حظيتُ بشرف حضور الحفل الختامي للدورة الرابعة من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية؛ وشهدتُ احتفاءً رفيعًا بالهوية الثقافية السعودية، وتجسيدًا لروح الإبداع لدى أبناء هذا الوطن من الذين ساهموا في رسم ملامح مشهد ثقافي زاخر بالتنوع والابتكار. نظمت وزارة الثقافة حدثًا غير عادي يشع بالفخر والاعتزاز، ويعكس رؤية عميقة للقيادة في تعزيز الثقافة كأداة للتنمية الشاملة؛ حيث جمعت نخبة من المثقفين والمبدعين في مختلف المجالات، ليشهدوا تكريم زملائهم الذين شرفونا بإبداعاتهم، ولم يكن الحفل مناسبة بروتوكولية عادية، بل كان حدثًا مليئًا بالرسائل التي تعكس الأهمية التي باتت تحتلها الثقافة والإيمان بدورها الحيوي في تشكيل هوية الأمة. هذه المبادرة الثقافية ليست مجرد جائزة، بل هي جزء من استراتيجية وطنية واسعة النطاق تهدف إلى تطوير المشهد الثقافي في المملكة، عبر تكريم المبدعين والمبدعات وتسليط الضوء على المواهب الشابة، وتأكيد أن الثقافة في بلادنا لم تعد عنصرًا ثانويًا، بل أصبحت محورًا رئيسًا في رؤية المملكة 2030، التي تضع الثقافة في صدارة الأولويات حيث لم تعد الثقافة مجرد إضافة جانبية، بل أصبحت عنصرًا أساسيًا من عناصر التنمية المستدامة، تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز الهوية الوطنية وفتح آفاق جديدة للحوار الثقافي على المستويات كافة؛ فالثقافة هنا ليست موروثًا تاريخيًا فقط، بل هي قوة ديناميكية تعمل على بناء المستقبل، من منطلق أن الاستثمار في الثقافة ليس وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية فقط، بل يشكل أيضًا فرصة لتحقيق عوائد اقتصادية كبيرة من خلال دعم الصناعات الإبداعية، مثل: صناعة السينما والفنون والموسيقى والسياحة والترفيه، مما يجعل الثقافة رافدًا مهمًا في تنويع الاقتصاد الوطني، ويؤكد أن دور الثقافة يتجاوز الإبداع الفني ليشمل مساهمتها في ازدهار المجتمع ككل. وقد تفوق سمو وزير الثقافة في تجسيد رؤية الوزارة في تعزيز الثقافة ليس كإرث تاريخي أو فعل ماضٍ فقط، بل كقوة دافعة نحو المستقبل، وأثبت مع زملائه عبر هذا الحدث كيف أن الجوائز الثقافية الوطنية ليست مناسبة لتكريم المبدعين والرواد فقط؛ بل تُشكل حافزًا مستدامًا لتطوير قطاع الثقافة وتحفيز الإبداع في مختلف المجالات. ومما يجعل هذه الجوائز سابقة في مجالها هو تنوعها؛ حيث شملت هذا العام 16 جائزة تغطي مختلف المسارات الإبداعية، بدءًا من الأدب والمسرح والفنون البصرية، مرورًا بالموسيقى وفنون الطهي، وصولًا إلى الأفلام والأزياء والتراث الوطني، وهذا التنوع يعكس عمق وثراء المشهد الثقافي في المملكة، ويُبرز الأهمية المتزايدة للثقافة كرافد مهم من روافد التنمية، ويساهم في نشر الوعي بأهمية كل جانب من جوانب الثقافة، ويعزز من دور الفن والإبداع في تشكيل مجتمع متوازن ومزدهر. لقد شهدنا مزيجًا من اللحظات السعيدة والمبشرة بمستقبل الحراك الثقافي في المملكة، لكن تكريم الشباب ووجودهم الفاعل كان مؤشرًا واضحًا على أن المستقبل السعودي يحمل بين طياته جيلًا جديدًا من المبدعين الذين سيواصلون كتابة تاريخ المملكة الثقافي بإبداعهم وروحهم المتحفزة لاستغلال هذا الفضاء الإبداعي الخلاق. نحن اليوم أكثر اقتناعًا بأننا نسير بخطى ثابتة نحو مستقبل ثقافي مشرق، حيث كانت المناسبة تأكيدًا على أن السعودية، بقيادتها الحكيمة وتوجهاتها الطموحة، تضع الثقافة في قلب استراتيجياتها التنموية، مدركةً أن الإبداع هو أحد أهم مقومات التطور الحضاري والتنموي. ولا شك أن حضور الحفل الكثيف والمشاركة الواسعة من مختلف فئات المجتمع الثقافي يعكس بوضوح الإيمان بأن ثقافتنا السعودية في طريقها إلى أفق جديد من التميز والابتكار والمشاركة، وأن هذه المبادرة ليست مجرد تكريم للماضي، بل هي احتفاء بالحاضر واستشراف للمستقبل، وهي مؤشر قاطع على أن الثقافة السعودية بهذا الدعم والتمكين تتجه نحو الحضور الفاعل وتحقيق إنجازات تليق بمكانة المملكة وريادتها.