في صروح الكلمة آمالُ كثيرة ونقاشاتٌ كبيرة بعضها نافعة وأخرى سقيمةٌ وعقيمة؛ لا نتاج فيها ولا ولادة فكرةٍ منها؛ أو نظرية لعلها تصلح للبقاء. هذا في الجدال فماذا عسى أن يكون في أمورٍ أخرى كالبيع والشراء مثلًا واللهو واللغو.. إلخ من صور الحياة والحكايات؟ فالحياة لها فنون ومعارف وعلوم شتى، وما يخلجنا في الذاكرة تلك الأشياء المخفية عنا والتي لا يمكن كشفها أو معرفتها إلا بالطرق الواضحة بما لديها من أقيسة تتعلق بالمنطق الصوري أو الجدلي. ولعل النقطة الأخيرة هي المرحلة الصعبة في المسائل العقلية وقلَّ من يصل إلى نتيجة مفيدة. وهنا نقترب من آية قرآنية تشير إلى ما نرمي إليه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فهي مسألة شائكة في أحكام القرآن وما يتعلق في حياة الناس. فالمحكم قضيته واضحة وصريحة لا جدال فيها وهي أس القضايا المتعلقة بأحكام الحلال والحرام والجائز والمندوب ..إلخ من أحكام. أما فيما يخص المتشابه فهو قضية تحمل في طياتها إشكالية عميقة وخطيرة للغاية على الصعيد البنائي لتفسير المنهج القرآني في جعل المتشابه كالظاهر أي إخراجه من مفرداته الباطنة إلى الظاهر الواضح دون المرور بالآيات المحكمات البينات، أي خلو الأمر من المنطق الموضوعي، أو كما عبر عنها الشيخ عبدالرحمن السعدي (ت1957) بقوله:(يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويحكمون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه) وبهذه الصورة تتضح منها عدة قضايا، فعلى الصعيد الفكري نجد بعض المذاهب العقلية اتخذت مسلك المتشابه وعكفت على مسألة مصدر نشوء العالم وكيفيته وهيئته وصفاته دون كلل وملل والخوض في اتجاهات مُتعبة لا جدوى منها بنتيجة مرضية حول الولوج في تفكيك صفات الخالق الصانع لهذا الكون المذكورة في متون القرآن. ولعل مسألة البحث في أغوار الكون نحو كيفيته ولماذا وجد؟ وتلك من أكبر المسائل العلمية والفلسفية، وهي بنظري مفتاح لكل الغموض والأسرار. وإن قلتُ لك إن الحدث الأخطر في قضية المتشابه تُكمن في ما يجري اليوم لدى الحركات والجماعات الإسلامية المعاصرة؛ من تنظيم الإخوان الإرهابي وفصائله الجهادية الضالة؛ التي تتخذ من المتشابه منهاجًا في تأويل آيات الجهاد بجهلٍ واضح وترك آيات الأحكام سواء بقصد أو من غير قصد، فالأمر سيان لديها والمهم شيطنة الناس ورميهم بمفردات الكفر، وهم في زيغٍ من أعمالهم؛ لا عقول راسخة على الثبات بما يؤل عليه التاريخ؛ إذ لا وجود لماضٍ يتكرر ولا جيل ينسخ جيلاً، وما هي إلا أحلام وردية، فمذهبهم سفك الدماء وإحلال الفتنة محل الحكمة. إذًا الموضوعية هي الرسوخ في إيجاد حل للمشكلات بعد تشخيصها تشخيصًا دقيقًا ومعرفة مصدر عللها. وبهذا نتمكن من إزالة الغبار العالق في حياتنا الاجتماعية حتى نتمكن من مواجهة أي خلل يبعدنا عن النكوص.