بالكيفية التي وجدت فيها إسرائيل وقتل الكثير من المدنيين واحتلت الأراضي وتم طرد السكان الأصليين. لقد كان تركيز إسرائيل مرتبطا بمحاولاتها الدائمة لنزع الشرعية عن أصحاب الأرض واستخدام القوة والتاريخ السياسي المزيف والدعم الدولي للسيطرة وتغيير معاير النصر والهزيمة لتكون في اتجاه واحد، لقد خلقت إسرائيل عملية تقييم معقدة ومتشابكة حول مفهوم النصر والهزيمة وتحولت المقاومة العربية ضد احتلال الأرض إلى خيارات صلبة لا يمكن تفسير معطياتها إلا من خلال المواجهة والحرب، وهذا ما حدث فعلا خلال العقود الثمانية الماضية، ومع تجربة السلام كان التحيز الإسرائيلي نفسه ولم تتغير مفاهيمه. خلال العقود الماضية كانت ومازالت فكرة صنع القرار في إسرائيل مرتبطة بجعل النزاعات المسلحة أساس فلسفة الهزيمة والنصر، لذلك لم ولن تنجح مشروعات السلام مع الإسرائيليين ما دام صنع القرار يتم بهذا المفهوم، فعبر التاريخ لم تتغير أنماط صنع القرار في إسرائيل، لذلك تكون الحرب بحثا عن النصر هي المتغير الأكثر فاعلية في مواجهات إسرائيل مع المنطقة وسياساتها، لقد ساهمت إسرائيل وخلال ثمانية عقود مضت بتكسير كل التوقعات التي يمكن أن تصبح طريقا مناسبة لتحقيق السلام في المنطقة التي هي اليوم بحاجة ماسة إلى قرار دولي يحدد معايير النصر والهزيمة لجميع الأطراف المتنافسة وينقلهم إلى مستوى جديد من عمليات صنع الاستقرار. عبر التاريخ جرب العرب جميع الأساليب في المواجهة العسكرية وممارسة العقلانية وتفضيل مشروعات السلام، وفي المقابل كانت إسرائيل دائمًا وأبدًا تعاني من قدراتها المرتبطة بأخذ زمام المبادرة لصنع القرارات الصحيحة لحل الأزمة، فلم تثبت إسرائيل يومًا من الأيام رغبتها في التكيف مع معطيات الصراع مع العرب ومنح نفسها القدرة للانتقال إلى مسار أكثر واقعية، لقد اعتمدت إسرائيل اتخاذ القرارات التلقائية التي تبعدها عن الانخراط في الصراع بأسلوب مختلف عن فكرة الهزيمة والنصر إلى فكرة السلام والتعادل. الآن يمكننا طرح السؤال الأهم حول الفائدة التي جنتها إسرائيل أو سوف تجنيها خلال العقود المقبلة إذا لم تخضع لعملية سلام تجعل من الفلسطينيين والعرب شريكا استراتيجيا بدلا من منافس أيديولوجي، التاريخ يخبرنا أن دخول إيران غير العربية على الخط الأيديولوجي للقضية الفلسطينية لن يكون الأخير، فهناك دول منافسة لأميركا وإسرائيل يمكنها تكرار التجارب الإيرانية بصور جديدة، فالهشاشة التي تعيشها الكثير من الدول العربية يمكنها أن تتحول إلى بيئة مستحدثة للأذرعة العسكرية والمليشيات الفرعية. ما يجري في المنطقة اليوم من الجانب الإسرائيلي هو تكريس فكرة الهزيمة للعرب والنصر لها كمعطيات حاسمة وفرضها على المنطقة، وهذا الموقف هو ما سوف يؤدي إلى الانهيار التنظيمي لقواعد المنطقة السياسية، حيث تكون النهاية انعدام فكرة الهزيمة والنصر وتحولها إلى عواقب جيوسياسية، الهزيمة مهما كان شكلها لن تمحو المهزوم، والانتصار مهما كان شكله لن يحقق الأهداف، وخاصة في القضية الفلسطينية التي تفتقر اليوم إلى إيمان صادق من جانب إسرائيل لمنح الفلسطينيين دولة مستقلة.