الصورة قصة تحكي لنا التفاصيل دون كلمات، وتدمجنا في الحدث الذي لم نحضره، وتوثق لنا لحظة المناسبة التي نوجد بها. ونحضر جميعًا ويغيب شخص واحد؛ هو البطل الحقيقي للمشهد، وهو الشخصية التي تدور بين زوايا المكان وتختار بعناية أين تقف وكيف تقف، فنجدها مرة تجلس القرفصاء ومرة تحتال على ضيق المكان بتموجات جسدها للوصول إلى نقطة ارتكاز من أجل صورة ترضى عدستها ومن خلفها عينها الفاحصة وملكتها الإبداعية –مصور أو مصورة-. لست بحاجة إلى القول إنه المصور، المصور الذي يستطيع أن يقتطع لنا من الزمن لحظة ويضعها على رف الذكرى، ويمنحنا فرصة النظر إلى زمن مضى كان من المستحيل أن نراه بأم العين لولا هذه الأداة العجيبة التي فهم مبتكر أسسها آلية عمل العين وفيزياء انتقال الصورة من خلال الضوء ليضع لنا العالم المسلم ابن الهيثم أسس صناعة «القمرة» التي أصبحت الكاميرا، والتي استهوت الكثير من عشاق صورتها وصوت فلاشها ومنهم ابنتي التي أتذكر أنها مرت بحالة من اندماج مع هذه الآلة العجيبة، وأتذكر أن الكاميرا التي اشتريناها كانت في حدود الأربعة آلاف ريال، وعندما بدأنا الدخول في هذا الجو عرفنا أن هناك عدسات تصل أسعارها إلى خمسة عشر ألف ريال سعودي ومنها ما هو أقل من هذا السعر وما هو أكثر من هذه القيمة. لم تستمر ابنتي في الاهتمام بالتصوير كما في حالة البدايات لكنها ما زالت تلتقط لنا الحياة والزمان والمكان بكل إبداع من خلال «قمرة» جوالها، ونحن بدأنا كذلك نلتقط صورنا من خلال عدسات جوالاتنا، ولكن يظل للقمرة أسيادها ومحترفو تحريك عدساتها. عبدالرحمن غانم أعادني إلى ذكريات صحفية طوتها صفحات سنوات مضت عندما كنت أختار ما يسر الناظرين من الصور وأرشحها للنشر في مجلة سعودية شهيرة، وعندما كنت أتوقف عند اختيار الصورة المناسبة للمادة الصحفية التي أرسلها لإحدى أشهر الجرائد الكويتية. كرمت نبل الثقافية ممثلة في قبطانها المستشار منصور الزغيبي المبدع غانم، تكريم مستحق لمبدع جمع الاحترافية وحسن الخلق وجمال الحضور، وعادت ذكريات الصور تلتقط الذكريات وبعض الأسماء لمصور لم ألتقه، ولكن أحيا ذكراه الطيبة شقيقه الكاتب المبدع بندر العزاز؛ إنه المصور المؤسس صالح العزاز. الاسم العلم في عالم ثقافة الصورة وفلسفة التصوير رحمه الله، واستدعت الذاكرة اسم مصور آخر لم ألتقه إلا من خلال مادة صحفية طلبت من إحدى الزميلات تنفيذها فاختارت المصور عيسى كوويت، لأجد بعد متابعتي لبعض التقاطاته مبدعاً حقيقياً، ومصوراً حاضراً. المصورون في الأرض؛ وتقف الكلمات عاجزة أن تجاري جمال حضورهم وقيمة وجودهم.