في حياتنا حقيقة نحتاج إلى تفعيل فكرة الغرابيل الثلاثة وأكثر من ذلك بإضافة الوعي الديني الذي قد يضم تساؤلات أخرى تمثل غرابيل راسخة في المعنى والعلة والنتيجة والغاية لا تقف عند الحقيقة والحسن والفائدة؛ بل تقاس بمسطرة الثواب والعقاب، والجائز والمحرم، والمعروف والمنكر، ويعززها وزنها وحكمها الشرعي.. في أحد الأيام جاء شخص إلى سقراط وقال له: "هل تعرف ما علمته اليوم عن صديق لك؟ لحظة، أجاب سقراط، قبل أن تروي لي ما حدث أريد أن أختبر ما ستحكيه بواسطة الغرابيل الثلاثة. - الغرابيل الثلاثة؟ - أجل، أجاب سقراط. قبل أن تحكي أي شيء عن الناس من الأفضل أن تقوم بتصفية معلوماتك.. وهذا ما أسميه اختبار الغرابيل الثلاثة. الغربال الأول هو غربال الحقيقة. هل تأكدت من أن ما تريد قوله حقيقياW؟ - لا، أن فقط سمعته.. - حسناً؛ إنك لا تعرف هل ما سمعته حقيقة أم لا؟ فلنقم بتصفية ما ستقوله مستعملين الغربال الثاني، غربال الحسن.. ما عرفته عن صديقي هل هو شيء حسن؟ * كلا، على العكس تماماً. - إذن فأنت تريد أن تحكي أشياء قبيحة عن صديقي وأنت لست متأكداً من أنها الحقيقة.. ربما تريد اجتياز الغربال الثالث لأنه مازال هناك واحد يدعى غربال المنفعة.. ما ستحكيه عن صديقي هل فيه فائدة ما؟ لا، لا فائدة فيه. ختم الحكيم سقراط قوله: إذن، إذا كان ما تريد قوله لي غير حقيقي وغير حسن وغير مفيد فلماذا تريد أن تقوله لي؟ هذا الموقف قد يقودنا إلى التفكير الإيجابي في مجريات الحياة لنتعامل مع المواقف المزعجة بطريقة أكثر وعياً وفهماً يجعلك تستشرف بحول الله شيئاً من النتائج النهائية المقبولة. ويبدأ التفكير الإيجابي دائمًا بمشاغبة الذات لتمحيص قدراتها وثباتها وتوازنها لتستطيع التقييم الواقعي من خلال تدفق حاذق ليس له نهاية للأفكار العميقة، والاستفهامات المفيدة التي تبرز داخلنا لإيقاظ العقل القويم، والقلب السليم فسقوط النفس في الحكم الجائر نتيجة مفاهيم خاطئة قد تتشكل لدينا بسبب نقص المعلومات، أو توقعات ناتجة عن أفكار المسبقة عما قد يحدث. كم من الحالات التي تدفع بعقولنا وقلوبنا للحكم على كثير مما يواجهنا أو يصلنا دون وجود ما يمكن أن نسميه شعبيا "مشخال" الذي يمثل عملية فرز حقيقية، وغربلة واقعية تعيننا على اختيار الاتجاه الصحيح ومنع تقبل المشاركة في سوء التقدير لما نتعامل معه. ونحتاج حقاً أن نقيّم أنفسنا فيما يتوجب التفكير به بشكل متكرر خلال اليوم. وإذا وجدنا أن أغلب أفكارك السلبية تكاد تغرقنا وتغلبنا فلنحاول إيجاد طريقة لوضع لمسة إيجابية عليها بتقدير المواقف والظواهر والبواطن كذلك. إن واقعنا اليوم وشدة التفاعلية التي نعيشها في حياتنا وتلقي تغذية معرفية هائلة ومتنوعة من مصادر مختلفة ومكثفة تعيدنا إلى التوقف وفهم حالة الدوران التي نعيشها بارتباك تثبت لنا أننا نحتاج إلى مرشحات إدراكية تتعامل مع ما نسمعه ونشاهده عن أنفسنا وعن الآخرين. كما أن المنطلق الديني يحثنا ويوجّهنا نحو التعاطي مع الغير بأسلوب محكوم بالضبط الشرعي المبني على الأمر بحسن الظن ولين الجانب ودفع المفسدة وجلب المصلحة، والنهي عن الظن الكاذب، والغيبة والنميمة والكذب وغيرها، والقائم على التروي والتبين والتثبت عندما نحكم على فعل أو قول أو حدث أو شخص وغيره. في حياتنا حقيقة نحتاج إلى تفعيل فكرة الغرابيل الثلاثة وأكثر من ذلك بإضافة الوعي الديني الذي قد يضم تساؤلات أخرى تمثل غرابيل راسخة في المعنى والعلة والنتيجة والغاية لا تقف عند الحقيقة والحسن والفائدة بل تقاس بمسطرة الثواب والعقاب، والجائز والمحرم والمعروف والمنكر ويعززها وزنها وحكمها الشرعي فحتى لو كان الكلام حقيقيا ألا يكون غيبة، وأليس من ينقل الكلام قد يدخل في دائرة النميمة والمنكر. ولاشك أن اتساق وتناغم الحياة بين الناس يتطلب وجود غرابيل عديدة ومرشحات كثيرة تسهم في صناعة مساحة نموذجية ممتلئة بالإيجابية والوعي وحفظ الدين. ومؤكد أننا نحتاج إلى غرابيل تمدنا بطاقة هائلة تمنعنا من السقوط في مستنقعات التلقي البشري من مصادر شديدة التأثير، وشاسعة التأويل سواء مجالس عامة، أو ملتقيات فردية أو اجتماعية، أو وسائط ومنصات ووسائل تواصل واتصال متفرقة.. لنتخيل حجم ما نتلقاه من مضامين ومحتوى قد يصلنا من الآخر ونضطر إلى برمجة القبول والرفض بناء على تهذيب الغرابيل الموضوعة للوصول إلى القيمة التي نرجوها. ويبقى القول: قبل أن ترتطم عقولنا وعواطفنا بانطباعات وقناعات وخبراتنا خاطئة توجب علينا وضع مايمكن وصفه ب"المشخال" كمرشحات عقلية وسلوكية ووجدانية تضمن لنا بعون الله تحقيق نتائج عادلة لتقييم تعاملنا مع الآخر.