برزت كثير من الأسماء الشابة المبدعة في مجالات الأدب والفن والثقافة واستطاعت أن تلفت الانتباه بتحقيقها لمراكز متقدمة أو بنيلها لجوائز ثقافية وإبداعية عربية. ورغم بعد البعض منهم عن منصات التكريم إلا أن هذا الغياب يضع تساؤلاً مشروعاً أين هم من التتكريم؟ وإلى متى يبقى حلم تكريمهم رهناً بالتفاتة أو مصادفة غير متوقعة؟ وهل سيأتي اليوم الذي يصبح الاحتفاء بهم مستحقاً في المحافل والمهرجانات والمناسبات الوطنية دون ارتهان للعمر أو المدة الزمنية. لماذا لا يكون الإبداع هو المعيار في التكريم دون سواه؟ هذا الإيمان بأهمية تكريم الراحلين والإشادة بالمبادرات والجهود العربية المختلفة لتكريم رموز الفكر والأدب من كبار السن أو حتى المتوفين. لكن تبقى قضية الإقصاء والتجاهل لتكريم الشباب المبدعين مسألة تحتاج وقفة جادة من قبل المؤسسات الثقافية والأدبية سعياً حتى يحظى المبدع أياً كان عمره بما يستحقه من احتفاء وتكريم.؟ النهاري: علاقات الزيف خدمت المتطفلين بداية أكد الروائي والكاتب د. شاهر النهاري - أن فكرة هذا التحقيق الصحفي تحز في أنفس الكثير ممن ساهموا في إثراء الثقافة العربية والسعودية بشكل خاص، وممن عاشوا الإهمال بطغيان نظام الشللية على معظم الجهات، ذات العلاقة بالجوائز والتكريم، حتى أن الكثير وأنا أحدهم صرنا ننتظر أن نوارى الثرى، قبل أن ينظر أحد المعنيين في نتاجنا الثقافي، ويعرف كم تعبنا وضحينا أثناء دخولنا هذا المجال، الذي من المفترض أن يقر بقيمتنا الأديبة في حياتنا لا بعد الممات. وقال: إن الأمر بات محيراً وعجيباً، والحالة عامة، وكثير من المتطفلين على الثقافة والأدب من خلال علاقات زيف تجعلهم يمتلكون من الشهادات التكريم والجوائز، ومن دعوات حضور المناسبات والتلميع في الملتقيات الأدبية أكثر من أوراق إنتاجهم عشرات المرات! وبالتالي فإن المبدع، الذي يقدر نفسه، ويظل يناضل بنتاجه في الثقافة والأدب، لا يتم ذكره مهما بلغ نتاجه من أهمية. ويرى النهاري أن العلة العظمى تكمن فيمن يقوم بالتكريم، ومن يقوم بتنسيق المناسبات، والبحث عن المستحقين، وكيف يتم التعامل مع الفضاء الثقافي، بنزاهة تُنزع خلالها فكرة أهمية المسؤول، وأن من يتقرب منه هو من يصل. وأشار النهاري إلى أن رؤية المملكة وما حاربته من فساد، لم تصل بعد لمحاربة هذا النوع من الفساد الإداري المبطن، والذي يجعل الشباب يصطفون أمام أبواب من في أيدهم التكريم، ويجعل كبار السن ينزوون رافضين استجداء تكريمهم أو على الأقل إلقاء الضوء على منتوج إبداعهم. وتابع بقوله: إن الغالبية العظمى من كبار مثقفي العالم العربي والسعودية لم يتم تكريمهم بالشكل المناسب في حياتهم، ولا في شبابهم، متسائلاً ما النفع أن يتم ذلك وهم على سرير المرض، أو بعد رحيلهم، وكم من الحسرة والندم ستسكن قلوب أهاليهم عندما يحدث ذلك متأخراً أو في الوقت الضائع، كما حدث لكثير من مبدعينا؟، ولعل غازي القصيبي يعود لنا عند كل مسألة ثقافية ليطرح على المخيلة السعودية المثل الأعظم، فلعل المسؤولين ينظرون بعبرته لمن يكادون أن يودعوا الساحة الثقافية بكسوفهم، ولأجيال من الشباب الواعد بالتحفيز والتشجيع الحقيقي المثمر، ووضع أسس عدالة وشمولية في ذلك، فلا ينالها إلا المبدع الحقيقي. العدوان: المنجز الإبداعي هو المقياس ويقول القاص والكاتب المسرحي الأردني مفلح العدوان في السياق ذاته أنه يؤمن أن المنجز الإبداعي وتميزه ودرجة التجديد فيه هو المقياس الذي لا بد أن يحكم التوجه نحو التكريم للمبدع، بعيداً عن حسابات العمر أو الجغرافية أو التوجه السياسي، حيث إن هناك كثيراً من التجارب الجديدة استطاعت أن تضع إبداعاتها على خريطة التميز والسبق وتقديم اللافت الذي يتجاوز المساحة الجغرافية المحددة لهؤلاء المبدعين. ووفق هذا الإطار التقييمي النوعي يرى العدوان أنه من المهم أن تتلاشى الفوارق العمرية بين المبدعين، وهذا لا يعني بالضرورة التنكر والإلغاء لجيل على حساب جيل آخر، فهناك أيضاً من المبدعين كبار السن من استطاع أن يشكل حالة واستمرارية في عطائه الإبداعي، وبالتالي فهو في مقياس التقييم النوعي يستحق التقدير أيضاً، ولكن ما يؤسف له ترسخ حالة من التقديس لبعض الرموز التي صادرت حقوق جيل كامل من الإبداع الجديد، وأحياناً يتم إلغاء مبدعين من أبناء الجيل نفسه من مبدعين متميزين لحسابات بعيدة عن الموضوعية والرؤية النقدية المتزنة. وقال: إن هناك حالة غربة يعيشها جيل الشباب في كثير من الساحات الثقافية العربية، غربة ولدت نوعاً من عدم الثقة أو الإيمان بمعايير التقييم والتكريم، وأفرزت ظاهرة التمرد على صعيد الإبداع وطرق التعبير عنه، خصوصاً مع توافر طرق النشر غير التقليدية عبر قنوات وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت والجوائز ذات الصبغة الشمولية والتي يتنافس عليها المبدعون من كافة الأعمار، والتي أفرزت أسماء شابة استطاعت أن تتنافس مع كتاب كبار في السن، وتثبت حضورها وتفوقها، بحيث تميزها رسخت بنوعية كتابتها وتجديدها وجرأتها. فيما يجزم بأن الأساليب التقليدية في التكريم لم تعد مجدية، وأنه لا بد من اجتراح معايير مختلفة وجديدة ومبدعة في تكريم الإبداع والمبدعين، وأن هؤلاء الشباب المبدعين هم الذخيرة الحية التي لا بد من الالتفات إليها، وفق معايير الجودة والفن بالنسبة للشكل والموضوع، وعلى المؤسسات الرسمية والأهلية أن تعي ذلك، ومعها أيضاً المؤسسات النقدية والإعلامية، لكي تكون الحالة صحية وفيها إعلاء لقيمة الإبداع والمبدعين. د. قران: التوسع في جوائز الشباب يسد الفراغ ومن جانيه أكد أستاذ الصحافة والإعلام في كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة د.أحمد قران الزهراني أنهُ لا يعترض على تكريم الرواد والأسماء الكبيرة التي قدمت جهوداً كبيرة للثقافة بكل أشكالها وهي تنتظر الاحتفاء نظير تاريخها الطويل وتضحياتها الكبيرة لكن هذا لا يعني إهمال الشباب من التكريم في حالة تميز أحدهم أو حصوله على جوائز أو قدم عملاً متميزاً.. وأضاف بأن الأمر ليس بهذه السوداوية فهناك جوائز مخصصة لفئة الشباب وربما التوسع فيها يسد بعض الفراغ أو ربما يزيد من الفرص لتكريم عدد أكبر في كل المجالات الثقافية منوهاً بأن الاهتمام بالمثقف لا يجب أن يقف عند حد معين وسن معين وإنما على المؤسسات الثقافية أن تحتفي بكل الأجيال وفق اشتراطات تجعل التكريم يذهب لمن يستحقه. د. باعشن: الإعلام لا يضخم قيمة المثقف وقالت الأديبة والكاتبة د.مها باعشن- أن تقليد الأديب أو المبدع بعد وفاته هي فعلاً ظاهرة غريبة وليس لها تعريف واضح لأسبابها.. كما أنها لا ترى بأن لها ارتباطاً بتقليد ثقافي. غير أنها عادة متعارف عليها عند جمعيات التكريم أو المؤسسات الفكرية. وكأنهم بذلك يعزون أنفسهم عن هامة ثقافية أعطت الكثير من فكرها ووجدانها وخيالها وإبداعها اللا متناهي للنهوض بالذوق العام. تلك الهامة التي لم تكن تنتظر أكثر من كلمة جميلة تقال في حق مسيرتها أمام الجمهور العام وتشعرها بنبض جمال ما سطرت في حياتها.. لكن للأسف تأتي هذه الكلمة في حفل كريم مليء بجموع من البشر. تصفق بحرارة لهذا الاسم العابر الراحل عن عالمنا.. هذا الاسم الذي كان هو الأجدر والأحق بالتواجد في هذه اللحظة.. أما عن تكريم المبدع الشاب أكدت باعشن أن هناك بعض المؤسسات والمجهودات الفردية التي تكرم المبدع سواء مادياً أو معنوياً. لكن تلك القيمة المعنوية المهمة بالنسبة له يبقى جزءاً منها في العتمة لأن الإعلام لا يضخم قيمه المثقف أو المبدع أو المبتكر. وبالتالي يحدث لديه نوع من الإحباط يشعره بأن خيبة الأمل موجودة لأن جهده لم ير النور بالكامل. د. الشعلان: خارطة الاهتمام تتجه للمصالح وتوافق هذا الرأي الأديبة وأستاذة الأدب الحديث بالجامعة الأردنية د.سناء الشعلان قائلة: إن المشهد العربي كاملاً بما فيه المشهد الثقافي العربي يكرسه القلّة لخدمتهم، ويقصون الباقين أكانوا مبدعين عظاماً أم عالات على الإبداع، وهذا يؤدي إلى أن يكون كلّ ما في هذا المشهد لا سيما التّكريم والجوائز والدّعم والوظائف الثّقافيّة والإقامات الإبداعيّة وكلّ أشكال التّواجد الإبداعيّ حكراً على من يديرونها أو يصمّمونها، ولذلك نجد شروط المسابقات الكبرى مصمّمة على مقاس من يريدون أن يزفّوا الجائزة له، بل أحياناً لا يكون الهدف منها هو دعم المبدع أو تكريمه كما يجب أن يكون واقع الحال، بل التّواري خلف هذا المبدع العجوز، وتكبير الجائزة باسمه، وشرعنتها بحضوره العريض، ولذلك تصمّم جوائز لتكون على مقاس ذوات بعينها، في حين يظلّ المبدع الشّاب بعيداً عن أيّ خارطة اهتمام حقيقيّ أو مزوّر به. وهذا الأمر لا يقتصر على الجوائز فقط، بل يمتدّ إلى شتّى أنحاء العمل الثّقافي والوجود الإبداعيّ؛ فنجد الاهتمام النقّدي والجماهيري والأكاديميّ هو منساق تماماً لقوى خارطة أصحاب المصالح والنّفوذ في الوسط الثّقافي الذين يكونون في الغالب موظفين في درجة مبدع أو محرّر أو مثقّف أو إعلاميّ أو مفكّر أو مدير صفحة ثقافية أو جسم ثقافيّ، ولكنّهم في غالب الأحيان عبء حقيقي على الإبداع، واستنزاف لموارده التي تقتصر عليهم، ويحرم منها المبدع الشّاب. ووصفت الروائية والأكاديمية بجامعة تبوك د.عائشة الحكمي غياب التكريم للشباب المبدع في شتى المجالات بأنهُ أمر مجحف في حق الشباب الذين هم الطاقة والقدرات الواعدة وهم بأمس الحاجة إلى الاحتفاء بهم ومساندتهم خصوصاً منهم من يسخر عمره للانكفاء على إنتاج المعرفة ولا يكترث بالرصيد البنكي أو المناصب أو يحتل مكانة مرموقة فهو. يعمل للحاضر والمستقبل للإنسان الحاضر والقادم دون الاهتمام بالعائد أو المكاسب، ومن هنا لا بد من الأخذ بأيديهم وتعويضهم بما يقدر جهودهم ويعزز أهميتهم في مجتمعهم. ولا يكون ذلك إلا برعاية رسمية تعطي المثقف الحق بالتكريم المستحق كما أن التكريم الشعبي ضروري للمثقف. والمبدع يستشعر من خلاله. بقيمة ما يقوم به من أعمال. فالمتلقي مهم للغاية عند المبدع الشاب إذ كلما وجد صدى إبداعه لدى الجماهير ازداد تألقاً وإبداعاً. كما عبر الصحفي إيهاب كاسب عن رؤيته فيما يتعلق بغياب التكريم عن المبدعين من الشباب العربي، قائلًا: "أرى أن غياب الشباب عن مسرح التكريم في محافل الثقافة والفنون والأدب العربية يعد إنكارًا وإجحافًا لدورهم الكبير في إثراء الثقافة العربية على حسابهم لصالح الذين رحلوا ممن سطروا بأقلامهم تاريخ وتراث هذه الأمة وثقافتها".. كاسب: لا يجيدون تسويق أنفسهم وتابع أن ذلك ليس صراعًا بين الأجيال المتعاقبة وإنما عدم إدراك حقيقي للدور الذي لعبه ويلعبه الشباب في وطننا العربي، فهم قوة كل المجتمعات في مختلف الميادين وأضاف "كاسب" إذا عاد بنا الزمن إلى الوراء فإننا سوف نشهد عشرات التكريمات لكبار الأدباء والمفكرين في المحافل الثقافية الوطنية، حينما كانوا شبابًا وجدوا من يقف إلى جوارهم ويدعمهم، أما الآن فنحن أمام مشهد غير مكتمل، لأن بعض القائمين على هذه التكريم يرفضون أو لا يدركون أدوات التسويق الحقيقية سواء رغبة في تقليل حجم الإنفاق أو رغبة في الصعود المبكر، من هنا يلجأون إلى اختيار أسماء بعينها من رموز الثقافة على الأرجح أنها تستخدم في المتاجرة إعلاميًا من أجل ترويج هذه المحافل وتسويقها وإكسابها الثقة والمصداقية لدى جمهور الثقافة والفنون. كما أشار "كاسب"، إلى أن هذا الأمر يرجع أيضًا إلى قصور في فكر ورؤية وتحركات الشباب المبدعين في مختلف المجالات، فهم لا يدركون حقًا كيفية التسويق لأنفسهم داخل وخارج مجتمعاتهم الوطنية، سواء لغياب الرؤية أو الإمكانات أو لعدم إدراكهم لضرورة الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا ووسائل الإعلام المختلفة في الترويج لأنفسهم وإبداعاتهم الأدبية المختلفة. وأوصى "كاسب" المؤسسات الثقافية الوطنية في البلدان العربية، بضرورة توفير الدعم والتكريم المعنوي والمادي لكافة المبدعين من الشباب العربي، والعمل على تشجيعهم من أجل دفعهم لمزيد من الإنتاج الثقافي والأدبي والفني الإبداعي، مؤكدًا أن الشباب هم الأقدر على إنتاج مواد إبداعية من شأنها تعزيز الهوية والانتماء لدى أقرانهم في المجتمع العربي، فهم الأقدر على فهم لغة الخطاب وأساليب التفكير ويمتلكون أدوات الإقناع.. د. شاهر النهاري د. أحمد قران مفلح العدوان د. مها باعشن إيهاب كاسب د.سناء الشعلان Your browser does not support the video tag.