في إطار مبادرة الشريك الأدبي تناول الناقد والشاعر د. أحمد القيسي في مقهى "كوفي هود" بنية المشهد في قصيدة الهايكو، واستعرض رؤية حول هذا النوع الأدبي، معرفاً الهايكو كنص وصفي موجز يعتمد على الصورة الحسية، حيث يرتكز على مشهد واحد أو اثنين مستلهمين من الطبيعة أو الحياة اليومية، ليعكس من خلالهما المبدع رؤيته الخاصة. أشار المحاضر إلى أن الهايكو نص إنساني عالمي يرفض الأدلجة السياسية أو الدينية، ويمثل صورة كونية يمكن أن تتجاوز الحدود الثقافية. ورغم ذلك، فإن النص لا يجعل كاتبه معزولاً عن الأحداث العالمية، بل يعبر عن تلك الأحداث بطريقة غير متحيزة، من خلال زاوية إنسانية شمولية، حيث يترك القارئ لتأمل المشاهد وإكمال الدلالات. وتناول المحاضر كذلك تعريف المشهد في الهايكو بأنه لقطة حسية أشبه بعدسة الكاميرا، ما يميز الهايكو هو تقديم صورة حسية ملموسة تعتمد على البساطة والوضوح، سواء كانت بصرية، سماعية، أو معتمدة على حواس أخرى مثل الشم والتذوق. كما أكد على أهمية التفاعل بين الكاتب والقارئ في إكمال النص. ولفت الدكتور القيسي إلى أنه ليس بالضرورة أن يعبر شاعر الهايكو عن رؤيته الخاصة لفظاً، فأحياناً نستشفها من المشهد الذي اختاره، مبيناً أن المشهد في الهايكو هو لقطة أشبه ما تكون بلقطة عدسة الكاميرا، تنقل لنا صورة واقعية، والجميل أن الهايكو لا يعتمد فقط على الصورة البصرية، فقد تأتي مكونات الصورة سماعية، أو بأي حاسة من الحواس، وهو ما يتفق معه الباحث حسني التهامي بأن" : (نص الهايكو لقطة يعتمد الشاعر فيها على حواسه بعيداً عن الوصف التجريدي الغامض، وهذا النقل الحسي يتيح للقارئ إمكانية التخيل والتأمل والتعمق فيما وراء المشهد، ذلك لأن نص الهايكو ذو أبعادٍ فلسفية تأملية عميقة، يبتعد عن المجاز الصريح الذي يذهب بالنص وجمال مشهديته، وهو مشهد يُصاغ بلغة لا تكلف فيها، تتسم بالبساطة والسهولة، ويتكون الهايكو من مشهدين، أحدهما أمامي، والآخر خلفي، ويكون المشهد الأمامي ليس -كما يقول البعض- ديكوراً لزخرفة المشهد الأساسي (الخلفي/ الحدث) بل يأتي لإكمال صورة البهاء المشهدي في النص، فنص الهايكو نص مختزل ومكثف، لا حشو فيه، ولا زخرفة، فكل كلمة لها دلالة ومغزى داخل النص). وعن المشهد البصري، المرئي يشير القيسي إلى أنه هو المشهد الذي يدركه شاعر الهايكو بالنظر والمشاهدة، والمتأمل في النصوص التي مشاهدها بصرية يجد أنها ما أن تكون عناصره البصرية كلها ثابتة، أو تكون مزيجا بين الثابت والمتحرك، ولكل مشهد منها جمالياته. الحسني: أدب عالمي يعكس كونية الثقافة والإنسانية بعدها فتح باب المداخلات بدأتها الشاعرة الرائدة د. فوزية أبو خالد التي أبدت سعادتها بهذه النقلة في الطرح الثقافي والزخم الذي يعيشه المشهد الثقافي بشكل غير مسبوق مشيرة إلى أن المجال الإبداعي الجديد غالباً ما يجابه تحديات كبيرة، لافتة للمشتركات التي تجمعها مع مثل التحديات من خلال تجربتها في كتابة القصيدة النثرية الحديثة بدءاً من ديوانها "إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟" الذي يفوق صعوبة هذه اللحظة المواتية التي نعيشها، إذ كنا نشعر بأننا نعيش حالة كبيرة من الغُربة، وهو ما قد يواجهه أحمد القيسي وغيره من تأسيس لمرحلة جديدة لفن جديد علينا يحتاج معه الكثير من الداب والجهد والنضال الطويل الابداعي إن صحّ التعبير. واعتبرت أبو خالد أن حضورها لهذا اللقاء بمثابة مناصرة وتعضيد لهذا الجهد وهو ما يجعلنا نغتبط بأن مجتمعنا متفتّح وعياً على مثل هذه الفنون والأجناس الأدبية التي تتعايش جنباً إلى جنب في ثقافتنا. أما الزميل عبدالله الحسني مدير تحرير الشؤون الثقافية فقد اعتبر قصيدة الهايكو بأنها قصيدة تتجرد من عبء الأيديولوجيا، وتتجلى كأدب عالمي يعكس كونية الثقافة والإنسانية. وأضاف: هذه القصيدة لا تعبر عن انتماء سياسي أو عقائدي؛ بل تسهم في بناء ما يُعرف ب"المُواطَنة العالِمة" أو المجتمع الكوزموبوليتاني، حيث يتجاوز الأدب الحدود الضيقة ليصل إلى جوهر الإنسانية المشتركة. وختم الحسني بأن قصيدة الهايكو ليست مجرد صورة حسية، بل هي تجربة ذهنية وفكرية، تقدم مشهدا أو مشهدين يفتحان فجوة بينهما، تدعونا للتأمل والتفكير؛ فالشعر هنا ليس مجرد لغة، بل أداة لإثارة التساؤلات، وتحفيز العقول على الغوص في أعماق المشهد والتجربة. أما الكاتب عوضة الدوسي فقد أشاد بتجربة القيسي في الركض في مضمار القصيدة وسعيه الدؤوب نحو التأثيل لهذا الفن الشعري الحديث، معتبراً نادي الهايكو بات منارة وإشعاعا ثقافيا للتبصير بفن جميل لكنه بحاجة لمزيد من الجهد لترسيخه والتعريف بمواطن جماله وتقنياته، لافتاً أن قصيدة الهايكو تستبطن كامل شروط اللا مرئي باعتباره شاحذا لذهن المتلقي ويقدح في ذهنه المعارف وبما يرقى لمستوى التداعيات الموجودة ويلهمنا لمواقف مختلفة تقرأ ما وراء الأحداث فيستبطن اللا مرئي ومن ثم يقوم بدوره الانساني والمشاركة في الوجع الإنساني بكافة تداعياته. عبدالله الحسني مداخلاً د. فوزية أبوخالد نعيش عصراً ثقافياً زاهياً عوضة الدوسي: الهايكو استبطنت اللا مرئي