يحلّ اليوم العالميّ للترجمة في الثلاثين من شهر سبتمبر من كل عام، يحتفلُ به المترجمون والمهتمون بالترجمة في العالم كافة. تزدانُ أرفف المكتبات، ويتهافت المتهافتون على معارض الكتب؛ لينهلوا من كُلِّ جديدٍ ترجمهُ المترجمون؛ ومن حُسن الطالع أن يكون هذا اليوم مُتزامنًا مع معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، الذي تحرص فيه هيئة الأدب والنشر والترجمة على تقديم كل ما يواكب مستجدات عالم الثقافة، والأدب، والنشر، والترجمة. وإذا ما علمنا أنّ لغات العالم تتراوح ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف لغة؛ منها ما هوَ منطوق ومكتوب، ومنها ما هو منطوقٌ غير مكتوب، ومنها ما هوَ محليٌّ لا يتجاوز محيطه؛ مما يجعلنا نلتفُ إلى تلكم اللغات. أمّا اللغات الحيّة، أو ما يُعرَف بذلك، التي عددها لا يتجاوز بضع لغات، فحريٌ أن تمد يدها وفكرها للغات الأُخَر؛ لاسيما في عصرِ التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي. وما لاحظناه خلال السنوات القليلة الماضية، وبالأخص العام 2024م، من تطوّرٍ مُذهل في شتّى المجالات، وعلى رأسها وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي؛ الذي بادرت حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بالاهتمام به؛ فاستضافت قمّة تحت رعاية ولي عهدها وعرّاب رؤيتها، صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- المُهتم بكل ما هو تقنيّ ويخدم البشرية، إذ هدفت القمّة إلى تشكيل مستقبل يصبح فيه الذكاء الاصطناعي حافزًا إيجابيًا للتغيير، بما يزيد الإمكانات البشرية ويُعزز التنمية المستدامة من أجل خير البشرية. وما إنشاء (كرسيَّ اليونسكو لترجمة الثقافات)؛ إلا لتمهيد الطريق لأبحاث "مُبتكرة" في ترجمة الثقافات عبر تشجيع التعاون محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا بين الباحثين في دراسات الترجمة، والدراسات الثقافية، والتراث غير المادي، والعلوم الإنسانية والتقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي. وما تلكم المُبادرات بغريبة أو مُستحدثة، فإذا ما أصغينا السمع إلى محاضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرًا لمنطقة الرياض في الملتقى الأول للمثقفين السعوديين في الحادي عشر من شعبان للعام 1425ه؛ علمنا أن للثقافة وللعلوم كافة مكانةً في نفسِ قائد بلادنا وولي عهده الأمين؛ فهما الساعيان إلى كل مُبادرة تحمل شعلة العلم والثقافة؛ نقتبس من تلكم المحاضرة: "إن بلادكم منطلقٌ للثقافة، أثّرت بثقافات العالم وتأثرت بها، وهُنا لا أقول نتجمد ونتوقف، بل نخطو ونُجدد، ونتقدم ونعمل وننشر فِكِر، ونُبدع، انظروا إلى المفكرين بالقرون الأولى، ترجموا وبحثوا وحققوا في كثير من ثقافات العالم". ومن هُنا؛ علينا نحن المترجمين والمهتمين بالترجمة أن تكون تلكم العبارة أو المحاضرة ورقة عمل يُسار عليها، وعلى نهجها، وأن نأخذ زمام المُبادرة لمتابعة كل ما هوَ جديد ومُستحدث فيما يخدم الترجمة تقنيًا، وعلميًا.. وعليه، حبذا تكوين لجنة عُليا، تتبع هيئة الأدب والنشر والترجمة، تضمُ مترجمينَ ومتخصصين بالترجمةِ وفي الذكاء الاصطناعي؛ لملاحقة كل ما هوَ مُفيد ومُستحدث في المجالين، وما يخدمهما، على أن تُغذي هذه اللجنة أقسام الترجمة في جميع الجامعات السعودية بالمستجدات؛ حتى يكونوا على صلة بكل ما هو مُستحدث، ويُزوّد الطلاب والطالبات بكل جديد في هذين العلمين؛ ذلك أن الذكاء الاصطناعيّ يتطوّر تطورًا سريعًا وفعّالاً ومُذهلاً. فعلى الترجمة أن تكون في مقدمة السائرين في موكب التقدم الحضاريّ والثقافيّ؛ ولِمَ لا؟! فنحنُ في المملكة العربية السعودية التي تضمنت رؤيتها الوطنية 2030 (وطنٌ طموح.. واقتصادٌ مُزدهر.. لتكون النتيجة بإذن الله مجتمعاً حيوياً)؛ فلنكن كذلك، فنحنُ في ظلِّ حكومةٍ تُعطي بسخاء، حكومة تُشجّع وتُحفّز كل ما يخدم البلاد والعباد، وكل ما يخدم العلم؛ من أجل كل ما هوَ مفيد، يعودُ خيره للوطن، فليحمل المترجمون لواء المبادرة فيما يخدم اللغات كافة؛ في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعيّ، وليتابع المترجمون كل جديدٍ في هذا المجال. 1