من المواطنة الصالحة المحافظة على مكتسبات تراب الوطن، وبناء مستقبل أجياله ليبقى ساحة خضراء، ورد الوفاء لكيانٍ عظيم معطاءٍ بحُكّامه الرشيدين، وشعبه الكريم الميمون؛ ليكون أنموذجًا كونيًّا في التشييد والتقدم، ونعيش على أرضه بجودة حياة، وتحت ظله الوارف بخلود أزليّ، وتلك هي ما تسمو بها الأوطان إلى المعالي.. منذ بدء الأوطان في التأريخ وهناك اصطلاحات ومقولات عن الوطن وحبه والمواطنة، ولكن مفاهيمها التطبيقية تغيّرت على مر الأزمان والأوطان، وإذا كنا نتحدث عن الوطنيّة ومصدرها واشتقاقها وتغيرها فلا بد من معرفة أن هذا التغير أيضاً لا يلغي مطلقًا جوهرها ومعناها الحقيقي ولكنه يحددها بإطاراتٍ قد تكون فلسفيّة وجغرافيّة مختلفة.. ومن ثم يُخرجها عن السياق التقليدي إلى سياقٍ مستحدثٍ تم تكوينه بفعل المتغيّرات التي تحدث في العالم. كثيرون عرفوا الوطنية وخافوا من الانزلاق في حساسيّة التعبير عن مترادفاتها، فالشعور المتنامي الزائد عن الحد في الانفعال يخلط الأوراق بين الانفعال الحقيقي والافتعال الزائف، وكثيرون من تشدّقوا بحب الوطن وهم ليسوا كذلك على أرض واقع أوطان. "فلا تنخدعوا بنظرات الحنين الزائفة في وجه من يتظاهر بالوطنيّة، وهو غير ذلك..!"، هكذا قال أبو الأدب الأميركي مارك توين، وهكذا عبر عن حبه لوطنه. وهناك من تخاذلوا في حب الوطن وتبحّروا في خلق الأوهام والأعذار وهم مكشوفون ومخطئون بائسون.. وهناك وطنيّون حقيقيّون يتنفسون حب الوطن ويعيشون على أمجاده بكل جوارحهم وحيواتهم أكثر. التعبير السائد لحب الوطن مفهومٌ ناشئ من العمق الحقيقي للتفاني من أجله لتنشأ العاطفة التي تُلهم المواطن بما ينبغي أن يُقدّمه لوطنه في كل المجالات، ثم تنشأ حالة الانتماء "القصوى" التي تجعل الفرد بروح التفاني وكامل للتضحيّة من أجل الوطن وحكامه ومجتمعه؛ يحدّها المصلحة العامة بمنأى عن أي معان أخرى. فحب الوطن ليس تعبيرات رمزيّة لحظيّة.. بل هو ثورةٌ ذاتيّةٌ ملتهبةٌ في النفس تصدر من عمق الأرض ورحمها فترسلُ أشعة نورها إلى القلب فتحرك حرارتها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة.. تلك الوطنيّة والوطن، المصطلحُ الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، يتغنون بنشيده، يمجدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر مستديم يحتّم علينا تفهمه وتشبعه وإرضاعه للأجيال. أكبر روائيي الأدب الروسي والأدب العالمي ليو تولستوي يقول: "لا ينبغي علينا أن نحب الوطن حبًّا أعمى فلا نرى عيوبه ولا نسعى لإصلاحها، وتلك دائرة مهمة، تحتاج منا البدء بمعالجة إصلاح "أنفسنا" أولًا ثم محيطنا ثم ننتقل إلى كل رقعةٍ على أرضه وذرة في ترابه ونفتش عن العيوب التي أوجدناها ومشاكله التي أوجدناها، ونبحث عن الحلّ كقضية تهمنا كمجتمع وليس كأفراد، لأن الوطن يبدأ من حيث ينتهي الفرد ويبدأ بُحلمٍ كبير يستوعب أحلام جميع من يعيش على ترابه ويستظل تحت ظله العامر. فالمواطنة الصالحة.. أن يسعى الإنسان قدر جهده وفي مجاله ومسؤوليته للتغيير نحو الأفضل في وطنه ودفع الضرّ عنه بمقتضى العلم والعمل تحريكًا من ثوابت الدين والعقل والحكمة. المواطنة الصالحة المحافظة على مكتسبات تراب الوطن وبناء مستقبل أجياله ليبقى ساحة خضراء كما ورثناه، ورد الوفاء لكيانٍ عظيم، معطاءٍ بحُكّامه الرشيدين، وشعبه الكريم الميمون؛ ليكون أنموذجًا كونيًّا في التشييد والتقدم والتنافسية والبناء والنماء، ونعيش على أرضه بجودة حياة، وتحت ظله الوارف بخلود، وتلك هي ما تسمو بها الأوطان إلى المعالي. وطننا الحبيب.. يومك الوطنيّ ال94 هو كل أيامنا، يصعب علينا تفسير مشاعرنا نحوك، وقد تفيض علينا حتى البَكَم فلا نعرف حتى البوح بما في مكنوننا نحوك، فاعفُ عنا!.