بعد أن كان قبل سنوات بسيطة الطموح وجود شاشة سينما بصفة رسمية بالسعودية، أصبحنا نعيش مراحل متقدمة بهذا المجال الثقافي الحيوي، وأصحبت الرياض ومدن المملكة وجهة رئيسة لفن السينما والتفاصيل المصاحبة له، وبمواضيع دقيقة كموضوع «الصوت في السينما» العنوان الرئيس لمؤتمر النقد السينمائي الذي استضافته الرياض خلال الفترة (6 - 10 نوفمبر الجاري). على المستوى الشخصي وكمعاصر للحركة الفنية والثقافية السعودية من ربع قرن تقريبا أعتبر أن ما نعيشه هو حلم بكل ما تعنيه الكلمة، ما نعيشه حاليا جعلت من رائد السينما السعودية المخرج العالمي عبدالله المحيسن وبشغف وحماس أثناء اليوم الأول من المؤتمر، يصرح بأنه متحمس لعمل فيلم خلال هذه الفترة الذهبية التي نعيشها، رغم أعماله العالمية التي حقق من خلالها تواجدا سعوديا دوليا لبلد لم يكن بتلك الفترة يسمح رسميا بهذا النشاط الإبداعي. قيادة المخرج عبدالله آل عياف لهيئة الأفلام كرئيس لها حول الكثير من الأحلام لواقع، كون عبدالله ليس مجرد رئيس تنفيذي لهيئة ولكن هو يجمع بين المهنية الاحترافية والخبرة الإعلامية وعاصر مراحل ما قبل الحلم، ويكفي جرأته بفيلم (السينما 500 كم) عام 2006، كان الاحتفاء باليوم الأول بالمؤتمر بريادة المخرج عبدالله المحيسن انطلاقة كبيرة للمؤتمر للثقل الكبير الذي تمثله تجربة المحيسن على جميع الأصعدة، فكان كبار النقاد السينمائيين في هذا اليوم يحتفلون وبإعجاب بهذه التجربة التي ولدت في زمن صعب وغير مهيأة له الإمكانات بل الصعوبات والتحديات كانت أكبر. النقاد الثلاثة أجمعوا على ريادته في طرح أفلام سينمائية تناقش هموم المنطقة والصراعات التي تدور فيها، الناقد السينمائي المعروف إبراهيم العريس أشار لريادة المحيسن السينمائية رغم صعوبة المرحلة التي أبدع فيها، وكذلك الحال مع الناقد طارق الشناوي الذي أعتبر أن تجربة المحيسن السينمائية هي تجربة عظيمة تستحق التوثيق، أما الناقد فايزة هنداوي اعتبرته فنانا متفردا ومبدعا متمردا بقراره تحدي كل الأعراف وتحقيق حلمه بدراسة السينما في إنجلترا رغم الرفض العائلي والسياسي.. لكنه سافر وعمل في التصوير الفوتوغرافي للأنفاق على دراسة السينما.. بعدها قرر الرجوع إلى بلده لينشئ أول أستوديو تصوير سينمائي وأول أستوديو صوت وأول شركة إنتاج، وأصبح أول سعودي يكتب في هويته مخرج سينمائي كمهنة رغم عدم وجودها بالتصنيفات المهنية السعودية الرسمية آنذاك. الجميل أنه مع هذه الآراء التي تنعكس بطبيعة الحال على السينما السعودية كتجربة، وجدنا أن المؤتمر يفتتح أعماله بفيلم «اغتيال مدينة» للمخرج المحيسن، ليكون هذا الفيلم الشهير رسالة للفكر السينمائي السعودي الذي لم يتأثر فكريا بمرحلة محاربة السينما كمنتج إبداعي، فالفكر هو الأهم، لأن التطوير بهذه الصناعة ليس صعباً إذا كان هناك فكراً يقود هذه الصناعة. المستوى المميز الذي وجدته عن قرب لمؤتمر النقد السينمائي والاحتفائية المستحقة بتجربة المحيسن الإبداعية، والأفكار والأطروحات والفعاليات التي تضمنها المؤتمر، تجسيد رائع وحقيقي لاستراتيجية تجعل من جانب السينما كحالة إبداعية تنطلق لآفاق أكبر وبرؤية واستراتيجية واضحة، لتكون (السينما 100 متر أو أقل) عنوانا لأفلام واقعية وليس فيلم كالذي أبدعه من سنوات آل عياف.