الوطنية مصطلح اختلف على تعريفه الباحثون باختلاف مناهجهم الفكرية، فمنهم مَن جعل الوطنية جزء من العقيدة يوالي ويعادي عليها، ومنهم مَن عرَّفها بأنها تلك العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء الإنسان لبلده، أو أنها التعبير عن واجب الإنسان نحو وطنه، ومنهم مَن يرى أن الوطنية هي قيام الفرد بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، بحيث يكون هناك موازنة بين ما يمليه عليه الدين وما تفرضه حقوق وواجبات الوطن، والتي من الضروري أن لا تتعارض، بل تلتقي مع الصالح العام، وهناك آخرون يحصرون تعريف الوطنية بالنسبة لهم في مصالحهم أو في تاريخهم أو موقعهم الجغرافي، أو أنه المكان الذي يجني رزقه منه. هناك فرق بين الوطنية والمواطنة، فالوطنية شعور وممارسة، وحب ووفاء، وانفعال وجداني وارتباط عاطفي بالأرض والمجتمع، وضمير حي يتفاعل مع قضايا الوطن دون تردد أو تغيير أو تبديل في المواقف، أما المواطنة فهي قبول ورضا وسلوك وتصرفات وأداء فردي للواجبات اليومية، وتكيُّف ومرونة وتناغم، فالوطنية مشاعر تكمن في الانتماء للوطن والأرض، والتراث والحضارة، وتتجلى مظاهرها في الالتزام بالحقوق والواجبات واحترام القوانين السائدة في الوطن، والتوحد معه والعمل على حمايته والدفاع عنه في كل الأوقات، حرصًا على وحدته وتماسكه وتقدّمه، أما المواطنة فهي مشتقة من فعل (واطن)، أي عاش، وهي تعني علاقة بين الفرد والدولة، كما يُحدِّدها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق -متبادلة- في تلك الدولة. بعض الناس تراه ينادي بتعزيز الوطنية والمواطنة، ولكنه في نفس الوقت تجد مواقفه تجاه قضايا الوطن متعددة ومتذبذبة ورمادية وغير واضحة، ففي الوقت الذي يحتج فيه بشدة على تصريحٍ ما، تراه يدعم نفس التصريح إذا وافق هواه، أو جاء من طرف آخر، وفي الوقت الذي ينكر موقفًا ما، تجده يساند نفس الموقف إن صدر من أحد المقربين إليه، بل إنه أحيانًا قد يجيز لنفسه فعل المخالفات، اعتقادًا منه أن ذلك في مصلحة الوطن. الوطنية الحقيقية أكبر من مثل هذه المواقف المتقلبة، فهي ليست شعارات رنانة أو إعلانات جوفاء، بل هي شعور حقيقي بالانتماء للأرض والمجتمع، والوطن الذي نعيش فيه، ونضحي من أجله، ونبذل الغالي والنفيس لحمايته والدفاع عنه، وهي ثبات على المواقف والعهود وقول الحق ومحاربة الباطل والفساد، والحرص على تراب هذا الوطن من حقد الحاقدين والمفسدين.