اشتهر الفيلسوف اليوناني سقراط بحكمته، وفي إحدى المرات أراد سقراط أن يختبر صديقه الذي عرف بنقله أخبار الناس وإثارة الإشاعة، فقال سقراط لهذا الرجل قبل أن تخبرني عن أي شيء أريدك أن تجتاز اختباراً صغيراً يسمى (امتحان الفلتر) الثلاثي، الفلتر الأول هو الصدق، فهل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟ فقال الرجل: لا، فالواقع أنني سمعته من شخص آخر، فقال سقراط: حسنا إذًا أنت لست على يقين بأن ما ستخبرني به صحيح أو خطأ. لنجرب الفلتر الثاني (فلتر الطيبة)، هل ما ستخبرني به شيء طيب؟ فقال الرجل: لا، على العكس، فتابع سقراط: إذًا كنت ستخبرني عن شيء سيء رغم أنك غير متأكد من صحته، وتابع سقراط قوله: مازال بإمكانك أن تنجح بالامتحان، فهناك فلتر ثالث، (فلتر الفائدة)، هل ما ستخبرني به سيفدني؟ فأجاب: لا، فقال سقراط: إذًا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا ذي فائدة أو قيمة، فلماذا تخبرني به من الأصل؟! فسكت الرجل وشعر بالهزيمة والإهانة. لهذا السبب كان سقراط فيلسوفا يقدّره الناس ويضعونه في مكانة عالية فلنتعلم من الحكماء وما اهدونا إياه من منافع، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. أسوق هذه القصة لأخذ العظة منها وقد جاءت في وقت كثرت فيه الشائعات أو تسريب لمعلومات محددة بهدف معرفة ردود الأفعال عليها، ولم يبقَ مرفق من المرافق إلا وأحاك شيئا من هذا لاجتراره فيما بينهم حتى إذا ما خلصوا من واحدة جاءت الأخرى وليتلاهى الناس فيما بينهم، ومما يؤسف له أنه حتى بعض المثقفين ورجال الفكر ينخرطون في هذا اللهو، ولابد من وقفة مع النفس للمراجعة، فما يحصل حولنا من افتعال لبعض القضايا أو تعطيل لمصالح الناس قد يفضي إلى نتائج غير حسنة حيث تكثر الأمراض الاجتماعية وتضعف الانتاجية وتزداد العلل النفسية وكلها مؤثرات تعيق عجلة التنمية البشرية التي تعد الأداة الأولى للتغيير إلى تنمية مستدامة. هل يسعى الراشدون في وسائل الإعلام لاسيما المسموعة منها والمقروءة ويخضعونها لاختبار الفلتر الذي أشرنا إليه. فيما روي من سقراط الحكيم؟ لنتدبر معا ونتأمل كتاب الله ونتوقف قليلا في سورة لقمان والآية (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه..) إلى آخر العظات التي تم سردها وغير ذلك من المواقف والعظات، لا ينبغي العبث بمقدرات الناس. وغير المقتدر أمانة في عنق المقتدر فلنتقِ الله ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.