في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة تحولًا كبيرًا في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال العمل التطوعي. إذ أصبح التطوع جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الشباب السعودي، الذين يسعون جاهدين للمساهمة في خدمة مجتمعهم وتعزيز روح المسؤولية الاجتماعية. ولم تكن الفتيات السعوديات استثناءً من هذا التوجه، فقد أبدعن في مجالات التطوع بطرق متعددة ومتنوعة. فبفضل المبادرات الحكومية والدعم المقدم، ومن أبرزها «المنصة الوطنية للعمل التطوعي»، تمكنت الفتيات من الوصول إلى فرص تطوعية تتناسب مع مهاراتهن واهتماماتهن. « المنصة الوطنية للعمل التطوعي» تُعد إحدى المبادرات الرائدة التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتي تهدف إلى توحيد الجهود التطوعية وتنظيمها بشكل يُسهم في تلبية احتياجات المجتمع وتعزيز الوعي بأهمية العمل التطوعي. هذه المنصة لم تكن مجرد وسيلة لتوفير فرص تطوعية فحسب، بل أصبحت بوابة تُمكن المتطوعين من اختيار الأنشطة التي تتناسب مع تطلعاتهم وتخصصاتهم، سواء كانوا طلابًا أو موظفين أو حتى متقاعدين. في هذا التقرير، نسلط الضوء على قصص نجاح لفتيات سعوديات التحقن بركب العمل التطوعي عبر المنصة الوطنية، كل واحدة منهن أبدعت في مجالها، سواء كان ذلك في التوعية الصحية، التعليم، أو تنظيم الفعاليات الاجتماعية. هذه القصص ليست فقط مصدر إلهام، بل تعكس الالتزام العميق تجاه المجتمع والرغبة في المشاركة الفعالة في بناء مستقبل أفضل. جيل أكثر وعي نورة المفدى، طالبة في السنة الثالثة في جامعة الملك سعود، تخصص علم النفس. منذ صغرها، كانت نورة تملك شغفًا كبيرًا بمساعدة الآخرين وفهم مشاكلهم النفسية والاجتماعية. لذا، قررت الانضمام إلى إحدى الجمعيات الخيرية التي تُعنى بالصحة النفسية للمراهقين. تطوعت نورة في قسم التوعية والإرشاد، حيث تقدم ورش عمل دورية لطلاب المدارس الثانوية حول كيفية التعامل مع الضغوط النفسية وتطوير المهارات الاجتماعية. تقول نورة: «أشعر بسعادة غامرة عندما أرى كيف تتغير حياة الشباب الذين أتعامل معهم، وكيف أنني أساهم في بناء جيل أكثر وعيًا واستقرارًا نفسيًا.» تطوير الذات منى الملحم تعمل في شركة خاصة في مجال التسويق الرقمي، وهي أم لطفلين. على الرغم من جدول عملها المزدحم، قررت منى أن تخصص جزءًا من وقتها للتطوع في دار رعاية الأيتام في مدينة جدة. تقوم منى بتنظيم فعاليات ترفيهية وتعليمية للأطفال في الدار بشكل أسبوعي، وتحرص على مشاركة أطفالها في هذه الفعاليات لتعزيز قيم العطاء والتعاون لديهم. تقول الملحم: «رؤية ابتسامات الأطفال وهم يستمتعون بوقتهم ويشعرون بالاهتمام تمنحني شعورًا بالرضا والإنجاز. العمل التطوعي ليس فقط لمساعدة الآخرين، بل هو وسيلة لتطوير الذات وزيادة الوعي بأهمية المساهمة المجتمعية.» مساهمة تصنع الفرق ريم المرواني خريجة جديدة من جامعة الأميرة نورة بتخصص إدارة الأعمال، تبحث عن فرصة عمل في مجال تخصصها. خلال فترة البحث عن العمل، قررت أن تستغل وقتها في التطوع في برامج تمكين المرأة. انضمت ريم إلى مبادرة تهدف إلى تدريب السيدات على مهارات التسويق الرقمي والعمل من المنزل. تقدم ريم ورش عمل للفتيات في المناطق الريفية لتعليمهن كيفية استخدام الإنترنت لبدء مشروعاتهن الخاصة. تقول ريم: «أرى أن كل امرأة لديها القدرة على النجاح إذا أُتيحت لها الفرصة. التطوع في هذا المجال يعطيني شعورًا بأني أساهم في صنع الفرق، حتى لو كان بسيطًا.» رد جميل الوطن سارة السحيم، طبيبة شابة تعمل في إحدى المستشفيات الحكومية بالرياض، قررت أن تُكرس جزءًا من وقتها للتطوع في حملات التوعية الصحية بالمناطق النائية. تُشارك سارة في تنظيم حملات توعية حول الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، وتقدم فحوصات مجانية للسكان. بالإضافة إلى ذلك، تعمل سارة على تقديم نصائح حول الحياة الصحية والغذاء السليم. تقول سارة: «أشعر بأن لدي واجبًا تجاه المجتمع، والتطوع هو طريقتي لرد الجميل للوطن. من الرائع أن تشعر بأنك تساعد في تحسين حياة الناس وصحتهم.» شعور بالفخر مها المهدي، مهندسة برمجيات تعمل في إحدى الشركات التقنية في المنطقة الشرقية، وجدت في التطوع فرصة لتطبيق مهاراتها التقنية لخدمة المجتمع. انضمت مها إلى مبادرة تطوعية تهدف إلى تعليم الأطفال البرمجة وتطوير تطبيقات بسيطة. تُخصص المهدي جزءًا من وقتها كل أسبوع لتقديم دروس مجانية للأطفال في مراكز الشباب. تقول مها: «البرمجة هي لغة المستقبل، وأريد أن أساهم في تجهيز الجيل القادم بمهارات تساعدهم على النجاح. رؤية الأطفال وهم يبتكرون أفكارًا جديدة تُشعرني بالفخر.» صنع تغيير ايجابي تتحدث الأخصائية النفسية خلود الحربي عن الأهمية النفسية الكبيرة للتطوع وتأثيره الإيجابي على الأفراد، موضحة أن العمل التطوعي يتجاوز كونه مجرد نشاط اجتماعي ليصبح عاملاً مهماً في تحقيق التوازن النفسي. من خلال المشاركة في الأنشطة التطوعية، يحصل المتطوعون على فرصة للشعور بالانتماء إلى مجتمعهم، مما يعزز لديهم الإحساس بأنهم جزء من نسيج المجتمع ويشاركون في صنع تغيير إيجابي فيه. هذا الإحساس بالانتماء والقدرة على إحداث فرق يمنح المتطوعين شعورًا بالرضا والإنجاز، وهو ما يسهم في تطوير الذات وتعزيز الثقة بالنفس. تشير الحربي إلى أن العمل التطوعي له قدرة فريدة على تقليل مستويات التوتر والقلق لدى الأفراد. فعندما يشارك الناس في أنشطة تطوعية، فإنهم يوجهون تركيزهم نحو مساعدة الآخرين، وهو ما يساعدهم على نسيان مشكلاتهم الشخصية ويمنحهم فرصة للابتعاد عن الضغوط اليومية. هذا الانخراط في أعمال تطوعية يُعد بمثابة هروب صحي وإيجابي من الضغوط، حيث يعمل كوسيلة لتفريغ الطاقة السلبية والتحول إلى طاقة إيجابية مفيدة. وتضيف الحربي أن التطوع يسهم في تحسين المزاج العام للمتطوعين من خلال تحفيز الجسم على إفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين والدوبامين. هذه الهرمونات تساهم في تعزيز الشعور بالسعادة والرفاهية، وتُعد بمثابة محفز طبيعي يجلب السعادة والراحة النفسية. تأثير عميق ومستدام من ناحية أخرى، تبرز الأخصائية خلود الحربي التأثيرات الاجتماعية الإيجابية التي يجلبها العمل التطوعي. فالتفاعل مع الآخرين والعمل في فريق يساعد المتطوعين على اكتساب مهارات جديدة في التعاون والتواصل، مما يساهم في بناء علاقات جديدة وتوسيع شبكتهم الاجتماعية. هذه الروابط الاجتماعية الجديدة لا تمنح فقط الدعم والمساندة، بل تخلق أيضًا بيئة يشعر فيها المتطوعون بالتقدير والانتماء. هذا الشعور بالانتماء يعزز من الصحة النفسية للفرد، ويجعله يشعر بأنه جزء من شيء أكبر وأهم، مما ينعكس إيجابيًا على جودة حياته ويزيد من قدرته على مواجهة التحديات اليومية. تختتم الحربي حديثها بالتأكيد على أن العمل التطوعي لا يُفيد فقط المستفيدين المباشرين من هذه الأعمال، بل له تأثير عميق ومستدام على المتطوعين أنفسهم. فهو يُساهم في بناء شخصيات قوية ومُتزنة، قادرة على العطاء والتأثير الإيجابي في محيطها.