شكلت القهوة العربية ضرورة يومية لإنسان الجزيرة العربية، فلم تكن استهلالية الشاعر محمد الثبيتي محض الصدفة في قصيدته (تغريبة القوافل والمطر)؛ بل هي مستوحاة من الحياة اليومية والبيئة المعاشة وهو يردد: أَدِرْ مُهجةَ الصُّبحِ ويكررها في احتشاد يؤكد لذة الحالة المزاجية للقهوة، ذلك الصوت المفعم بصور استثنائية للدلة العربية بملامح تفاصيلها الجميلة الممزوجة بعبق الأصالة، فما أن يبزغ مفرق الصبح إلا وترى القوم انتظموا وتحلقوا حول دلال القهوة، وتشنّف الآذان لتسمع أصوات المهراس أو النِّجر النحاسي بثلاثية تنداح متناغمة مع مهجة الصبح، ومع بصيص ضوء من آخر الأفق منسكب من المشرق، يرفع عنهم أستار الليل، ليلج فيه سطوع النهار في حلم لا ينتهي مع سيدة المجالس ليجسد تلك المشاهد الحية: زدنا من الشاذلية واسفح على قلل القوم قهوتك المرّة المستطابة إنها القهوة العربية قبل أن تنتقل إلى هذا العالم وتعود إلينا بمسميات مختلفة تبعاً لدرجة التحميص وكذا ما يضاف إليها من نكهات وكريمات مختلفة لتمنحها طعماً آخر، حيث يتم التحميص بدرجات متفاوتة مابين الفاتح المتدرج إلى الغامق والى مرحلة الداكن وحتى السواد الفاحم، اعتماداً على النكهات المطلوبة في محصلتها النهائية قبل الطحن، وهذا التدرج في اللون يعتمده البعض من شعوب العالم إيماناً منهم بتعديل المزاج وزيادة حالة الكيف وكذا الطعم، ولهذا عادت إلينا بأسماء مختلفة، ومتعددة، ومنها الإسبريسو، والكابتشينو، واللاتيه، وقد يكون من أبرزها الاسم (موكا) حيث حملت هذا الاسم الأخير في عموم العالم الغربي، والكلمة هي تحريف من كلمة المخا الميناء الذي كانت تصدر منه القهوة من جنوب الجزيرة العربية لأوروبا وأميركا، حيث تشير الدراسات إلى أن زراعة البن في جنوب الجزيرة العربية تعود إلى عدة قرون وقد اهتم سكان تلك المناطق بهذه النبتة والعناية بها، ويعد جبل شدا في منطقة الباحة من أهم المناطق التي تنتج أجود أنواع البن واشتهر البن الشدوي. وقد سيّرت الكثير من القوافل التي كانت محملة بالبن كهدايا للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ويعزو البعض السبب إلى أن جودة البن في سلسلة جبال السروات الحجازية التي تمتد من الطائف شمالاً إلى جيزانجنوباً إلى عوامل كثيرة منها جودة التربة وخصوبتها والأجواء المناسبة، وأن هذه النبتة تزدهر في المناخ الدافئ وخصوصاً في سفوح الجبال المحاذية للساحل الغربي، إلا أننا وكما يلاحظ عادت إلينا القهوة العربية في السوق السعودي من أغلب دول العالم وكل نوع منها يحمل اسماً منحها علامة تجارية وأصبحت رائجة في العالم وكل صنف يختلف عن الآخر، الأمر الذي رسم للقهوة تاريخاً اقتصاديًا زاخرًا ومسارات تجارية منافسة في أغلب دول العالم واستتباعًا لذلك كان الاتفاق الدولي للبن (ICA) عام 1962م وتمخض عنه (المنظمة الدولية للقهوة) والتي تهدف للحفاظ على حصص الدول المصدرة للبن والحفاظ على استقرار أسعاره في السوق العالمية لتكون المنظمة هي المسؤولة وتمثل الدول المنتجة للقهوة ومعظم الدول المستهلكة، واليوم بفضل جهود القيادة وتطلعات الرؤية يأتي القرار مدروساً بالاهتمام بهذه النبتة التي ستشكل قوة اقتصادية في السوق المحلية والأجنبية ويأتي الدعم مباشر من الجهات العليا -وفقها الله- لينشئ صندوق الاستثمارات العامة الشركة السعودية للقهوة لدعم المنتج المحلي والارتقاء به إلى مصاف العالمية. وتتهيأ الظروف المناسبة من خلال سن الأنظمة الجديدة التي تتواكب مع المرتكزات الثلاثة: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، لنلتقي من أجل القهوة مرة أخرى، ثم يمتد اللقاء مع الجموع المختلفين ويجتمع الناس للدردشة ويدار الحديث حول الثقافة والأدب والكتابة والتاريخ وورش العمل وتقديم الأفكار التي ينجز فيها الأعمال من أجل الوطن وإنسانه، وذلك من خلال فكرة عظيمة ساهمت في رفع الاقتصاد وتوفير فرص العمل والحفز الثقافي والمعرفي من خلال التأليف وطبع الكتاب وغيرها مما يساهم في رفع الحس الثقافي والمستوى المعرفي عند كل المجتمع على اختلاف تبايناتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية في الساحة العريضة التي امتدت على طول الوطن وعرضه بشراكتها المتميزة والتي تتجلى كل يوم باسمها اللامع (الشريك الأدبي)، ليكون هذا المجتمع كما يتمناه عرّاب الرؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-، وكما يتطلع إليه هذا الشعب النبيل بطموحه المتوثب.. وإلى لقاء. عوضة بن علي الدوسي